مرام مكاوي
مرام مكاوي
كاتبة و أكاديمية سعودية

كيف يسهم بعض المسلمين في تشويه صورتهم؟

آراء

ليس على المرء، في المجتمعات الأخرى، أن يتعمد أن يكون مختلفا، ولا أن يتحدى قوانين وأعراف المجتمعات التي ينزح لها، ولا أن يتشدد حيثما وجدت سعة في الشريعة، فهدف المسلم هو أن يكون مبشرا لا منفرا

في مقال الأسبوع الفائت، تحدثت عن الصورة التي يقدمها الإعلام العالمي والغربي تحديداً عن العرب والمسلمين عبر أدواته المختلفة وعلى رأسها السينما الأمريكية. وعلى الرغم من كون الإعلام وسيلة فعّالة ومؤثرة في زماننا هذا ولا يمكن تجاهل دورها في تشويه الصورة، إلا أن المرء لا يستقي معلوماته عن الآخرين من الإعلام فحسب، وإنما من الاحتكاك المباشر معهم ضمن الحياة اليومية المعايشة، وكلا الطرفين يقومان لا شعورياً بتقييم الطرف الآخر من كافة النواحي. لكنه قدر الأقلية أن تكون تحت العدسات المكبرة، وأن تكون أكثر حساسية فيما يعتقده الآخر عنها في مجتمع ما زالت تحاول أن تغرس جذورها فيه.
قبل أن أعرض الصورة التي استقيتها من المعايشة المباشرة للعرب والمسلمين في أكثر من بلد غربي، ومما أسمعه من الغربيين أنفسهم مباشرة أو عبر إعلامهم، لا بد أن نضع في الحسبان الحالات المختلفة للذين انتقلوا للخارج. فبعضهم ذهب بإرادته، وكانت لديه بالتالي فكرة ما عما قد ينتظره هناك. آخرون أجبروا على النزوح من أوطانهم بسبب الحروب والمجاعات والقمع. فهؤلاء وجدوا أنفسهم فجأة غرباء في وطن قد لا يجيدون لغته، ووسط قوانين لا يفهمونها، وعادات لا ينسجمون مع كثير منها. والمستوى التعليمي والثقافي وحتى الديني للكثير من النازحين من القرى المنسية ليس بذلك الذي يؤهلهم ليعرفوا كيف يتصرفون في مجتمع جديد، ولكن هذا لايعفيهم من المحاولة. هذه الحال لا تنطبق على أبنائهم ممن ولدوا وتربوا في الغرب ويفهمون عقليته فالمسؤولية عليهم أكبر. والشريحة التي أتحدث عنها لا تمثل ـ قطعاً ـ كل المسلمين أو العرب، ولكنها شريحة مشاهدة، وللأسف الأكثر جذباً للاهتمام.
فلو أخذنا المظهر الخارجي، فهو يشكل أول انطباع عنك، لوجدنا بأن إصرار البعض على ارتداء ملابسهم الوطنية، وعلى الرغم من أنها حرية شخصية، لكنها تعطي انطباعا بأن هذا الإنسان لا ينتمي للمكان، خاصة إذا كانت مصممة للبلدان الحارة وتلبس في عز الشتاء الأوربي، وبالتالي يضطر الشخص للاستعانة بملابس من هذا البلد والنتيجة هجين لا يمت لحسن المظهر بصلة. والأمر نفسه للمرأة المسلمة، فكلنا يتفق على وجوب الحجاب ولكن ليس على ارتداء النقاب، فمع أني أحترم قرار من ترتديه في غير بلاد المسلمين، وأرى بأن الدساتير التي تتيح للمرأة حرية لبس المايوه بقطعة واحدة، عليها أن تحترم أيضاً قرار من تريد ستر وجهها. إلا أنني في الوقت نفسه أرى بأنه ما دام كشف الوجه قضية خلافية منذ الأزل، فإن المرأة المسلمة المقيمة خارج ديار المسلمين في سعة لأن تتحجب دون ستر الوجه، ولعلها بذلك تكون داعية أكثر تأثيراً لدينها.
ولو تركنا اللباس والمظهر الخارجي، وعرجنا بشكل سريع على المعاملات لوجدنا الصورة غير مفرحة. فإذا كان قد سبق لك الشراء من البقالة الصغيرة التي تبيع اللحم الحلال لأدركت ما أنوي طرحه هنا. لا يوجد وجه للمقارنة بين النظام والنظافة والرائحة وحتى مراعاة قوانين الصحة والسلامة العامة بين كثير من البقالات التي يديرها المسلمون وبين التي يديرها أهل البلد، أفلا يستحق المسلم الذي يتحرى أكل اللحم المذبوح وفق الشريعة الإسلامية ألا يشعر بالتقزز من مجرد رؤية اللحم؟
إنه الإتقان المفقود في العمل، رغم أنه وصية نبوية وهدى رباني في شريعتنا، فكل شيء يتم كما اتفق وعلى الزبون ألا يطالب بكثير، وهو أمر يكاد يكون عكس ثقافة هذه البلدان المتقدمة، التي جعلت خدمة المستهلك وحمايته في درجة رفيعة، فإذا كانت هذا الأسلوب في العمل غير مقبول منا نحن فكيف نتوقع أن يكون الانطباع عند الآخرين؟
أما لو ركزنا على كيف يعيش أفراد العائلة العربية أو المسلمة ويتعاملون مع بعضهم، لوجدنا صوراً جميلة مثل احترام الكبير والتواصل العائلي، ولكن ثمة أيضاً لدى البعض صور أخرى غير مقبولة. فالطريقة التي يتعامل بها “سي السيد” الشرقي مع النساء أو الأطفال في موطنه وتكون دليلاً على رجولته وحسن إمساكه بأمور بيته لها تأثير معاكس تماماً في الغرب قد يصل إلى حد الملاحقة القانونية. فالتحدث مع الزوجة بغلظة، أو تركها تمشي خلفه تجر الأطفال وكأنها تابعة، يشكلان صورة منفرة جداً للعلاقات بين الزوجين في البيت المسلم، ناهيك طبعاً عن الإساءة الجسدية أو التحكم المفرط.
وكذلك ضرب الأطفال في الأماكن العامة، أو منع البنات من الدراسة، أو التشدد مع الأبناء دون مراعاة أنهم يعيشون في بيئة مختلفة عن بيئة الوطن، وهو قرار لم يتخذوه. ناهيك طبعاً عن ممارسة عادات إجرامية فاسدة مثل جرائم الشرف.
معظم الناس لا تثق عموماً بالجديد وتنفر من المختلف، وليس مطلوباً منا بوصفنا عربا ومسلمين أن نحاول تغيير هذه الفطرة، ولا أن نذوب في الآخر بحثاً عن رضاه، ولا أن نبرر بتوسل ما يراه الآخرون غريباً عن ثوابتنا، فلكل منا هويته. إلا أنه في المقابل ليس على المرء أن يتعمد أن يكون مختلفاً، ولا أن يتحدى متعنياً قوانين وأعراف المجتمعات التي ينزح لها، ولا أن يتشدد حيثما وجدت سعة في الشريعة، فهدف المسلم هو أن يكون مبشراً لا منفراً، وبالتالي عليه أن يعمد إلى أن يزيل من مظهره وسلوكياته ما يدفع باتجاه التنفير، ما لم يكن في ذلك إخلال بواجب شرعي، عليه أن يفعل ذلك من أجل مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة في هذه البلدان، ألا يلعب دائماً دور الضحية وأنه مستهدف فقط من الآخرين دون أن يكون له يد في ذلك، وحدهم المنهزمون داخلياً وحضارياً يفعلون ذلك، وهؤلاء لا يشرفون أي أمة.

المصدر: الوطن أون لاين