خلف أحمد الحبتور
خلف أحمد الحبتور
رجل أعمال إماراتي

لماذا قررت إنشاء مركز للفكر؟

آراء
أيام قلائل تفصلنا عن موعد الافتتاح الرسمي لـ«مركز الحبتور للأبحاث» في مدينة القاهرة عاصمة مصر الغالية على قلوبنا، هذا المركز الذي بدأ عمله بطريقة منتظمة منذ قرابة عام، حتى اكتملت كل أركانه، ودارت عجلة العمل فيه بطريقة مثالية، وحان الوقت لإشهاره رسمياً، إذ بات يضم مجموعة متميزة من خيرة الشباب المصري والعربي ممن يمتلكون مهارات وكفاءات بحثية واعدة. انهمرت عليّ العديد من الأسئلة، وأعتقد أن مزيداً منها في الطريق: لماذا ينشئ رجل أعمال مركزاً للفكر غير هادف للربح؟ وهو سؤال منطقي، فهو نهج غير معتاد في عالمنا العربي، بل وكامل منطقتنا، وقبل أن أجيب، فإنه يلزم توضيح أن كوني رجل أعمال يأتي في الترتيب بعد كوني مواطناً مهتماً بالشأن العربي، مثقلاً بهلاموم وقضايا وطني الكبير، وأتطلع دائماً لأن أسهم بفاعلية في تحسين أوضاعه ودفعه إلى الأمام، فممارسة الأعمال لا تعني الانفصال عن الشأن العام، بل تتركز حوله وتدور في فلكه، لذلك فإن الانفصال عن هموم وقضايا المجتمع لا يستقيم مع ممارسة الأعمال، وخصوصاً الهادف منها للربح.
تزايد هذا الاهتمام في ظل تقاطر الأزمات على المنطقة خلال العقدين الماضين، حيث لم تسلم منطقتنا من صفعات الصدمات الخارجية، بداية من أحداث 11 من سبتمبر. وتكررت الصدمة ذاتها من جديد في عام 2008 مع توالي انهيار المؤسسات المالية العالمية، بسبب سلوك مالي استدامت هذه المؤسسات ممارسته لسنوات طوال كان جديراً بالملاحظة والرصد والتنبيه على عواقبه. وعلى الرغم من أن موجة الإفلاس بدأت من الولايات المتحدة، فإن لهيبها طال المنطقة وضغط على شعوبها فرفع أسعار الغذاء، وتزايدت معه الضغوط السياسية حتى وصلت إلى كتلة حرجة تفجرت معها تظاهرات على طول الإقليم خلال عامي 2010 و2011، تلقى معها الأمن القومي العربي أكبر ضرباته منذ ستينات القرن الماضي.
بعد مرور هذه الموجة، تكررت علينا أخرى قرينة لها في عامي 2019 و2021 عندما باغتتنا أزمة «كورونا»، وتلتها الحرب الروسية الأوكرانية التي وضعتنا أمام الظروف ذاتها مجدداً، لتهدد واقعنا العربي من جديد بعدما استغرقنا 10 سنوات كاملة ليسترد الإقليم بعضاً من عافيته، بتكاليف باهظة ستظل أجيال تدفع كلفتها في المستقبل.
بين هاتين الموجتين كنت قد بدأت بجهود فردية في كتابة مقالات عدة في الصحف العربية والعالمية أستشرف فيها المستقبل، وأحذر فيها مما يحيق بنا من مخاطر تحقق معظمها حالياً، ما دفعني إلى جمعها بين دفتي كتاب عنوانه «هل من يصغي؟ كيف يتجاهل قادة العالم التوقعات التحذيرية عن الشرق الأوسط» صدر عام 2012، ليظهر تطابق ما كنت قد توقعته مع ما حدث حرفياً بعدها بسنوات، الأمر الذي كان سيكفينا مخاطر الصدمات، ويقلل تكاليفها لو كنا قد تحسبنا لها وأعددنا لها العدة.
لا يخفى كذلك، على أحد، أن هناك تحديات ونقصاً في مراكز الفكر في الوطن العربي – على تعدد المراكز المتميزة – أهمها محدودية التمويل، ونقص التعاون الدولي، ونقص التقنيات والبيانات، وعدم توافر الكوادر البحثية الكافية.
وإذا نظرنا إلى العالم من حولنا، فإننا سنجد أن العديد من الدول تعتمد بشكل كبير على الدراسات الاستراتيجية والأبحاث عند اتخاذ قراراتها، ما دفع خطاها في اتجاهات التقدم التكنولوجي والتعليم، والقدرة على تحقيق التنمية المستدامة. زادني ذلك عزماً على وضع هذه الجهود في إطار مؤسسي، يعظمها ويضيف إليها ويخاطب بها العالم، عبر كفاءات تخصص كامل وقتها للفحص والدرس والتمحيص، بما يوسع دائرة التنبؤ، ويعمق قدرات الاستشراف، خصوصاً أنه قد استقر في يقيني أننا سنواجه – لا محالة – موجات أخرى أشد فتكاً وأعمق أثراً، ومن أبعاد أكثر غرابة وأبعد عن التوقع.
لهذا بادرت بتأسيس «مركز الحبتور للأبحاث»، وحرصت على أن يضم كفاءات شابة عربية خالصة، مؤهلة جيداً، ليبدؤوا من حيث انتهيت وانتهى العالم في مجالات الاستشراف والإنذار المبكر، بما يحقق الأهداف السابقة، ويضيف إليها بعدين جديدين: أولاً توعية الرأي العام العربي الذي بات مستهدفاً بشدة من العالم الخارجي، بغرض فرض أجندة عالمية، ربما لا تتوافق مع مصالحنا العربية المشتركة، وثانياً خلق مزيد من النخب التي تحمل المسؤوليتين السابقتين معاً: الاستشراف، ومخاطبة الجماهير.
يستهدف المركز أخيراً، وضع مخرجاته جميعها على طاولة صناع ومتخذي القرار العرب، ليسهم كمدخل إضافي ضمن ما يمتلك قادة وطننا العربي من مدخلات قيمة في عملية صناعة القرار، لكن بعيون شابة ومن المجتمع المدني غير الهادف للربح، بما يعظم من حيادية المخرجات ويجنّبها التحيزات.
يترجم «مركز الحبتور للأبحاث» إذاً جهداً كنت بدأته منذ 15 عاماً، شكّل اهتمامي الأساسي بشؤون مجتمعي، ويعبر عن كوني جزءاً لا ينفصل عن محيطه العربي، يفيدني كل ما يدفع في اتجاه تقدمه، ويقيه شر قادم الصدمات، ويفتح له باباً نحو تحقيق مستقبل آمن وأكثر رفاهية.
المصدر: الامارات اليوم