عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

منع صورة المرأة في الانتخابات البلدية

آراء

للأسف دائماً نقف في منتصف الطريق ويأسرنا الماضي في قرارات ومشاريع مستقبلية. قضية مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية المقبلة خطوة في هذا الطريق الصحيح، ولكن تأتي التعقيدات المنحازة للنظرة المجتمعية إلى المرأة، فوزارة الشؤون البلدية (الجهة الرسمية المنظمة لمشاركة المرأة في هذه الانتخابات ناخبةً أو مرشحةً) أصدرت قبل فترة ضوابط لهذه المشاركة وكيف تدير المرأة حملتها الانتخابية، وأكدت الوزارة في تلك الضوابط أهمية المساواة في تلك الحملات مع ما يتماشى مع الدين وخصوصية المجتمع. بلا شك أن ولي الأمر عندما أصدر حق مشاركة المرأة في هذه الانتخابات كان معتمداً على حق المرأة في ديننا الإسلامي وما أعطاها من حقوق في هذا الشأن، وعلينا ألا نتناقض مع خطابنا الإسلامي بأن ديننا الإسلامي أعطاها حقوقها وجعلها متساوية مع الرجل في تلك الحقوق، ولكن القضية هي في جزئية التوافق مع خصوصية المجتمع، فأولاً علينا الإقرار بأن المجتمع لا يحمل النظرة نفسها لوضع المرأة في مجتمعنا حتى لو كانت هناك أصوات لا تؤمن بتطور المرأة وإعطائها حقوقها. نحن كمجتمع تتطور وتتغير نظرتنا لقضيانا، فهذه قضية إنسانية وبشرية قابلة للتغير وليست جامدة حتى لو حاول بعضهم تصورها بهذا الشكل.

نسمع أصواتاً اليوم تطالب بمنع نشر صور المرشحات لصورهن النسائية في حملاتهن في الانتخابات البلدية المقبلة وعزل المراكز الانتخابية وتخصيص مراكز تصويت للرجال وأخرى للنساء. نحن مجتمع واحد لا رجالي ولا نسائي، وعلينا أن نثق بالمرأة ونؤمن بمبدأ الشراكة مع كل مكونات المجتمع والعمل وحدة واحدة، أما إذا بدأنا في العزل والتفريق بين هذه المكونات فإننا لن نتقدم خطوة، وستشغلنا هذه القضايا الجانبية في مشروعنا التنموي التي تجاوزتها غالبية الشعوب. علينا تخطّي حضور المرأة في قضايانا المجتمعية من دون عزل مادي بيننا، فما المشكلة أن تظهر صورة المرأة، سواء أكانت بحجاب أم من دونه، خصوصاً أننا نفوضها أن تكون صوتنا في مجالسنا البلدية التي يفترض أن تناقش قضايا تخص حياتنا مباشرة، فمن الذي يحدد خصوصية المجتمع ويزعم أن ظهور صورة المرأة في حملاتها الانتخابية مضاد لتلك الخصوصية؟ إن علينا – إن كنا فعلاً نعمل للخروج من ثقافة الانغلاق والإقصاء أن يكون للمرأة حضورها ليس صوتاً بل صوت وصورة وهذا هو الطبيعي في كل مجتمعات العالم – ألا نخلق مجتمع أشباح وألاّ نرجعه إلى خصوصية مجتمعية من الصعوبة تحديدها.

في لحظة إعلان تعيين المرأة السعودية في مجلس الشورى تعالت أصوات مطالبة بعزل عضوات مجلس الشورى عن زملائهن في المجلس، بل سمعنا عن مخططات لوضع سواتر في المجلس للفصل بين الجنسين، ولكن لم يحدث شيء من ذلك، فأصبح مجتمع الدهشة والريبة والمنادي بالعزل يتعود على حضور المرأة مجلس الشورى إلى جانب الأعضاء الرجال، فلم يحدث ما خُوفنا منه، بل فيه رسالة تربوية – ولاسيما للأطفال – أن المرأة، وهي أمهم، لها حضورها في المجتمع، وهذا ما سيخلق نظرة التقدير والاحترام لها في عالمنا خارج عالم الأقارب.

لن أتحدث عن تخصيص مراكز انتخابية للنساء وأخرى للرجال، التي أعتقد بأننا الوحيدون في ذلك، فكما نشاهد في التلفزيونات في الانتخابات في دول مشابهة لنا بالعادات والدين تكون المراكز موحدة، فليست هناك أقسام للرجال وأخرى للنساء في المركز نفسه الانتخابي، علينا الاستفادة من مثل هذه الانتخابات لإعطاء المرأة السعودية الحق في الحضور كما أخيها الرجل، ولاسيما أن ضوابط الانتخابات المعلنة تؤكد المساواة.

هناك أصوات لدينا ستضخِّم هذا الأمر وتعمل منه قضية القضايا وتصورنا كأننا خرجنا عن ثوابتنا الدينية، ولكن هدفها ليس المحافظة على الثوابت، ولكنه للتوظيف السياسي، مستغلةً الثقافة التي غرزتها على مدى أعوام ماضية في مجتمعنا، فنجد تلك التيارات لا تتعرض لدول إسلامية وصلت فيها المرأة إلى أعلى سلطة في تلك البلاد. انتخابات الغرف التجارية والجمعيات المدنية كان للمرأة السعودية حضور في حملات الترشح في تلك المؤسسات، وشاهدنا صور النساء في تلك الحملات ولم يحدث خلل يهدد المجتمع، فعلينا المضي في مشروعنا الإصلاحي.

المصدر: الحياة