من يُقرِض القرضاوي؟

آراء

على رِسلك يا من استفزك عنوان المقال فنحن أبناء زايد وتعلمنا من مدرسة زايد أن نقابل السيئة بالحسنة.

جميعنا يعلم تلك العبارة التي قالها الشيخ الدكتور القرضاوي من على منبر الجمعة قبل الفائتة حين قال «الإمارات التي تقف ضد كل حكم إسلامي». والحقيقة أنه كان لدى كاتب هذه السطور خياران في التعاطي مع ما قاله الشيخ القرضاوي. فإما الهجوم والقدح، وإما التعاطي بعقلانية وطرح البراهين والوقائع. ولاشك أن خيار العقلانية هو الخيار الأمثل لمن كان زايد مثله الأعلى وينهل من فكره طيب الله ثراه.

وأدعو هنا القارئ الفاضل ليسير معي في رحله افتراضية مع الشيخ القرضاوي يجوب فيها ربوع الإمارات لنرى هل يمكن تفنيد ما قاله أم لا.

ولنبدأ رحلتنا الافتراضية..

إنها الحادية عشرة والربع بتوقيت دولة الإمارات، العاشرة والربع بتوقيت الدوحة عاصمة دولة قطر، الدولة الخليجية التي لشعبها ولشيوخها كل التقدير والاحترام من قِبل أبناء زايد. إنه موعد رحلة طيران الاتحاد الناقل الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة التي يقوم دستورها على دين الإسلام وتأتي أحكامها لتستمد من الشريعة الإسلامية أصولها.

«سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون» يستمع الشيخ القرضاوي إلى هذا الدعاء الذي تسمعه عند كل رحلة تستقلها عن طريق شركات الطيران الوطنية الإماراتية.

مدة الرحلة لا تتجاوز الساعة وخلال هذه الرحلة يتقدم المضيف الإماراتي ليساعد الشيخ القرضاوي في الاستماع للقرآن الكريم طوال فترة الرحلة.

تصل الطائرة إلى مطار أبوظبي الوطني لتنطلق الرحلة الافتراضية بالشيخ القرضاوي إلى ربوع دولة الإمارات. ما أن يركب الشيخ القرضاوي السيارة حتى يستمع إلى القرآن الكريم حيث سورة البقرة. يطلب الشيخ القرضاوي من السائق أن يعيد الشريط لكي يستمع إلى القراءة من أول السورة. يعتذر السائق قائلاً «المعذرة منك يا شيخ، فهذا ليس شريطاً، وإنما إذاعة القرآن الكريم التي تبث من أبوظبي ولها مثيلاتها في مختلف إمارات الدولة».

تتحرك السيارة مغادرةً مطار أبوظبي «الله أكبر، الله أكبر» إنه أذان الظهر الذي يعم أرجاء العاصمة الإماراتية أبوظبي. «سنصلي في مسجد الشيخ زايد الكبير» يقول المرافق للشيخ القرضاوي. خلال الطريق إلى مسجد الشيخ زايد الكبير يلتفت الشيخ القرضاوي تارة يسرى وتارة أخرى يمنى ليرى العديد من المساجد متسائلاً «كم عدد المساجد في دولة الإمارات؟». حسب إحصائية الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف يبلغ عدد مساجد الدولة 4915 وهي في تزايد مستمر. وهناك أضعافها قد بُنيت خارج دولة الإمارات بتبرعات من أبناء زايد، ناهيك عن مراكز تحفيظ القرآن والوقف، حيث هناك العديد من الجمعيات الإماراتية الخيرية لديها العديد من المشاريع داخل الدولة وخارجها.

وبعد كل هذا تخيل يا شيخ يأتي أحد ويقول «الإمارات تقف ضد كل حكم إسلامي».

تصل السيارة بالشيخ القرضاوي إلى باحة مسجد الشيخ زايد الكبير، اللسان يعجز عن وصف جمال هذا المسجد وأجوائه التي تبعث على الاطمئنان. «وصل عدد المصلين في ليلة الـ27 من رمضان إلى أكثر من 40 ألف مصلٍّ»، يقول أحد المشرفين على هذا المسجد، مستطرداً: «تستقبل دولة الإمارات سنوياً العلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة في رمضان، وهي سُنة حميدة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، سائر على إثرها خلفه».

وكأن القارئ يسابق قلمي ليقول للشيخ القرضاوي: «وبعد كل هذا تخيل يا شيخ يأتي أحد ويقول الإمارات تقف ضد كل حكم إسلامي».

تتجه الرحلة الافتراضية بالشيخ القرضاوي إلى إمارة دبي وخلال الطريق يسأل مرافق الشيخ القرضاوي «هل زرت دبي من قبل يا شيخ؟» يجيب «نعم لقد زرتها وتسلمت جائزة شخصية العام الإسلامية التي تنظمها جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم».

وبعد كل هذا تخيل يا شيخ هذه الدولة التي تكتظ فيها المساجد وتعقد فيها المؤتمرات والندوات الإسلامية والمسابقات الدينية، وأعمالها الخيرية لنصرة المسلمين وغير المسلمين عن طريق مؤسسات الأعمال الخيرية يأتي أحدهم ويقول «الإمارات تقف ضد كل حكم إسلامي»!

«سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين» دعاء يسمعه الشيخ القرضاوي في الطائرة المغادرة من أبوظبي وبذلك تنتهي الرحلة الافتراضية للشيخ القرضاوي في ربوع دولة الإمارات. الدولة التي يأتي مرتكز الهُوية الإسلامية جزءاً لا يتجزأ من كيان هذا الشعب الذي لا يجازي السيئة بالسيئة.

فهل بعد هذا يمكن أن تُصغي الآذان إلى ما قاله الشيخ القرضاوي؟ يجيب أحدهم بأن الشيخ القرضاوي ربما يقصد أمراً آخر.

وما هو؟ هل التمسح بالدين للوصول إلى غايات سياسية؟ هل هو التوظيف السياسي للدين؟ هل الحكم الإسلامي الذي يقصده الشيخ القرضاوي هو حكم تنظيم أتخذ من الإسلام مطية للوصول إلى غاياته؟

إن كان الأمر كذلك فيكفي أن نقول للشيخ القرضاوي إن دولة الإمارات دولة هُويتها الإسلام منذ تأسيسها وهي كذلك ما شاء الله. فالإمارات لم تتغير ولكن يبدو عيون البعض وتوجهاته تتغير بتغير المصلحة حتى لو وصل الأمر إلى طمس الحقائق الواضحة وضوح الشمس.

يقول أحد المفكرين أنا لا أُبالي بالنقد الهدام بل إني سعيد به. فكلما قرأت نقداً هداماً، أقص تلك القصاصة وأضعها مع بقية القصاصات الأخرى، لأرتقي فوقها.

«من يُقرض القرضاوي». وها هو شعب الإماراتي قد أقرض الشيخ القرضاوي قرضاً حسناً دون فوائد وبلا مقابل، ليرى الحقيقة واضحة أمام عينيه.

فهل لك يا شيخ أن تقرض نفسك وقتاً كيف تعيد حساباتك من جديد؟

يتساءل القارئ هل سيتوقف النقد الهدام ضد دولة الإمارات؟ ونقول وهل ستتوقف الحجارة من أن تُرمى على الشجرة المثمرة؟

المصدر: الاتحاد