مهرجان أبو ظبي: دورة الحضور العربي والاكتشافات المدهشة

أخبار

خيّم شبح الأزمة المالية العالمية أمس على فيلم افتتاح الدورة السادسة من مهرجان أبو ظبي السينمائي «الموازنة» Arbitrage.الفيلم الذي يصوّر سيرة ملياردير يحاول تغطية جرائمه المالية بطرق ملتوية، سبقت عروضه التجارية، عرضه في مهرجان أبو ظبي، ما دفع المدير الجديد لمهرجان الإماراتي علي الجابري، الى استباق اي حديث عن هدف يُسجّل في مرمى مهرجانه، بالقول: «نمرر رسالة مهمة هنا، مفادها اننا نهتم بالأفلام العربية الانتاج. كما نوفّر لجمهور أبو ظبي فرصة لقاء نجوم السينما العالميين. ومن الرائع في هذا المجال ان يلتقي الجمهور العربي الممثل العالمي ريتشارد غير».

واللافت ان فيلم «الموازنة» الأميركي، هو من إنتاج السعودي محمد التركي ومن بطولة ريتشارد غير الذي «امتدحه النقاد لأدائه دوراً قد يقوده هذه السنة إلى أوسكار أفضل ممثل»، كما اضاف الجابري. فإن تحقق توقعه هذا، يكون مهرجان أبو ظبي سجّل هدفاً في مرمى المهرجانات العربية الأخرى المنافسة، وإن لم يتحقق، فإن نظرة اولى الى برنامج هذا العام تقود الى الاستنتاج، بأن المهرجان لا تعوزه أهداف إضافية تُسجل في مرمى منافسيه، لما تحمله هذه الدورة من غنى في البرامج والعروض، ومن «اكتشافات» جديدة من نوعها.

وهذا الغنى شكّل مفاجأة لجميع المراقبين لأحوال المهرجان، خصوصاً من الذين تابعوا اضطرار هذه الدورة الى ان تنجز في ظروف قياسية بعد انتقال إدارته في النصف الثاني من السنة من «هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث» الى Twofour54. ويكمن السبب، كما اكدت كل البيانات الصحافية الصادرة عن المهرجان «في إطار ضمّه الى بقية مبادرات أبو ظبي الإعلامية والفعاليات الاخرى ذات الصلة، من اجل تعزيز موقع أبو ظبي كمركز إبداعي يدعم الإنتاج السينمائي في المنطقة».

تحدّ كبير

التحدي كبير امام المدير الجديد علي الجابري الذي حلّ خلفاً لخبير ادارة المهرجانات الاميركي بيتر سكارليت الذي كان قد تولى إدارة عدد من أبرز المهرجانات، بدءاً من مهرجان «سان فرانسيسكو السينمائي الدولي» مروراً بمهرجان تريبيكا في نيويورك ومؤسسة السينما الفرنسية، قبل أن يعين عام 2009 مديراً تنفيذياً لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبو ظبي… وهو تحدٍ يتخذ دلالاته حين نعرف ان سكارليت هو أول خبير دولي أجنبي يتقلد وسام الجمهورية الفرنسية من درجة فارس في جوقة الشرف للفنون والآداب، الذي تمنحه وزارة الثقافة الفرنسية. وكان له الفضل في التعريف بسينمائيين كبار مثل جين كامبيون وألان كلارك ومايك لي وسواهم، ما يعني ان خلافته في ابو ظبي لن تكون نزهة سهلة.

وواضح ان الجابري مدرك لأهمية هذا التحدي، ومن هنا كان اعتماده على فريق عمل استطاع ان يجذب أبرز نتاجات السينما العربية لهذا العام، فضلاً عن أفضل الأفلام الأجنبية من بين تلك التي كان لها طوال العام المنتهي فرصة العروض الأولى في المهرجانات الدولية الكبيرة مثل «كان» و «البندقية» و «تورونتو» و «برلين». فماذا تُخبئ هذه الدورة؟

من الكمّ الى النوع

165 فيلماً من 48 دولة، بينها 81 فيلماً طويلاً (8 أفلام في عرضها العالمي الاول و3 في عرضها الدولي الاول)، إضافة الى 84 فيلماً قصيراً، للسينما العربية منها، حصة كبيرة. ولنبدأ بالسينما العربية هنا، ففي فئة الأفلام الروائية الطويلة تحضر 4 أفلام من أصل 16، هي «بعد الموقعة» للمخرج السينمائي المصري يسري نصرالله الذي لا يزال يتنقل بين المهرجانات منذ عرضه الاول في مهرجان «كان»، و «عطور الجزائر» للسينمائي الجزائري رشيد بلحاج الذي طال انتظاره اذ سبقته سمعته بأنه واحد من اضخم الإنتاجات السينمائية الجزائرية منذ سنوات طويلة، ويبدو ان منتجه التونسي طارق بن عمار يشاء من خلاله ان يعوّض على النكسة التي اصابته بإنتاجه السابق «ذهب أسود». والى هذين هناك «حراقة بلوز» للمخضرم الجزائري أيضاً موسى حداد و «ما نمتوش» للمخرج التونسي نوري بو زيد الذي يعتبر علامة فارقة في السينما العربية الجديدة منذ نحو ثلث قرن، وأثار اضطهاده من جانب بعض «الثوار» في تونس خلال العام الفائت بسبب عدم رضاهم عن فيلمه «ماكينغ أوف» الذي يفضح أوالية تصنيع الإرهابيين، موجة عارمة من الاستياء… والأفلام الثلاثة الأخيرة تقدم عرضها العالمي الاول في ابو ظبي. وكذلك في فئة «آفاق جديدة» هناك ايضاً 4 أفلام عربية من اصل 15 فيلماً، هي «الخروج للنهار» للمخرجة المصرية هالة لطفي و «لما شفتك» للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر و «المغضوب عليهم» للمخرج المغربي محسن بصري و «المواطن» للمخرج السوري سام كعدي. وفي فئة الأفلام الوثائقية 5 أفلام عربية من أصل 12، هي: «عالم ليس لنا» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل و «كما لو اننا نمسك الكوبرا» للمخرجة السورية هالة عبدالله و «يلعن بو الفوسفاط» للمخرج التونسي سامي تليلي و «البحث عن النفط والرمال» لوائل عمر وفيليب ديب و «محمد أنقذ من الماء» لصفاء فتحي.

وعلى رغم ان هذا الحضور العربي في حد ذاته لا يمكن الاستهانة به من ناحيتي الكمّية والنوعية، ما يميّز «ابو ظبي» مرة أخرى عن الكثير من المهرجانات العربية وغير العربية المتصارعة عادة للحصول على عروض اولى او غير اولى للأفلام العربية الجديدة، فإن حضور السينما العربية لا يقتصر على الأفلام الطويلة، بل هي تحضر أيضاً من خلال 8 أفلام في مسابقة الأفلام القصيرة، من دون ان ننسى مسابقة أفلام من الإمارات التي تتضمن 46 فيلماً روائياً ووثائقياً قصيراً من الإمارات ومجلس التعاون.

جديد من العالم

ولئن كنا هنا قد بدأنا كلامنا بالتركيز على السينما العربية الحاضرة في «ابو ظبي»، فإن هذا لن ينسينا بالتأكيد، أهمية وجدّة حضور السينما العالمية ولا سيما الأوروبية منها، وبالتحديد في التظاهرتين الرئيستين «المسابقة الرسمية» و «بانوراما». ففي المسابقة نجد افلاماً لافتة وكبيرة حقاً قد لا يقلل من قيمة حضورها هنا كون بعضها عرض في مهرجانات سابقة. إذ الى جانب فيلم يسري نصر الله «بعد الموقعة» الذي سبق عرضه في مسابقة «كان» وخرج من هناك خالي الوفاض، يطالعنا الفيلم الروسي الكبير «خيانة»، الذي كاد مخرجه كيريل سيريبرينوف يخرج بأكثر من جائزة في مناسبات عدة. وهناك فيلم مايكل ونتربوتوم الجديد «كل يوم» و «جنجر وروزا» لسالي بوتر و «الحب هو كل ما تحتاجه» للدنماركية سوزان بير وبخاصة فيلم الياباني تاكيشي كيتانو العنيف «ما وراء الهيجان» الذي استكمل به سابقه العنيف ايضاً «هيجان» وجعل متفرجي مهرجان البندقية يتساءلون: الى اي حدّ يمكن السينما ان تكون عنيفة وذات ادعاءات فنية فكرية في الوقت نفسه؟

والى هذه الأفلام التي اثبت بعضها حضوره في مناسبات متتابعة، يمكن ان نضيف اعمالاً اخرى تحمل تواقيع اصحاب اسماء معروفة في الصين وتركيا والشيلي وأستراليا… اسماء معروفة؟ ربما. لكنها ستعرف اكثر بعد مرورها العالمي هذا بـ «ابو ظبي». ومع هذا يبقى الفضول الأكبر في هذه الدورة من المهرجان الخليجي، ماثلاً في فيلم «جيبو والشبح»… وذلك من خلال اسم مخرجه الذي يعتبر اكبر المخرجين العاملين في العالم سنّاً، وهو البرتغالي المخضرم مانويل دي اوليفيرا الذي ربما سيكتشف نوع معين من الجمهور العربي هنا، سينماه في فيلمه الشديد الحداثة هذا والذي يوصل فيه دي اوليفيرا فنه المستمر منذ ايام السينما الصامتة(!) وحتى اليوم من دون انقطاع، الى ذروة جديدة من خلال حكاية عائلية واختفاء ابن وزوج وعودته من دون توقّع، في حبكة تكاد «الأحداث» فيها لا تبرح غرفة واحدة طوال ما يقرب من ساعتين! ومهما يكن من أمر، لا بد من ان نضيف هنا ان عرض هذا الفيلم سيكون مناسبة لتكريم خاص يقدمه المهرجان للنجمة الإيطالية – المولودة في تونس – كلوديا كاردينالي التي تعود في هذا الفيلم بعد غياب طويل الى جانب الرائعة الأخرى جان مورو. اما النجمة الأخرى المكرمة في المهرجان نفسه فهي المصرية سوسن بدر التي تتألق في الفيلم الذي اضحى اليوم من كلاسيكيات السينما المصرية «الأبواب المغلقة» لعاطف حتاتة. ولافت ان الفنانتين على التفاوت الكبير في السن بينهما تمنحان في المهرجان جائزة تسمّى «انجاز العمر»!

من ناحيته، من المؤكد ان اوليفيرا سيكون اكتشافاً حقيقياً في هذه الدورة، لكنه لن يكون الوحيد. ففي تظاهرة «بانوراما» اعمال مدهشة وبرسم إعادة الاكتشاف، ولا سيما منها تلك التي سبق ان عرضت في «كان»: «عائلة محترمة» للإيراني مسعود بخشي، و «حيوانات البراري الجنوبية» للأميركي المدهش بنه زيتلن، اضافة الى «المغضوب عليهم» للمغربي محسن بصري وبخاصة «حجر الصبر» للكاتب والسينمائي الأفغاني عاتق رحيمي، ناهيك بجديد كلّ من الفلسطينية آن مار جاسر والمصرية هالة لطفي.

من البلاد البعيدة

معظم ما ذكرنا يشكل بالتأكيد اكتشافات حقيقية، بيد ان الاكتشاف الأكثر اهمية يبقى – في اعتقادنا – ذاك الذي اذا كان قد سبق لجمهور مهرجان «مراكش» المغربي قد خبره في موسم خاص قبل فترة، فقد آن الأوان للجمهور العربي المشرقي ان يختبره بدوره من خلال تظاهرة خاصة في دورة «ابو ظبي» هذه. وما نتحدث عنه هنا هو السينما الكورية (الجنوبية) التي باتت منذ سنوات، واحدة من اهم السينمات الصاعدة في العالم، تكرس لها المناسبات والتظاهرات، وتمنح الجوائز وصار لها مخرجون أعلام يتم تداول اسمائهم، على تشابهها وصعوبتها، في اوساط هواة السينما.

إذاً لهذا الفن السابع الآتي من ذلك البلد البعيد، يكرس مهرجان ابو ظبي تظاهرة خاصة، لا شك في انها سوف تنتهي بإثارة الدهشة لدى الجميع حتى ولو ترددوا اول الأمر. وهذه التظاهرة التي تقام تحت شعار ذي دلالة هو «اضواء كاشفة على كوريا الجنوبية» تضم ستة افلام كانت من الأبرز الآتي من هذا البلد خلال الفترة الأخيرة، وتحمل تواقيع المخرجين الستة الأبرز في هذه السينما: فمن هونغ سانغ-سو يأتي «في بلد آخر» من بطولة النجمة الفرنسية ايزابيل اوبير. ومن شو شانغ-منه يأتي «مسكاراد»، اما جو سونغ-هي فيشارك بفيلم «ابن المستذئب»، فيما تعرض التظاهرة ايضاً «نا-تا-دول» لجي-يون بارك، و «منطقة الأمن المشتركة» لبارك شان-ووك…

بيد ان الفيلمين الأقوى والجديرين بألا يفوّتا مهما كانت الذريعة ضمن اطار التظاهرة نفسها، فهما تحفة كيم كي-دوك «ربيع، صيف، خريف، شتاء وربيع» وفيلم كيم كي –جوك «الطيب والسيئ والفاسد» العابق بمغامرات ومطاردات رائعة من الواضح انها ما اجتمعت هنا إلا كي تسخر بقالب فاتن وساحر من سينما المغامرات الأميركية وسينما «الويسترن سباغيتي» الإيطالية، اي سينما رعاة البقر على طريقة الراحل سيرجيو ليوني. والحقيقة ان مشاهدة هذه الأفلام – او بعضها على الأقل – كفيلة بأن تبرر كل هذا النجاح الذي تعرفه السينما الكورية في العالم، وليس فقط في اوساط النقاد والمهرجانات…

لكنها في الوقت نفسه، ستؤكد من جديد، ما كان سبق ملاحظته من ان برامج ابو ظبي باتت تنحو اكثر وأكثر الى تحفيز الجمهور على اكتشاف جديد السينما وغريبها في وقت واحد، وهو ما سيطلب من هذه الدورة ان تؤكده من جديد، وليس فقط في مجال الاختيارات بل ايضاً على صعيد العروض والتنظيم والوعود المستقبلية. والسؤال الآن هو: هل تفعل؟

والسينما تتذكّر استقلال الجزائر

هذا العام هو، تاريخياً، عام الإحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر عن الإحتلال الفرنسي. ومن هنا، للمناسبة اراد مهرجان ابو ظبي ان يحتفل بالذكرى على طريقته، وبخاصة لأن السينما – كما هو معروف – لعبت دوراً في رفد ثوار الجزائر بالأبعاد الفنية وتعريف جماهير السينما في العالم ببعض سمات تلك الثورة التي اشتهرت يومها باسم «ثورة المليون شهيد»، وكذلك لأن الجزائر المستقلة لعبت، ولا سيما في الستينات والسبعينات دوراً كبيراً في سينما العالم الثالث، كما اسست لحراك سينمائي جزائريّ استثنائياً في حينه. ومن هنا تم اختيار عدد من الأفلام الجزائرية – او المتعاطفة مع جزائر ذلك الحين – كي تعرض في تظاهرة خاصة. وذلك الى جانب افلام جزائرية جديدة معروضة ضمن التظاهرات الأخرى («حراقة بلوز» و «عطور الجزائر» و «الجزيرة»….). والأفلام الكلاسيكية المعروضة هي: «مدونات سنوات الجمر» لمحمد الأخضر حامينا (السعفة الذهبية في «كان» 1975) و «معركة الجزائر» لجيلو بونتكورفو (الأسد الذهبي» في البندقية 1966) و «باب الواد سيتي» لمرزاق علواش، و «عطلة المفتش طاهر» لموسى حداد، و «الأفيون والعصا» لأحمد راشدي، وأخيراً، «زاد» رائعة الفرنسي/اليوناني كوستا غافراس الذي ينسى كثر اليوم انه من انتاج جزائري يوم كانت الجزائر تنتج بعض افضل الأفلام العربية والأوروبية.

المصدر: جريدة الحياة