عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

نصف السعوديين يشعرون بالتمييز القبلي

آراء

في ندوة أقيمت الأسبوع الماضي في النادي الأدبي بحائل بالشراكة مع هيئة حقوق الإنسان في المملكة بمناسبة اليوم العربي لحقوق الإنسان الذي يوافق 16 من آذار (مارس) الجاري، أظهرت دراسة قامت بها هيئة حقوق الإنسان أن حوالى 65 في المئة من عينة الدراسة من السعوديين يشعرون بالتميز القبلي والمناطقي وأن نحو 19 في المئة منهم يشعرون أحياناً أنهم مميزون، وهذه باعتقادي نتيجة مخيفة وتعكس أننا – على رغم التقدم المادي – لا نزال ندور في حلقة ضيقة على المستوى الفكري، فمسألة تعدد الولاءات للقبيلة والمنطقة والقرية تعبّر عن ثقافة جهلنا، على رغم رسوخ مؤسسة الدولة، إلا أن الأشكال الاجتماعية التقليدية، مثل القبلية والإقليم، هي صاحبة الولاء في المقام الأول قبل الولاء للوطن، ولكن التساؤل لدينا عن مثل هذه الولاءات المتعددة التي تكون العلاقة بالوطن فيها في مرتبة متأخرة لدى المواطنين.

يمكن القول أن مفهوم المواطنة هو السلاح القوي في تذويب مثل هذه المؤسسات الاجتماعية التقليدية، ولكن يبدو أن مسألة المواطنة لم تترسخ عندما إلا في شكل سطحي، فبعضنا – للأسف – يلجأ إلى القبلية والإقليمية في حياته فيجد العون والمساعدة في حياته العملية والاجتماعية أكثر مما يستطيع أن تنصفه الأنظمة والقوانين الرسمية، بل قد تُستخدم تلك الأنظمة الرسمية في تعزيز القبلية والمناطقية، وكلنا يعرف مثلاً أن بعض الأجهزة الرسمية والوزارات تكون مشكلة من بعض المناطق في بلادنا، ونجد أن أبناء بعض مناطق بلادنا هم أكثر وجوداً فيها من المناطق الأخرى، على رغم مرور البلاد بحال من التحديث المادي والتشريعي، ولكن ظل الإنسان في هذه العملية قليل التفاعل، لذا ظل بعض الجماعات القبلية والمناطقية تقدم الولاءات على هذا الأساس قبل الولاء للوطن.

في المجتمعات الرأسمالية التي عززت الولاء للمؤسسة التي ينتمي إليها الفرد لم تكن بتلك السهولة، فالثورة الصناعية كان لها دور واضح في تحطيم الولاءات التقليدية في تلك المجتمعات، سواء الاجتماعية أم الدينية، وأصبح الإنسان هناك محكوماً بالولاء لوطنه، على أساس المساواة بالحقوق والواجبات، وأصبحت القوانين واضحة في هذه القضية، وأسست الأحزاب والمؤسسات والنقابات المهنية التي تطورت مع ما شهدته تلك المجتمعات من تغير في مفاهيم الإنتاج المادي، وأصبحت تلك النقابات هي المعبِّرة والمدافعة عن حقوق المنتمين إليها في كل مجال.

في مجتمعاتنا العربية، وعلى رغم التطور المادي الذي يغلب عليه الشكل الاستهلاكي إلا أن استخدامنا وانخراطنا في أنشطة تعتبر حديثة لم تغير في العقلية بشكل جذري، لأننا – للأسف – لسنا من أنتج تلك المواد الصناعية، فنحن نستخدمها ونعتقد بأننا متطورون، ولكن سلوكنا ومفاهيمنا ظلا جامدين، ومن ثم ولاؤنا كان هو مثل ولاءات مَنْ سبقونا، فكلنا يعرف أن مفهوم الواسطة لدينا يعبّر عن عدم ثقتنا في المؤسسات الرسمية، فكلنا يلجأ إليها في حياته العملية، التي تقوم على أساس ابن المنطقة أو القبيلة أو العشيرة والعائلة الممتدة.

هل نلوم الإنسان في لجوئه إلى تلك الأشكال الاجتماعية ونطلب منه المثالية بأن يكون ولاؤه للوطن في حياته والقضايا التي يحتاج فيها إلى المساعدة، ولاسيما إذا كانت المؤسسات الاجتماعية التقليدية تقوم بهذا الدور في مثل تلك الظروف؟ باعتقادي أن المؤسسات الرسمية عليها المسؤولية في تجنيب المواطنين اللجوء إلى مثل تلك الولاءات، بتعزيز مفهوم المواطنة الحقيقة، الذي يكون بتطبيق القوانين بكل شفافية، بعيداً عن المفاهيم القبلية والجهوية، والسماح بإنشاء مؤسسات مجتمع مدني مهنية بعيدة عن المظلة الرسمية، لتكون الصوت والمدافع عن حقوق من ينتمون إليها، فمثلاً نحن نرى واقع المتقاعدين وجمعيتهم التي تتوسل الجهات الرسمية في حقوق أفرادها.

إن ذلك يعبّر في شكل واضح عن ضعف مؤسساتي في تلك الجمعيات بسبب عدم قناعة المنتمين إليها في ما تؤديه لهم من خدمات، إن وجدت أصلاً. ومن درس في الجامعات الغربية يعرف أن لجمعيات الخريجين من تلك الجامعات دوراً في دعم الخريجين ومؤسساتهم التعليمة، بل إننا نقرأ بعض الأثرياء في الغرب ممن يورث أمواله للجامعة التي تخرج منها، وفيه دلالة على رسوخ الولاء لتلك الجامعات، وهذا ما لا يحدث عندنا للأسف الشديد، ويفسر مسألة الولاءات لدينا.

المصدر: الحياة