محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

هكذا تحسب مقدار سعادتك

آراء

عندما يبتهج كل من حولك في الأعياد والمناسبات الاجتماعية وتبقى وحيداً مُقَطِب الحاجبين قد يكون «التوقع» أحد أسباب المشكلة. ذلك أن عدم شعورنا بالسعادة، تجاه أمر ما، قد يعود للمبالغة في رفع سقف توقعاتنا، فيأتي الواقع مخيباً للآمال. تماماً مثل من ينتظر السفر إلى بلد كان تواقاً لرؤيته ثم تأتي صدمة الواقع السلبي فور زيارته.

إن معايير قياس السعادة عدة. وقد خصصت دول قليلة منها دولة الإمارات وزارة متخصصة في قياس سعادة الناس. غير أنني هنا أتحدث عن معيار أو معادلة بسيطة جداً للسعادة يمكن استخدامها كمؤشر في يومياتنا. وتتلخص في التالي فحينما تتوقع الحصول في اختبار ما على 9 من 10 ثم تكون النتيجة 4 فإن مقدار تعاستك أو صدمتك هو 5 درجات بالسالب (أي 4 مطروحة من 9)، والعكس صحيح، حينما تتوقع الحصول على 4 درجات فقط، وتكون النتيجة المفاجئة حصولك على 9 درجات، فإن مقدار سعادتك هو 5 درجات بالإيجاب (9 مطروحة من 4). بعبارة أخرى مقدار رضا أو سعادة المرء يكون بطرح الواقع من التوقع.

وربما هذا ما دفع نجمة أميركية إلى أن تقول عبارة جميلة، علقتها على جدار مكتبي، وهي أنك «لن تكون أسعد مما تتوقع، لتغير مقدار سعادتك غير مستوى توقعاتك». وربما ينطبق هذا على ما نشاهده من أفلام وبرامج كنا ننتظرها بفارق الصبر، وما أن نشاهدها حتى تتضح لنا حقيقة تفاهتها.

وهذه الطريقة في حساب السعادة تنطبق على سائر شؤون حياتنا، فعندما يتوقع الإنسان أن عمله هذا سيلقى قبولاً كبيراً من مديره أو أصدقائه أو زوجته ثم يكون رد الفعل عكسياً، هنا يتحطم توقع المرء على صخرة الواقع فتأتي الصدمة. والأمر نفسه يحدث عندما نحصل على مردود مالي متواضع على استثمار بالغنا نحن في تقدير عوائده ومخاطره.

وما أكثر من يكابدون معاناة التعاسة في يومياتهم بسبب مبالغتهم في توقعاتهم، ومنها، مثلاً، المبالغة في تخيل الفتاة لفارس أحلامها متأثرة بالمسلسلات الرومانسية المبالغة فيها. ومنها أيضاً اختيار مجال العمل، فالبعض يختار وظيفة لتوقعه أن وجاهتها المجتمعية كانت كافية لتمنحه معيناً لا ينضب من جرعات السعادة، لكنه لم ينتبه إلى أنه هو في الأصل لا يحب هذا العمل أو ليس لديه الشغف الكافي به أو ما يسمى بالـ«Passion»، فتراه مكتئباً طوال ساعات العمل، بل وينتظر لحظة الانصراف بفارغ الصبر، ليفر من عمله!

هؤلاء لا يدركون أن سعادتنا في العمل تنعكس على حياتنا الشخصية. وقد أشرت في كتابي «هل أنت سعيد في عملك؟» إلى استطلاع موسع للرأي أجرته منظمة غالوب الشهيرة أظهرت فيه أن 65 في المائة من السعداء في أعمالهم قالوا إنهم سعيدون في حياتهم الشخصية، في حين قال ما لا يتجاوز ربع «غير السعداء» في أعمالهم (24 في المائة) إنهم يشعرون «بغاية الرضا» عن حياتهم الشخصية، وهو ما فسره الباحثون بأنه إشارة إلى أن هناك رابطاً وثيق الصلة بين السعادة في العمل والحياتية الخاصة.

والأمر لا يتوقف عند قضية التوقع فحسب، ذلك أن بعضنا لا يأخذ بأسباب إتقان عمله على نحو يجعله جديراً باستحسان من حوله كي يشعر بلذة السعادة، فتجده ينهي أموره على مضض أو على عجل مستنداً إلى خبرته التي قد تخونه ثم يتوقع قبولاً من الآخرين، لكنه سرعان ما يصدم بالواقع.

أسباب أو معايير السعادة عدة لكن «معادلة التوقع والسعادة» تقف وراء كثير من خيبات أملنا وأحزاننا وأفراحنا.

المصدر: البيان