ثريا الشهري
ثريا الشهري
كاتبة صحفية وإعلامية السعودية

وكله أمر بالمعروف!

آراء

يقول تعالى: (… الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله…). والملاحظ هنا كيف فُصل المعروف والمنكر عن الحدود. ذلك أن الإسلام إنما يتألف من حدود الله والعبادات والوصايا، ومن بقية الأمور الأخرى التي اصطلح الكُتّاب على تعريفها بالمعروف والمنكر. وتعني ما تعارف عليه الناس وما أنكروه تبعاً لأعراف زمانهم ومكانهم. فما هي الأعراف؟ هي القوانين الإنسانية التي وضعها الإنسان وسار عليها. والآن كيف نفسّر مصطلحي «المعروف» و«المنكر»؟ المعروف من معناه، هو ما عرفه الناس ثم تعارفوا عليه، وبالتالي تحوّل إلى شيء مألوف ومقبول اجتماعياً وذوقياً لتلك البيئة. فماذا عن المنكر؟ من الطبيعي ومن اسمه أن يكون ما أنكره الناس ثم استنكروه فصار من الأمور المستهجنة وغير المقبولة اجتماعياً في بيئته. لذا يدخل مبدآ المعروف والمنكر ضمن المفاهيم المتطورة والمتغيرة بحسب الزمان والمكان اللذين وُجِدا فيهما.

يقول تعالى في لباس المرأة الخارجي (ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين). وهنا ارتباط بين المعرفة في شكل اللباس ووقوع الأذية في شكل مباشر. وكله بحسب الأعراف السائدة في البلد الذي تعيش فيه تلك المرأة، فلباس المرأة المسلمة في بلاد الغرب – والذي لن يعرضها للأذية لو لبسته في بلاد أخرى – قد يعرضها للأذية، وكله لباس ساتر. ذلك أن الأعراف في تلك البلاد غيرها في البلاد الأخرى وهكذا. ولنأخذ قوله تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، فماذا نفهم من الآية؟ إنه أمر لمقام النبوة، وليس الرسالة، بسلوك لا يتعلق بالنصوص، ولكن بالأعراف السائدة في زمانه ومكانه وليست لها علاقة بالحدود والغيبيات، إنما هي خاضعة – كما توضح الآية – للأعراف. ومن المعروف عن الأعراف أنها بدورها خاضعة للتبديل والتغيير ولا يوجد فيها حلال وحرام، ولكنها عرف وتقليد. فلباس الرجل – مثالاً لا حصراً – في زمان الصحابة والخلفاء الراشدين هو غير لباس رجال المسلمين اليوم، ولا شيء في ذلك.

وبالعودة إلى المقدمة، يتضح لنا أن فصل المعروف والمنكر عن الحدود، معناه أن من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ما كان أعرافاً لا أحاديث حدود، وكانت وليدة بيئتها ومعطياتها وظروفها، فإذا تغيّرت البيئة والمعطيات والظروف، فلا شيء علينا إن تغيّرت أعرافنا معها. وقد طالب الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإغلاق أسواقنا حوالى الساعة السابعة مساء أسوة بدول العالم، فلا يستمر خروج العاملين والمتسوقين رجالاً ونساء حتى منتصف الليل بما يعطل المصلحة العامة للأسرة والدولة، وهي دعوة موفقة لتغيير العرف الذي تعوّد عليه السعوديون. تماماً كدعوتنا إلى عدم إغلاق الأسواق وقت صلاة العشاء حتى يتسنى إغلاقها في تمام الساعة الثامنة أو التاسعة أقصاها. فإغلاقنا الأسواق وقت الصلوات هو عرف سائد وليس حداً من الحدود. يقول تعالى في سورة الجمعة (يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)، ثم يقول (فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض…). تأكيداً من الخالق لترك أمر البيع والشراء وقت صلاة الجمعة من كل أسبوع، ما يعني أن إغلاق الأسواق «الذي تعارفنا عليه» وقت الصلوات طوال أيام الأسبوع من الجائز استبداله بعدم الإغلاق كما الحال مع جيراننا المسلمين، أو اقتصاره على حصر الإغلاق في وقت أبكر قبل صلاة العشاء.

ورد لفظ المعروف في القرآن مصطلحاً مطلقاً وفي مجالات مختلفة، بحيث نفهمه ونطبقه بنسبية تتوافق مع التعليمات المرحلية لكل حقبة، فما تقتضيه الأعراف السائدة في بر الوالدين بأميركا، غيرها في السعودية، وكله معروف، يقول تعالى (وصاحبهما في الدنيا معروفاً). وهكذا في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). فنغلق أسواقنا مع مواقيت صلواتنا ماعدا وقت صلاة العشاء ولا شيء في ذلك، وكله أمر بالمعروف.

المصدر: صحيفة الحياة