ثريا الشهري
ثريا الشهري
كاتبة صحفية وإعلامية السعودية

امرأة العيد ورجل «الهيئة»

آراء

تم تداول مقطع حديث لامرأة في متجر لملابس الأطفال تتسوق قبل ليلة العيد. فإذا برجل «الهيئة» يلازمه العسكري، يأمرها داخل المحل بغطاء وجهها. فإن كانت المرأة – وكما ظهرت – متلثمة بغطائها، فيكون الجزء المكشوف بقية من جبهة وأنف وفي الوسط العينان. فهل لو غطت المرأة كامل وجهها كانت سلمت من الانتقاد؟ وحتى هذه لا تضمنها مع رجال الهيئة إلا في حال الحجاب التام مع عباءة فضفاضة على الرأس. فإن صار نقاباً يسمح بظهور العينين، فعلى المرأة أن تراعي إخفاء الحواجب. وغير هذا الشكل المثالي بعرف الهيئة يكون عرضة لاعتراضهم، وللجدال المزمن الذي تسجله المقاطع والوقائع المكررة بين «حريم» السعودية ورجال الهيئة. وهي الأحاديث التي لا تخلو اجتماعاتنا نحن النساء – أو بعضنا على الأقل – من بعثها وتجديدها في كل مرة. فما إن تسرد إحدانا حكاية لها مع الهيئة، حتى تتفوق عليها الأخرى بحكايتها هي. فإن بدت الصورة وكأنها مسلية، فهي ليست كذلك عند معايشتها. وتهديد المرأة التي تناقش وتعترض بـ«إدخالها البوكس» أو السيارة الرسمية لرجال الهيئة. وإن خفّت وطأة هذا التسلّط مع تصوير الكاميرات ومساءلة المسؤولين.

غير أن اللافت في مقطع العيد هذا هو انشغال المرأة بتلبية حاجات أطفالها. وهي مهمة محيّرة، وقودها صبر الأم وتركيزها لمعرفة المقاسات ومقارنة الأسعار، اختصاراً للوقت والجهد وثقل مشوار التبديل والتغيير في حال الإخفاق في الاختيار. فتصوّر والأم بهذا الارتباك والجدية في تبضّعها، وقد تكون مع أطفالها يحومون حولها، يأتيها رجل الهيئة ليأمرها بغطاء عينيها أو وجهها الذي اختلف حوله المفسرون. وبحسب المقطع لم تكن الأم جاهلة بتعاليم دينها، إذ أبلغت الرجل بفهمها لحدود الأمر الرباني للآية الكريمة، ولكنه لم يتزحزح عن مكانه وإصراره. وكم أعادت المرأة على مسامعه أن يتفضل جزاه الله خيراً ويتركها في سبيلها، ولا تراجع. ثم تسمع صوتاً لا تعرف مصدره يثني على عمل الشيخ ويدعو له بالقوة. كل هذا والأم تحاور رجل الهيئة وتخبره بأنها هنا لتقضي حاجة «بزارينها»، وتطلب منه ألا يستفزها. وكان بودنا أن نعرف نهاية الواقعة، ولكن الإرسال انقطع بمشهد رجل الهيئة عليه «البشت»، يرافقه العسكري، والمرأة تصارع لتشتري ملابس أطفالها قبل العيد. فمن بنظرك وبموضوعيتك يستحق الدعاء بالقوة؟

ومن واقع تجربة شخصية باعتباري امرأة سعودية، حصل أن اعترضني رجل الهيئة يوماً لأن عباءتي في أطرافها ورد بلون بني. فما ضير نقش الورود بالحجم المتوسط، ولا يزيد عددها عن أربع على عباءة سوداء ساترة مع غطاء مثلها؟ وهو ما حفزني للإلحاح على «الشيخ» لمعرفة سبب اعتراضه بالضبط! وللأمانة، كنت صادقة في حشريتي حتى أتجنب ارتداء العباءة لو كان فيها ما يشوبها بالفعل. فلما جاءني الجواب بأنها لا تمثل اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، مع نظرة الشيخ الخاطفة إلى النقش في أطرافها، أتذكر حينها أنني نظرت بدوري إلى ورود عباءتي، ثم إلى الشيء الذي كنت أعاينه في المتجر، فسلمته شاكرة إلى البائع وعدت إلى بيتي. لآتي السوق في الصباح التالي لعلي لا أصادف أحداً، ولا أشتبك مع أحد. فجاءني الانتقاد الثاني من رجل ملتح مع امرأته يتهامسان باتجاهي. فالظاهر أن ورودي البنية استفزتهما أيضاً، بحسب ما فهمت لاحقاً من المرأة التي نصحتني باللباس الشرعي كما هي عباءتها على رأسها. ولم أسرد هذه الواقعة إلا وأسأل عن تفاصيل الورود وشكل العباءة؟ فمن غرابة المنطق صعب التصديق. ولا أقول سوى إنه تحرش مكبوت مبطّن بالمرأة، ومستتر برداء الدين. تحرش ممنوع تطبّع في صورة الإجراء الوقائي، والتطبيق المفروض إعلاء لتعاليم الدين ولحشمة نساء الوطن. ولمن يراجع المقطع سيتأكد أن المرأة لم تكن تنقصها الحشمة، ومع ذلك حشرت في زاوية المُقصِّرة المتهاونة. وعلى افتراض أن رجل الهيئة بالغ في تقديره مع امرأة العيد، ولكنه أصاب مع غيرها. بهذا الاحتمال أليس الدين هو النصيحة والمعاملة؟ فلم لا تنصح النساء ويتركن في حالهن؟ من أين انبثقت، فتكرّست ثقاقة ملاحقة رجال الهيئة للنساء في الأسواق؟ أو جرأة أي رجل – عموماً – عليه مظاهر تديّن إضافية في استباحة خصوصية المرأة بحجة هدايتها؟ وسؤالي: هل الفضيلة في التخفّي أم في التحشّم؟ ففي الأولى طمس للهوية ومعها فرصتك للتحرر، والتملّص من المسؤولية. وهو ما يتقلص طبعاً مع الاحتشام والكشف عن الوجه. فعندها يكون الإنسان في مواجهة صريحة مع احترامه لذاته ولدينه. فلم يقدم رجل الهيئة الأولى على الثانية في ما يخص المرأة، طالما أن غطاء وجهها مسألة خلافية؟ ألا نأخذ سوى بأشد الأحكام والتفاسير، ثم ندعي سماحة الدين!

المصدر: صحيفة الحياة