ثريا الشهري
ثريا الشهري
كاتبة صحفية وإعلامية السعودية

يعني حلال على «الهيئة» وحرام على «المرأة»؟

آراء

تقدمت 14 امرأة من سيدات أعمال وأكاديميات ومعنيات بالحقوق والمناحي العامة، بخطاب تفصيلي إلى مجلس الشورى للمطالبة بطرح القضايا والأنظمة التي تعاني منها المرأة السعودية في تفاصيل حياتها اليومية. ومناقشة القوانين المتناقضة الفاقدة أهليتها ومرونتها، ولم تجد من يغربلها وينقحها، وكأن امتداد السنين أكسبها هالة قدسية لا تسمح بالاقتراب منها. ومن يحاول المساس بها يهاجَم ويوصَم بالتغريب وتجريف المرأة بعيداً من أصول دينها وتقاليدها، فينبري يدافع ويشرح. والمسألة ليست في حاجة إلى تفسير أصلاً، لأنها برمتها مجرد تمثيلية تخويف وتشكيك وحشر في زاوية الاتهام.

وقد علّقت عضو مجلس الشورى الدكتورة ثريا العريض أنه حتى مع وصول الخطاب، فلا تعتمد وصايا المجلس إلّا إن حصلت على معظم أصوات الأعضاء المشاركين. وعلى افتراض تصويت جميع العضوات الـ30 مع التوصية، فلن تُمرّر ما لم يصوت لها ما يكفي من بقية الأعضاء الرجال، حتى ننتهي بعدد للموافقين أكثر من المعارضين. وهو الإجراء المتبع في المجلس.

وسؤالي: وهل يعني أن الخطاب مع المرأة أننا ضمنا جميع أصوات العضوات في صفه؟

فما الحل إذاً، مع مسائل شكلية تستنزف الوقت والجهد ولا تؤدي إلى المضمون؟ ولِمَ قُدر لنساء دول الخليج أن يتجاوز أهلهن القشور والروتين المعطل، وهي المجتمعات التي تشاركنا الدين والعادات والتقسيم القبلي والعشائري، بينما سعوديتنا لا تزال تدور أيامها في المطالبة بحقوق أصبحت موضع تندّر الآخرين عليها؟ وكله بحجة الخصوصية المطاطة. وكما هو موضح في الخطاب فهي المرأة الراشد إن أخطأت وتستحق العقاب. وهي القاصر ما عدا ذلك ولا بد من الوصاية عليها في تعليمها وعملها وسفرها وتجارتها واستخراج أوراقها الرسمية وتنفيذ معاملاتها الحكومية لها ولأبنائها. ثم ألم يمنح الإسلام المرأة كامل حقوق ذمتها المالية؟ فلِمَ تُمنع من التصرف في حلالها وفي إبرام عقودها المالية من دون إذن وليها من الذكور؟ ولنقترح أن يجرب الرجل السعودي من باب الاختبار بنفسه أن يعيش حياة امرأتنا شهراً واحداً، بكل الإجراءات المجحفة والتعليمات المكبلة الصادرة بحقها وحق أطفالها، ثم ليخبرنا عن شعوره وعلاقته الصحية بمن حوله وسلاسة حركته في محيطه بعد التجربة؟ وما أصعبها عيشة المطحون المغبون في حقه، وأحياناً في شرفه!

أهم ما حمله الخطاب كان في رفع الوصاية عن المرأة. وتحديد ولاية الأمر في تزويج البكر «فقط». غير تعيين سن الرشد للمرأة التي بموجبها تستحق حقوقها كإنسان كامل الأهلية. مع تفعيل البطاقة الشخصية وفرض عقوبات على من يرفضها أو يشترط معرفاً لها. أضف إليه، حقها في التنقل كحق أساسي للإنسان. ومن ذلك تمكين من ترغب في قيادة سيارتها، فلا تمنع ولا تعاقب. وفي السياق ذاته، إلغاء منع سفر المرأة إلّا بإذن ولي الأمر. وهنا لنا وقفة، فكل من يخطئ في مسؤولية حريته، فلا يعني خطأ المبدأ ولكن غلط الشخص في فهم صلاحيات المبدأ بالحرية، ولا يقاس عليه. فإذا قيل لا تهاجموا «الهيئة» إن أخطأ بعض رجالها في أمرهم بمعروف ونهيهم عن منكر، لأن الخطأ وارد لبشريتنا في طبيعتها ومحصلتها. حسناً، وبعين المنطق نستعير ونقول، والمرأة لكونها بشراً فهي أيضاً معرضة لارتكاب الخطأ. وهو ما ينبغي النظر إليه بمعزل عن سلامة المبدأ والقانون. فخطأ امرأة لا تدفع ثمنه جميع نساء السعودية. كما أن خطأ عضو «الهيئة» لا يتحمله كل الأعضاء، أم إنه حلال على الرجل وحرام على المرأة؟ نأتي إلى اختلافنا حول قوانين وأنظمة كرست التمييز ضد المرأة، ونقول آن الأوان للمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة السعودية في منح الجنسية للزوج والأبناء. فيجب ألا يستلزم النظام ذلك الشرط الإضافي للأم للحصول على النقاط الثلاث للتجنيس في أن يكون والدها سعودياً أيضاً. بينما نجد أن الرجل إنما يحصل على النقاط الثلاث من دون وجود هذا الشرط. فماذا عن إقرار فعلي وتطبيقي لنظام أحوال شخصية واضح وصريح وملزم… نظام مدروس يتناول قضايا الطلاق والخلع والعضل والحضانة والنفقة والتعدد والعنف الجسدي والنفسي وتحديد سن أدنى للزواج، غير تجريم زواج القاصرات أو الاعتداء والتحرش بالمرأة والطفل؟

وكالعادة تآكلت مساحة المقالة ولم آتي على جميع النقاط الحيوية والمتعوب عليها للخطاب المهم. أمّا سؤالي الأخير: فماذا لو اختصرت القيادة العليا كل المساجلات والمراجعات بقرارات سامية تنتصر فيها للمرأة وأطفالها كما عودتنا؟ وها هن الكاشيرات والعاملات في بيع المستلزمات النسائية، وها هي الرياضة التي أجيزت للبنات، بل، وها هما يوما العطلة واستبدالهما بالجمعة والسبت! فما الذي حدث؟ وهو مآل الحال نفسه لو صدر القرار بالسماح للمرأة السعودية بقيادة سيارتها، أو حتى برفع كامل الوصاية عنها.

المصدر: صحيفة الحياة