ثريا الشهري
ثريا الشهري
كاتبة صحفية وإعلامية السعودية

سيجارة وكأس

آراء

تقول الحكمة إن الناس مستعدون لتصديق كذبة سمعوها ألف مرة، أكثر من استعدادهم لتصديق حقيقة لم يسمعوها إلا مرة واحدة. وعلى رغم هذا فإن الحق والحقيقة لا بد لهما من أن يشقا طريقهما وسط التعتيم وركام التضليل، ووقتها ستسمع ما لا تصدِّق ولا يروقك، ولو تكرر ترديد الحقيقة لاحتواها الناس أكثر، وبحثوا فيها وتدارسوها بعد رفضها وإنكارها، فالمستور رُفع عنه الغطاء بعد إخفائه والتمويه عنه، وهذا أهم ما في الموضوع، فلا يُعالج الشيء ما لم يُكشف عنه. وعندما أوضحت النسوة اللاتي استضافهن الأستاذ داود الشريان في برنامجه المرهِق ويعملن حارسات أمن في إحدى الجامعات السعودية عما يتم ضبطه أثناء جولاتهن التفقدية في أروقة الجامعة من ممنوعات (سجائر وحشيش ومخدرات)، كانت إدارة الجامعة تطالبهن بالتزام الصمت حفاظاً على سمعة الطالبات، فالمضبوطات لا تعدو أن تعود ملكيتها لعمال الصيانة ولا شك.

وللأمانة والموضوعية لا تنفرد المسألة بجامعة بعينها، فكم منّا سمعت بالرصيف المشهور في الجامعة القديمة إياها؟ وكم منّا ولديها قريبات في جامعات متفرقة وللناس ألسن وأعين؟ ومن تلك التجاوزات واحدة كنت بالمصادفة وبقربي من أصحابها شاهدة حية على وقائعها، فشخصية القصة الرئيسة ومن حرص أهلها على تعليمها ونوعية اختلاطها كانت ملتحقة بإحدى الجامعات الأهلية، وبعد مضي وقت معقول ذهبت الأم إلى الجامعة للسؤال عن ابنتها ومستواها التحصيلي، لتفاجأ بأن المديرة العامة عيّنت لابنتها حارستي أمن ترافقانها أينما تحركت ولا يتركانها إلا عند باب قاعة الدرس. ولِمَ ذاك؟ لأن الابنة بسذاجتها قد انخرطت في شلة بنات «كوول»، اتضح في ما بعد أنهن هدّدنها بالقتل في دورة المياه، ومن خوف الطالبة طلبت من المسؤولة أن تحميها وتعفيها من التفاصيل. وعلى ما يبدو أن المسؤولة كانت على دراية بما يجري، فكانت أن عيّنت من فورها للطالبة من يحرسها. كل هذا والجامعة لم تبلِّغ أهل الطالبة بالمستجدّات، حرصاً على سمعة طالبات الجامعة كما قيل للأم، وطبعاً على أقساط الجامعة كما فهمت الأم.

في البيت، استفسرت الأم من ابنتها عن الحقيقة كاملة، فماذا قالت؟ كانت مجموعة من الطالبات أو ما يسمى بـ«الشلة»، يأتين بالشراب المُسْكِر ويخلطنه بالعصير ليوزّع على بنات الشلة، مع مراعاة نوعيته، إذ يجب ألا تفوح رائحته عند مزجه. فلم تهتدِ الطالبة للتخلص من شراب الشلة سوى بالتحجّج بقرحة المعدة، فأعفيت من المشاركة ولكنهن أصررن عليها في تجريب سجائر الحشيش عند اجتماعهن في مكانهن السري، فأية ورطة؟! ولأن الطالبة فجعت بالمُسْكِر ناهيك عن الحشيش، ولأنها خافت أكثر لو أعلمت بيتها بما جرّته على نفسها، قررت أن الحل الأنسب يكون في تجنبهن إلى أن ينسينها بالتدريج. ولكن الخطة البديلة أدت إلى حبسها ذات يوم في دورة المياه وتهديدها بالقتل، وبخاصة أن فيهن من تستطيع بنفوذها واسمها العريض أن تفتعل التصعيد. طبعاً غني عن القول أن سحب ملف الطالبة من الجامعة كان أول خطوة قام بها أهل الطالبة، أمّا الثانية فكانت انقطاعها عن الدراسة ثلاث سنوات مكوثاً في البيت – بتصميم من الأهل – أملاً بتعلّم الابنة درسها جيداً والارتفاع بمعدل نضجها. وطالبة الأمس هي اليوم فتاة جامعية منتظمة ومتفوقة بامتياز، ومع ذلك لا ينفك أهلها عن السؤال عنها ومراقبة سلوكها ومتابعة كشف درجاتها، هذه الطالبة أخبرت والدتها أنها ترى في جامعتها الحالية ما شهدته في جامعتها السابقة وإن بأساليب مختلفة، إلا أنها لا يمكن أن تخطئ تلك النوعية من البنات، ولكن وعيها وتثقيفها هما ما تغيّر منظورهما وشكّل معهما الفارق الكبير.

وهذه واقعة واحدة، وما خفي كان أكثر وأعم. أم ماذا عن موضة حفلات التخرّج وتجاوزاتها الخارجة التي تُمارس على مختلف الأصعدة المُحزنة والمُخزية؟ وسؤالي المُلِح: هؤلاء الفتيات أليس لهن بيت يرى حالهن ويشتم رائحتهن وهن العائدات إليه مع خيوط الفجر؟ فأي مجتمع محافظ ومترابط نصرّ على لوكها وعلكها ونحن الأُسر العليلة المفككة؟ فإن تخلّى الأب راضياً عن دوره بعمله واستراحته وبثرثرة أصدقائه، فماذا عن دور الأم؟ أتخلّت هي الأخرى بحياتها الخاصة على حساب أعظم أولوياتها..؟!

المصدر: صحيفة الحياة