وهم النصر وديمومة السلام

آراء

النصر لا يأتي من معركة واحدة، ولا يتحقق بالسلاح دوماً.

والنصر الذي لا يحقق استقراراً ليس نصراً.

وبلاد لا يشعر شعبها بالأمان، في بيته أو مكان عمله أو في الطريق، ليست مكاناً صالحاً للعيش الدائم. ومن يخرج من حرب ليفكر في حرب أخرى يبني ترسانة أسلحة ولا يبني دولة.

نتنياهو في آخر تصريحاته ذهب في ذلك الاتجاه، أسقط الحل السياسي الذي تعهد به لسنوات طويلة، وقال إن دولة فلسطينية لن ترى النور ما دام هو في السلطة، وهذا يعني أن الطريق ما زال طويلاً أمام هذه المعضلة، وأن الحروب أصبحت خياره المناسب، واستشهد بما يحدث الآن في غزة، ووعد من يتبعون خطاه بالاستمرار في تنفيذ خطته حتى يحقق النصر، ولم يتعلم درساً مجانياً قدمه له «صرصور تل أبيب»، لم يتمعن في مشهد الذين هربوا من المطعم، ولم يتساءل ولو لثانية واحدة عن شعور أولئك الأشخاص الذين افتقدوا الأمن في مجتمع الحرب.

ولم يرجع نتنياهو إلى التاريخ، حتى يتذكر جولدا مائير بغطرستها وموشي دايان بانتصاراته، في السادس من أكتوبر 1973، وكيف تحطمت الأسطورة على ضفة قناة السويس الشرقية، وسجلت الهزيمة الأولى المخزية للجيش الذي لا يقهر، رغم أنه لم تمر أكثر من 6 سنوات على النصر الذي حققته دولته في الخامس من يونيو 1967.

ولم يسترجع نتنياهو أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عندما أخرجت الأرض حجارتها وأطفالها، وعجزت الدبابات والبنادق عن مواجهتها، وأخضعت من كانوا مكانه إلى البحث عن حل، ولم يكونوا أقل تشدداً منه، بل أكثر بكثير، لأنهم تلاميذ «بن غوريون» وقادة عصابات الإرهاب التي شكلت في الأربعينيات، ومع ذلك ذهبوا بعد بضع سنوات إلى مدريد وأوسلو وكامب ديفيد، وسمحوا لمن كانوا أعداءهم بالعودة إلى الأراضي المحتلة، ولولا الذين نقضوا العهود والاتفاقات لما وصل الأمر إلى هذه الحال التي نشاهدها اليوم.

النصر يأتي سلماً قبل أن يأتي حرباً، فالحرب نصرها طارئ والسلام هو الدائم.

المصدر: البيان