عبد الله صادق دحلان
عبد الله صادق دحلان
كاتب و رجل أعمال سعودي

30٪ من أفراد المجتمع مرضى نفسيون

آراء

أزمة تعيشها الكثير من البيوت والأسر في بلادنا، وهي على مر السنين أخذت في التفاقم رغم جميع الجهود المبذولة من الدولة، إلا أن حجم الأزمة أكبر إذ أخذ يزداد عدد المرضى النفسانيين في المملكة، ورغم أن هناك أربعة مستشفيات جديدة افتتحت في العامين الماضيين بالإضافة إلى المستشفيات القديمة، وهناك اثنا عشر مستشفى في طور الإنشاء وضمن خطة الدولة في معالجة الأمراض النفسية والأمراض المصاحبة لها إلا أن حجم مشاريع العلاج النفسي لا تتناسب مع المرضى المصابين بهذا المرض. والحقيقة أن معظم الجهود تركز على معالجة المرض، ولا نبحث عن أسبابه وجذوره، ولن نستطيع أن نخفض نسب المصابين بهذا المرض حتى نعالج السبب الرئيسي للإصابة به من الجذور.

وتشير بعض التقارير الطبية إلى أن أهم الأسباب هي غياب العدالة الاجتماعية، وسوء المعاملة في المدارس والجامعات وأماكن العمل وفي المجتمع بأكمله. ومن الأسباب الرئيسة سوء التربية في المنزل. وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية عن المرض النفسي والعقلي فإن المرضى يشكلون أكثر من 20% في بعض الدول من إجمالي عدد السكان، وتقارير أخرى تؤكد ارتفاع النسبة إلى 30% في بعض الدول وهي نسبة جداً كبيرة بجميع المقاييس ويكلفون دولهم والدول التي يعيشون فيها مبالغ باهظة جداً، عبر خطط استراتجية علاجية داخل المستشفيات وخارجها وداخل المؤسسات التعليمية، ففي الولايات المتحدة فقط تكلفة معالجة مرض الفصام، أحد الأمراض النفسية، أكثر من 50 مليار دولار سنوياً، وهذا غير تكلفة الأمراض النفسية الأخرى. وفي بلادنا يعاني المريض النفسي أكبر معاناة لعدم توفر المستشفيات والعيادات المتخصصة الكافية لعدد المرضى، بالإضافة إلى سوء التعامل مع المرضى النفسانيين، سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة أو في المنزل، وتلجأ بعض الأسر إلى ترك أولادهم في الشوارع بعد أن صعب عليهم معالجتهم والتعامل معهم، والبعض الآخر يلجؤون إلى حبسهم في غرف تحت المنازل لأن ليس لهم أحد، أو في منازل غير مأهولة، ونظراً لتدهور الخدمات الصحية النفسية نتيجة لسوء المعاملة وقلة الخدمات والأطقم الطبية في الصحة النفسية في جميع مدن المملكة وعلى وجه الخصوص المدن الصغيرة والقرى، حيث عدم توفر الأطباء المتخصصين، وعدم وجود الأسرة الكافية لهم حتى في المدن الكبيرة، يدفع البعض إلى اللجوء إلى الصيدليات لشراء أدوية من غير استشارة الأطباء المتخصصين، وأصبحت تجارة الأدوية تجارة رابحة وغير شرعية.

إن كارثة مرض الفصام أنه يصيب الأشخاص في سن الشباب بداية المراهقة وبداية العشرينات وهي الفئة التي يؤمل فيها بناء المجتمع وهي المرحلة التي يزداد فيها المرض لعدم اهتمام الأهل والمدرسة بهم ورفض المجتمع لهم. وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فإن أخطر الأمراض النفسية هو مرض الفصام وعلاجه يحتاج إلى سنوات ويصاب بعض الأشخاص في سن الأربعين وهم على رأس العمل وتكون أحياناً كارثة عليهم وعلى قراراتهم السلبية التي تؤدي إلى كوارث في العمل، والعديد منهم يتركون العمل ويصبحون عالة على الدولة والمجتمع مع عوائلهم.

إن 75% من المرضى و30% من الأطباء العاملين في خدمة المرضى لا يعلمون بوجود لائحة بحقوق المرضى ولهذا تظهر حالات سوء المعاملة مع المرضى، وهذا يدفعني إلى المطالبة بضرورة تطوير اللوائح والقوانين التي تعنى بحقوق المرضى النفسيين ووضع عقوبات صارمة لمن يخالف هذه اللوائح.

إن القضية ليست مقالة أكتبها اليوم أو تقريرا يعده أحد المتخصصين وإنما هي قضية أساسية تنخر في صحة مجتمعنا ولا نتعامل معها بجدية، وفي غياب الرعاية الأولية من المنزل، ثم المدرسة، ثم الجامعة، ثم العمل، تكون النهاية كارثة على المجتمع. إن تجاهل أسباب هذه القضية يجعلنا نستنزف أموالا ضخمة في محاولة العلاج ولن نفلح وقد يكون الأجدى للعلاج الرجوع إلى جذور المشكلة، وجذور المشكلة هي معالجة قضاياهم الأساسية، وخلق فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية أو متابعة الأسر في تربية أولادهم أو مراقبة المدرسين في المدارس والمراقبة على تصرفات المديرين والمسؤولين في المؤسسات، والإشراف على الأطباء المتخصصين في المستشفيات والعيادات لتقييم سلوكهم.

ولقد طالبت ولا زلت أطالب الدولة بتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه للاستثمار في إنشاء المستشفيات الخاصة للعلاج النفسي وتوجيه المرضى النفسانيين للعلاج فيها على حساب الدولة أو السماح للشركات العالمية والعربية المتخصصة بفتح مستشفيات متخصصة لهذا المرض ومنحها الدعم والمساندة اللازمة ومنها الإعفاء الضريبي.

إن المدارس والجامعات تحتضن آلاف المرضى النفسانيين، ولكن لا يعلم أحد بهم، وحتى لو علموا بهم لا توجد الإمكانات اللازمة لمعالجتهم في المستشفيات الجامعية، وكذلك هناك الآلاف من المرضى النفسانيين في وظائف الدولة لا نعلم عنهم ولكن تصرفاتهم توحي بذلك. إنه مرض ينخر في مجتمعنا رجالا ونساء وأطفالا. آمل أن نعمل معاً لمعالجته.

المصدر: الوطن أون لاين