عبد الله ثابت
عبد الله ثابت
كاتب و روائي سعودي

يسألنا الوطن؛ “من أنا في فهمكم؟”

الثلاثاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٢

• الأسبوع الماضي، يوم الأحد 23 سبتمبر، كان يوم العيد الوطني، للمملكة العربية السعودية، وبلا ريب فقد كان من المهم والجميل أن يحتفل الناس بأرضهم وكيانهم، وبينما ذلك الأخضر الحميم يجلّل الشوارع والسيارات والملابس والوجوه والأشياء، يخطر السؤال ببال الوطن نفسه عن ماهيته، كأنه يستفهمنا؛ "ليقل لي كل شيءٍ بداخلي؛ من أنا؟ أنتم أيها الناس، وأنت أيتها التضاريس؛ من أنا في فهمكم؟"، فتتقافز تفاصيل صغيرة، تراجع التعاريف الأولى، غير آبهةٍ بكتاب الصفّ، ولا بتلاوين الكلمات والخطب. تفاصيل دقيقة تصرّ على النداء والحلم، بعضها يُرى، وبعضها يُحسّ، وكلها تتحفّز كي تنطق، تفاصيل من التربة والمزاريب، من الشجرة والساحل، من الكثيب والجبل، من الضواحي، من المدن والبنايات.. الخ، من أعين البنات والشباب المتناثرين على رصيفٍ هنا، أو في سوقٍ هناك، أولئك الذين يهتفون مرة، ويصرخون مرات، تفاصيل تتحفز كي تنطق من تحديق العجائز، ولثغات الصغار، وهم يغنون نشيداً أو يرددون عبارة.. • يسأل الوطن؛ "من أنا في فهمكم؟".. السعفة وورقة التينة، وسائر الأشجار، قلن بصوتٍ واحد؛ "أنت: نحن". قالت الرملة وحصاة الوادي ولبنة البيت وقطرة الماء، وسائر الأمكنة والجهات؛ "وأنت أيضاً: نحن"، وأيضاً قالت البادية والقرية، الشطآن والمدينة، الخيمة وبيت الطين،الشقة والفيلّا، العمارة والبرج؛ "ونحن أنت".. وعشش القشّ المسكينة قالت بكبرياءٍ وألم؛ "أنا أنت".. مثلها قالت؛ "أنا أنت"، والشتاء القارس وصنادق الزنك…

مما قاله كهلٌ اسمه “ما لا يُقال”..

الثلاثاء ٢٨ أغسطس ٢٠١٢

• كلما ولدت قصّة سيجلس على قارعة إحدى طرقاتها شيخٌ أحدب، اسمه "ما لا يقال".. نعم، في كل قصة سيسحب هذا الـ "ما لا يقال" جذعاً على هيئة كرسي، ثم يشرع في الهمهمة بلا توقف، بينما الناس في كل قصةٍ يمرّون من جواره، وينظرون إليه بتعجبٍ وشفقة، وربما توشوش اثنان ما بينهما؛ "يا لهذا الكهل المجنون"، أما أقل القليلين في سائر القصص، فهم أؤلئك الذين ينصتون إليه، ويفكرون في الجحيم التي تلوّت فيها عظامه حتى انتهى به المطاف إلى هذا الجذع، وتلك القارعة.. وكيف صار هذا الكهل شبحاً شاحباً من قصّةٍ إلى قصّة! • همهم "ما لا يُقال" مرةً، وفي قصةٍ معتادة، وهو جالسٌ على هيئة ملامة فقال؛ إنني مزعوجٌ من تفاقم المحتالين لهذا الحد! إنهم مهما عرفوا كيف تتشكل المصائر، فإنهم لا يشيرون لأحدٍ ناحية الأمام، بل يترامون التائهين فيما بينهم ليشغلوهم عن الحقيقة، وليغرقوهم في وديانٍ مشجّرةٍ بالوهم الذي يلبس العباءات التي تعبق بالدهون والأطياب، العباءات نفسها!. • وفي قصةٍ من ذاك النوع المدجج بالتحولات، قال "ما لا يقال" بأسفٍ بالغ؛ إن الصادقين يتوارون خلف صمتهم، فلا يُقسمون لمن يلوذ بهم إنه لا يبدأ التعلّم، ولا تكشف المعرفة عن سرّتها إلا حين نكفّ عن أنانيتنا السفيهة، حتى ونحن نسأل ونبحث، حتى ونحن ننظر، ونسمع، ونقرأ، ونلمس! آخ.. لا…

من الهامش للمحوري في مسلسل عمر

الثلاثاء ٠٧ أغسطس ٢٠١٢

• أكثر شخصية شدتني في مسلسل "عمر"، الذي تعرضه قناة MBC أداءً وصوتاً ولغة، هي شخصية "عتبة بن ربيعة" (أحد سادة قريش، وأكثرهم خيراً وحكمة) الفنّان المغربي الكبير؛ "محمد حسن الجندي"، هذا الفنان المثقف الفصيح، والمتمرّس، الذي وصف الفنّ مرةً في أحد حواراته، بحذاقة المفكر العميق، بأنه؛ "مساحة كبيرة وشاسعة جدا للتدافع القيمي". والمدهش بشأن الفنان ذاته، أنه لا يمكنك اكتشاف من أي بلدٍ هو، حيث لا تستطيع لشدة فصاحته اقتناص اللكنة المحلية في صوته، والتي يقع في فخّها كثيرٌ من الفنانين، فتعرف بلدانهم حتى دون أن يلحنوا أبداً في اللغة. "محمد حسن الجندي"، نتذكره في المشرق العربي، عبر دوره في فيلم "الرسالة" الشهير، وكذلك في مسلسل "الخنساء"، دون أن نلتقط منه ولا عليه تنغيماً صوتياً واحداً خارجاً عن الفصاحة. • وفي مسلسل عمر، لا أعرف من الذي اختار "محمد حسن الجندي" لدور عتبة بن ربيعة، لكنه اختيار دقيق، بل يكاد يكون الاختيار الأكثر التقاطاً، وغالباً هو اختيار المخرج "حاتم علي"، أما لماذا كان الاختيار ذكياً ودقيقاً لهذا الحد، فلحرفية الثيمة، أو لنقل القاسم المشترك ما بين مهارة الفنان، وما بين الشخصية المؤداة "عتبة بن ربيعة"، والتي هي في تقديري؛ صوت الشخصية، ولغة سادة العرب الحكيمة وفصاحتها، وهذه بالذات ما يتداخل فيها الفنان "محمد حسن الجندي" بــــ "عتبة بن ربيعة"،…