عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

من أين جاء هذا البريق؟

الخميس ٢٣ أكتوبر ٢٠١٤

تستطيع أن تتذوق طعم الفوز أحيانا بمجرد أن تشاهد بعض اللاعبين على أرض الملعب حتى قبل أن تنطلق صافرة البداية. لقد استطاع هذا النوع من اللاعبين فرض شخصيتهم عبر عديد من التجارب. أصبح وجودهم على المستطيل الأخضر انتصارا مبكرا. هل خُلق هؤلاء الأشخاص بهذه الكاريزما؟ بالطبع لا. إنهم نتيجة للحظات عصيبة. ليس اللاعبون فحسب، بل كل المبدعين في كل المجالات. نتابعهم بإعجاب خلف المنصات والسطور ووراء الشاشات. نغبطهم على شخصياتهم الفذة وثقتهم البالغة وشعبيتهم الجارفة وننسى أن نتذكر أن معظمهم مروا بعواصف شديدة في حياتهم جعلتهم كما نشاهدهم ونحبهم اليوم. تلك العواصف لم تقتلعهم، بل زادتهم قوة وقدرة على إدارة أي تحد جديد يواجهونه. الكاريزما التي يتحلى بها أولئك الأفذاذ لم تأت معهم عندما ولدوا. جاءت بعد الكثير من العمل والممارسة والإخفاقات. الفرق بينهم وبين غيرهم هو المواصلة. لم يدعوا إحباطهم يجرهم إلى الخلف، بل حولوه إلى ذريعة للنجاح. دافع جديد للتألق. وراء كل بريق قصة عظيمة. هناك لاعب كرة قدم فذ تأسرني شخصيته في الملعب. إنه يمنح الكثير من أنصار فريقه الشعور بالزهو لأنه أحد أعضاء فريقهم المفضل. اسم اللاعب، مانويل نوير، اسم يعرفه كل متابع لكرة القدم الحديثة، فهو حارس أبطال كأس العالم، وفريق بايرن ميونيخ. لقد استُقبل هذا الحارس القادم من شالكه عام 2011 بلافتات تطالب بإبعاده؛…

مديرون متقاعدون

الخميس ١٦ أكتوبر ٢٠١٤

شاهدت برنامجا عرضته شبكة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" يتحدث عن قصة مديري مدارس بريطانيين أثروا حياة تلاميذهم. سلط البرنامج الضوء على إنجازات هؤلاء المديرين اللافتين، استرجع تجاربهم وقابل زملاءهم وطلابهم في سياق مشوق. أشار طالب إلى أن مدير مدرسته، تيد ستيوارت، وضع اسمه على حائط المدرسة لمدة أسبوع نظراً لتحسن مستواه في النحو. يتذكر هذا الطالب أنه ظل وأسرته يمرون على المدرسة بعد نهاية الدوام طوال سبعة أيام ليتأملوا اسمه عاليا على سور المدرسة. واستعرض الطالب وقتها، والذي أصبح معلما حاليا، صورة جدته وهي تلتقط صورة لها وهي بجانب اسم حفيدها معلقاً على جدار المدرسة. لقد كان المدير المتقاعد ستيوارت يضع كل أسبوع اسم طالب متفوق في مدرسته، وإذا أظهر الطالب تميزا أكثر تطول إقامة اسمه على هذا الجدار ويصبح منذ طفولته مشهورا بجدارته وكفاءته. فالحي يبدأ في الاستفسار عن هوية ابن الحارة ويسرف في سرد مناقبه وإيجابياته. فيلمع نجمه مبكرا ويعطيه حافزا للاستمرار نجما لا يشق له غبار. ولفتتني قصة مدير آخر في ليدز البريطانية كان يقوم بتخصيص أربع ساعات في عطلة نهاية الأسبوع لتنظيف دورات مياه المدرسة. كان يحرص على جلب عطور مميزة وصابون بأشكال كرتونية مبهجة. يؤمن المدير، نايجل بيتيبرج، بأن نظافة دورة المياه تعكس نظافة المدرسة بشكل عام. لم يكن هو الوحيد الذي يقوم بتنظيفها…

بوسطن تفكر: ماذا يشغل شبابنا؟

الجمعة ١٠ أكتوبر ٢٠١٤

نشرت مجموعة بوسطن الاستشارية تقريرا مهما عن الشباب في السعودية بعنوان: ما أكثر ما يهم الشباب في السعودية؟ وتناول التقرير أرقاما وإحصائيات جديرة بالتوقف والتأمل. فلقد أشار التقرير إلى أن نحو1.9 مليون سعودي وسعودية سيدخلون مجال العمل خلال العشر سنوات المقبلة. فنمو حجم القوى العاملة في المملكة إلى الثلث سيزيد من التحديات، التي تواجهها الدولة لتوفير هذا الكم الهائل من الوظائف في القطاعين العام والخاص. وأكد التقرير الذي أعده ثلاثة باحثين أن 57 في المائة من طلاب الثانوية في المملكة لا يملكون الحد الأدنى من المؤهلات المعرفية، التي تجعلهم طلابا فاعلين في الجامعات. كما أن 63 في المائة من طلاب الجامعات السعودية يتخصصون في علوم الزراعة والتعليم والآداب والعلوم الإنسانية، التي لا توفر المهارات اللازمة التي تحتاج إليها سوق العمل. وتناول التقرير، الذي صدر في يونيو 2014 موضوعا مهما يؤرق ملايين الشباب وهو موضوع السكن. فقد أشار إلى أن متوسط تكلفة المنزل في السعودية تعادل ثمانية أضعاف متوسط دخل الفرد السنوي، بينما تكلفة المنزل في أمريكا على سبيل المثال تعادل نحو ثلاثة أضعاف دخل الفرد فقط، ما يعكس التكلفة الباهظة لامتلاك منزلٍ في السعودية. وأشارت الدراسة إلى أن الشباب السعودي يكافح عدم توافر وسائل الترفيه وقلة الخيارات أمامه بالانكباب على منصات الإعلام الاجتماعي التي ينفق في أرجائها ملايين الساعات. إذ…

يقرب لك؟

الخميس ٠٢ أكتوبر ٢٠١٤

أخطر سؤال أحاول أن أتحاشى أن أقترفه عند لقائي بشخص غريب لأول مرة هو: "يقرب لك فلان"؟ هذا السؤال فخ للسائل والمسؤول. فالإجابة ستحدد مسار الحوار وربما العلاقة معكما. قد ترفعك عاليا في عين السائل أو تهوي بك. فإذا كان يحب قريبك فيسألك أسئلة لا سقف لها. سيستعيد ذكرياته معه بنهم على مسامعك. سيسترجع ضحكته المدوية. سيطرب أذنيك بمواقفه الخالدة معه. سيتحدث طويلا عنه وستأخذ علاقتك مع هذا الشخص منحى إيجابيا آخر. أما إذا كان لديه تحفظ عليه فسينالك من الشر جانب. سيسخط عليك داخليا وسيراك نسخة أخرى من قريبك الذي لا يشتهيه ولا يتقبله. فإذا كانت معاملتك لديه فعليك وعليها السلام. أما إذا كان هناك مشروع عمل بينكما فربما يصبح مشروعا لا يتحقق. ستكون فريسة لما يحمله من ضغينة تجاه قريبك. هذا السؤال يشبه إبرة لا خيار أمامها سوى غرز رأسها المدبب في جلدك. ستحول الحوار الطبيعي واللقاء الاعتيادي إلى مواجهة الماضي مع الحاضر. سيفوز الماضي بنتيجة قاسية وسيخرج الخاسر مطأطئ الرأس إثر نتيجة قياسية، كما حدث للبرازيل في المونديال، الذي استضافته أراضيها. سينتزع هذا السؤال صفة العفوية والحيادية والطبيعية من حواركما. ستدفع ثمن أخطاء أو مزاج غيرك. لن تتمتع باستكشاف واكتشاف الطرف الآخر. ستحاكمه بما فعل الأوائل. "يقرب لك؟" سؤال لا تجده إلا في المجتمعات التي تعشق التصنيف…

مكافأة فاخرة

الأحد ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

نشأت الهندية راشمي سينها، وسط مجتمع يرى أن الجمال والترفيه والرياضة هي الوسيلة الوحيدة للمجد والشهرة والمال. مضت في تحقيق تطلعاتها الأكاديمية تواجه التحدي تلو الآخر مؤمنة بما تقوم به وتعمل من أجله. لم يخذلها نضالها. حصلت على منحة دراسية في أمريكا. استثمرتها جيدا. كانت تدرس صباحا وتعمل مساء في عدة شركات تقنية. ركزت في دراستها على علم النفس وفي عملها على الكمبيوتر. منحها هذا المزيج خلطة سحرية. باتت أكثر فهما لما يبتغيه المستهلك. منتج تقني مسكوب عليه روح إنسانية. أطلقت أكثر من موقع وفكرة إلى الملأ. لكن النظريات التي تعلمتها والتجربة التي خاضتها لم تشفعا لها. ذاب هذا الخليط في الواقع المعقد. فشلت منتجاتها في الوصول إلى الناس. استرجعت الكلمات، التي تلقتها في بدايتها بأن أي شيء غير مسل لن ينجح. وصلت إلى نهاية بأن جديتها لن تؤكلها عيشا. أقلعت عن المشاريع واتجهت إلى العمل البحثي. اعتقدت أنه لن يحالفها التوفيق في أي تجربة جديدة وعليها أن تركز على أبحاثها. فقدرها فيما يبدو أن تكون موظفة في الظل لا تؤثر ولا تلهم. لن يعرفها سوى النزر اليسير من البشر. ظلت سنوات طويلة معتكفة في مكتبتها بين شاشتها ومقالاتها. وأثناء عملها في بحثها تعرضت لمشكلة في مشاركة شرائح عرضها مع زملائها الباحثين الآخرين. فرأت أن تستثمر خبرتها التقنية في تدشين…

هل تذوقتم المقبلات في فنلندا؟

الخميس ١٨ سبتمبر ٢٠١٤

يمقت كثير من طلابنا المدرسة، لأنها تمارس نحوهم علاقة عنصرية وعدائية مبكرة. تبدأ الخصومة منذ اللحظات الأولى، التي تطأ فيها الطالب قدماه في الفصل. إذا قدر الله وتعثر الطالب في مستهل مشواره ربما لاحقه هذا التعثر في مسيرته العلمية حتى يتخرج في الجامعة ــ إذا من الله عليه بالتخرج أصلا. فالطالب الذي يحصل على تقدير جيد سيظل جيدا لأعوام عديدة وسنوات مديدة، لن يتزحزح. وكذلك الحال بالنسبة للطالب الجيد جيدا. لا يوجد غفران أو تسامح مع أي كبوة أو عدم توفيق. الممتاز سيظل ممتازا والضعيف سيستمر ضعيفا. نحن كعرب لا نخجل من أن نقول ونطبق المثل القائل: "العود من أول ركزة". لا مجال لفرصة ثانية تمنحنا وغيرنا خيارا أفضل. فرغم أننا نهاجم كل من يصنف الآخرين، إلا أن أنظمتنا التعليمية تمارس هذا الدور بحرفية. تكرسه في كل أدبياتها ومناهجها وطرائقها. الدول الاسكندنافية مثلا تحارب هذا التصنيف تماما في أساليبها التربوية. فطلاب التعليم العام في فنلندا لا يحصلون على تقدير مع نهاية كل فصل دراسي، بل تقييم تفصيلي يشرح مواطن القوة والأخرى التي تحتاج إلى تطوير. فعندما تنتقل إلى مرحلة أخرى سيعلم معلمك أنك تحتاج إلى جهود مكثفة في النحو لتصبح كاتبا أفضل. أو يتطلب على معلمك أن يبذل جهدا أكبر في تطوير قدراتك في الكيمياء. لا توجد هناك منافسة على…

قبل أن تضيع بقية الأشياء

الخميس ١١ سبتمبر ٢٠١٤

تعرضت لموقف عصيب. ضاعت عليّ أغراض ثمينة للغاية. قلبت المنزل رأسا على عقب؛ للبحث عنها دون جدوى. ظللت على مدى يومين في حالة نفسية سيئة لا يعلم بها إلا الله. أحاول أن أعمل فلا أستطيع. أحاول أن آكل فلا أستطيع. ليس لي مزاج لأقوم بأي شيء. كلما هممت بالقيام بعمل تذكرت ما ضاع مني وفقدت شهيتي. لمت نفسي طويلا بسبب عدم عنايتي بأغراضي كما ينبغي. وبخت نفسي أكثر من مرة. عشت أياما حالكة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. لا يوجد فيها نور أو أمل. ظلام دامس يكتنف حياتي منذ أن أصبح حتى أمسي. قبعت داخل كابوس طويل لم أقدر أن أخرج أو أفر منه. بعد عدة أيام مظلمة، عقدت مع نفسي مؤتمر مصارحة استذكرت فيه كل الأشياء الجميلة التي ما زلت أمتلكها ولم أضيعها بعد. دعوت نفسي أن أتمتع بها ومعها وأسعد بالقرب منها، وأسأل الله أن يعوضني خيرا مما ضاع مني. لم يكن الأمر هينا. لقد كنت كمن يتجرع دواء مرا. يبقى طعمه يرافقك في حلقك لفترة طويلة. لكن لا يوجد أمامي خيارات عديدة. أمامي فقط أن أظل مسجونا خلف قضبان حزني، أو أخرج كي أجلب أشياء مثل التي فقدتها أو أفضل منها. استعدت عافيتي تدريجيا وشرعت في حصر الأشياء الجميلة التي ما زالت في حوزتي. وجدت أنني…

وأنت تعود إلى بيتك

الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠١٤

لدى الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، قصيدة بديعة بعنوان: فكر بغيرك. يقول فيها: وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام إنني أتساءل في مهرجان الضجر الذي لا ينقطع، هل نفكر بغيرنا، ممن لا يملكون أبسط الأشياء؟ ونحن نمشي ونتبرم، هل فكرنا بمن لا يستطيع أن يقف على قدميه، ليقطف ثوبه أو حتى يغسل يده. هل فكرنا بمن لا يستطيع أن يمسك كوب قهوة ليحتسيه إثر الرعاش الذي يعتريه. هل فكرنا بمن لا يملك ثمن جهاز جوال ليهاتف أمه أو أباه بينما نرجم كل من لا يروق لنا بحروف الجوال الذي نقتنيه. نواصل نحيبنا اليومي واحتجاجنا على كل شيء بصوت خفيض وعال، في حين غيرنا لا يستطيع أن يتكلم. يرغب أحدهم في أن يقول أحبك، لكن كل خلاياه تتعاضد لتحرمه من التفوه بها، يعتصر ليقول كلمة قصيرة فلا يقدر أن يكمل حرفا. هل فكرنا ونحن نتشكى من الدوام الممل أن هناك من يمني سنينا النفس بنصف دوام؟ ونحن نشجب الطعام الذي نأكله هل فكرنا بأولئك البشر الذين لا يأكلون سوى من سلال القمامات؟ لا أطالب أن نصمت أو نسكت أو نتوقف عن الشكاية، لكن أقترح أن نفكر في غيرنا على هذا الكوكب ونتذكر أن الكثير…

هل حياتنا رتيبة؟

الخميس ٢٨ أغسطس ٢٠١٤

قامت الكثير من المؤسسات والشركات على مدى العقود الماضية بتغيير أسمائها. شكلت لها أسماؤها السابقة إرثا ثقيلا. شعرت أن الجديدة ستمنحها بريقا جديدا. أثبتت هذه الفكرة رغم صعوبتها وجسامتها جدواها وفعاليتها. استطاعت الكثير من هذه الشركات التحرر من التاريخ الذي التصق بالاسم. ولدت هذه الشركات من جديد وبدأت من الصفر تشق طريقها نحو قلوب وثقة الزبائن والمستهلكين. نجحت إلى حد كبير في أن تنسينا ماضينا المرير وتجاربها السيئة. تحطمت طائرتان لشركة الطيران الكورية "كوريان أير" خلال عامين. بعد ثلاثة أعوام فقط فقدت الخطوط نفسها طائرة أخرى. بعدها هوت طائرة تابعة لها فوق بحر أندامان عام 1987، ثم تحطمت طائرتان جديدتان أخريان في تريبلي وسيئول ثم تحطمت أخرى عام 1994 في شيجو بكوريا. هذه الخسائر الكارثية المتوالية دمرت سمعة الشركة تماما. هوت أسهمها إلى القاع. غيرت جلدها. راجعت استراتيجياتها وخططها وأسلوبها. عملت على إرساء ثقافة جديدة ومنهج مختلف. بقي التحدي الأكبر كيف سيطير المسافرون مع اسم ارتبط بالنكبات والموت؟ كان تغيير الاسم ضرورة وليس خيارا. تحولت إلى خطوط أشيانا. يشير الكاتب مالكوم جلادويل إلى أنه منذ 1999 لم تسجل على الشركة أي مخالفة أو حادثة. السجلات تشير إلى نجاحات متتالية جعلتها تتصدر قوائم أفضل خطوط الطيران. نسي الناس الاسم السابق واستمتعوا بالجديد. تخيلوا لو ظل الاسم كما هو. سيذكرهم بالموت والمأساة.…

قاعدة 10 آلاف ساعة

الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠١٤

يشير اختصاصي الأعصاب، دانيال ليفيتين، إلى أن الدراسات أثبتت أن الوصول إلى الخبرة والتميز عالميا يتطلب عشرة آلاف ساعة من المران والتدريب. فقد أظهرت الاختبارات، التي خضع لها أشهر النجوم في الرياضة والأدب والفنون أن المخ يأخذ هذا الوقت من أجل أن يستوعب كل ما يحتاج أن يعرفه كي يحقق التمكن الحقيقي. لقد خصص المؤلف، مالكوم جلادويل، فصلا كاملا في كتابه Outliers (تتوفر نسخة مترجمة منه إلى العربية بعنوان: المميزون) عن قاعدة العشرة آلاف ساعة، التي تُنضج الموهبة وتجعلها جاهزة للالتهام والإلهام. يعتقد الكثير أن الموهبة وحدها تكفي لأن ننجح. فالحقيقة تختلف تماما عن هذا التصور والانطباع السطحي. فموهبة بلا مران وإعداد واستعداد لا تكفي للوصول إلى الحد الأدنى من النجاح. دعونا نضرب مثالا ببيل جيتس، المبرمج الأمريكي الشهير وأحد أثرياء العالم. تشير سجلات شركة "آي إس آي"، إلى أن جيتس قضى خلال سبعة أشهر فقط عام 1971 نحو 1575 ساعة من الوقت أمام جهاز حاسبها الرئيس، بمعدل ثماني ساعات في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع. لاحظوا ما أنفقه جيتس أمام هذا الجهاز في سبعة أشهر فقط للتدرب على البرمجة، فماذا عن بقية حياته؟ إنه قطعا صرف أكثر من عشرة آلاف ساعة في سبيل تطوير قدراته. لقد أخذه الشغف إلى أقصى مدى. سلبه من كل هواياته ورغباته واهتماماته الأخرى. كرّس…

صيانة الأرواح

الأحد ١٧ أغسطس ٢٠١٤

كل شخص يهتم بأمر سيارته يقوم بعمل صيانة دورية لها. يطمئن على سلامة محركها ويعاين زيتها ومكابحها. يتفقد إطاراتها. وكلما حرص على صيانة هذه السيارة استمرت في عطائها وأدائها كما يتمنى وأكثر. يمارس كل منا هذا الدور حتى تبقى سيارته معه أكبر قدر من السنوات دون أن تئن وتتوجع وتحتضر ثم تقف هذه الآلة ونعاني أجمعين. يعتني الكثير منا بالسيارة بإخلاص وجدية. لكن هل سألنا أنفسنا هل نقوم بدور مشابه مع من هم أعظم وأغلى وأثمن في حياتنا وهم أحبتنا: آباؤنا وزوجاتنا وأبناؤنا وإخواننا. هل نقوم بعمل صيانة دورية لأرواحهم ومعنوياتهم ونفسياتهم؟ هل نختلي بهم ونتحدث معهم ونطمئن على حياتهم ومشاريعهم وصحتهم. هذه النقاشات الحميمية بوسعها أن تجنبنا انفجارات ومشكلات وأزمات كبيرة. كل روح من هؤلاء تحتاج إلى صيانة دورية. كل شخص يحتاج إلى اهتمام ورعاية وحوار خاص بيننا وبينهم بين الحين والآخر. إهمال هذا الحوار سيؤدي إلى انقلاب في حياتنا قد يؤدي إلى مآسٍ لا تحمد عقباها. تخيلوا أن نقطع الفيافي والقفار بسيارات لم تتذوق طعم الزيت أو الوقود. لن تصل. ستتعثر وتتوقف. هذا هو حال الآلة، فماذا هو حال البشر الذين يحتاجون إلى الكثير من زيت المشاعر الإنسانية، ووقود الرعاية الخالصة؟ ننتظر من أحبتنا أن يحققوا مآربنا ويثلجوا صدورنا ويغمروا قلوبنا بإنجازاتهم ووصلهم ونحن لا نوفر لهم الحد…

الكتاب الخشن

الخميس ١٤ أغسطس ٢٠١٤

دعاني جاري لحضور مناسبة تخرج شقيقه بتفوق في كلية الطب من جامعة الدمام. كان اللقاء ملهما. أسرتني ابتسامة ابن والد الدكتور الجديد وأشقائه الذين يحيطونه بزهو. لكن سعادتي الأكبر كانت عندما أسر لي الطبيب الجديد بقصة تفوقه. لقد عاني فهد من الربو صغيرا. كلما خرج إلى الشارع وعاد تعرض لانتكاسة صحية دفعته إلى مراجعة طوارئ المستشفى وربما النوم فيه. اتخذ والده قرارا مبكرا بعدم خروج ابنه إلى الشارع حفاظا على صحة ابنه وقلب زوجته الذي يتفطر كلما شاهدت جسد ابنها الغض وليمة للأجهزة الطبية. لا يشاهد فهد الشارع سوى عند ذهابه إلى المدرسة مع السائق وعودته منها. لم يكن أمامه خيارات لتمضية الوقت سوى قراءة مجلات الأطفال. في أحد الأيام لم يجد أبوه المجلة التي يتابعها ابنها. نفدت من السوق. بحث عنها في أكثر من مركز تجاري ولم يعثر عليها. رأى ألا يعود إلى المنزل دون أن يحمل في يديه شيئا يقدمه لابنه الجائع للقراءة. مر على المكتبة وقطف مجموعة كتب من ضمن سلسلة (الناجحون) التي تصدرها دار العلم. يتناول كل كتاب سيرة شخصيات إسلامية، مثل: عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن الداخل، وطارق بن زياد، وعالمية مثل: هيلين كيلر، ونابليون بونابارت. وتراوح صفحات الكتاب بين 80-100 صفحة تلقي الضوء على شخصية ناجحة. تضايق فهد عندما علم بعدم توافر مجلته المفضلة،…