د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

قِيَمُنا النبيلة التي نفتخر بها

السبت ٢٣ يوليو ٢٠٢٢

القيمُ النبيلة مفهومٌ راقٍ عظيم، يعرفه من خَبر ديننا الإسلامي العظيم الذي جعل القيم إحدى ركائزه الأساسية، وهي القيم التي بُعث النبي، عليه الصلاة والسلام، لإتمامها فيتحلى بها البشر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، فأفاد أن إخوانه من الأنبياء والمرسلين أرسلوا بهذه القيم، فما من أمَّة تتخلى عن شيءٍ من تلك القيم، حتى يبعث الله لها رسولاً ليعيدها إلى القيم المُثلى التي يحبها الله تعالى ويريدها من عباده، وكان مسك الختام لعُصبة الأنبياء سيدنا محمد بن عبدالله، عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه، فبُعث ليتمم مكارمها، وكأنها كانت قد أوشكت على التمام فكانت بعثته لَبِنة ختام المكارم الخُلُقية، فختم على تلك القيم بخاتم إِلَهي لا يقبل التبديل والتغيير، حتى وصفه الله تعالى بأنه «على خلق عظيم»، وهو وصفٌ لدينه، كما ورد. وكان جوهر تلك القيم احترام الفطرة الإنسانية التي هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأنه لا تبديل لخلق الله، الفطرة التي تعني كل كمال خِلقي وخُلقي، وهي معيار تكريم الله للإنسان، فإذا حاول الإنسان أن يتنكر لهذه القيم فإنه يسُوق نفسه لعالمٍ آخر غير إنساني. ونحن المسلمينَ نعتز بهذه القيم أيَّما اعتزاز؛ لأننا أهل دين وحضارة إنسانية راقية، بل نحن الشاهدون على الأمم بأن رسلهم قد بلَّغوهم مراد الله منهم،…

الحجُّ عَرفة

الجمعة ٠٨ يوليو ٢٠٢٢

يوم عرفةَ يومٌ عظيم عند الله جلَّ ذكره، وعند المؤمنين، يومٌ يجمع الله فيه من اختارهم لبساط ملكه، وحضرة قدسه، وحرَمه الآمن، ومشاعره العظام، ليبثُّوا إليه الشَّكوى، ويرفعوا إليه النَّجوى، وينادونه بلسان الذُّل ودموع الخشية، يدعونه رغَباً ورَهَبا، وهم من خشيته مشفقون، إنه اليوم الذي أقسم الله تعالى به بقوله: {وشاهدٍ ومشهود}، وهو يوم الجمعة ويوم عرفة، وهو يومنا هذا الذي اجتمع فيه الشاهد والمشهود لمن وقف هذا الموقف العظيم الذي تسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، والذي يتجلى فيه ربُّنا سبحانه على أهل الموقف، فلا يبرحون حتى يقول لهم الرب سبحانه: انصرفوا فقد غفرتُ لكم كما ورد: «إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل عرفة ملائكتَه فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شُعثاً غُبرا، يا أهل عرفة قد غفرت لكم». هذا هو يوم التجلي الإلهي على عباده المؤمنين، من كان منهم في ذلك المشهد العظيم، ومن تعرَّض لنفحاته وهو في داره ومستقره، فإن فضل هذا اليوم يدركه ويناله كما ورد: «أفضلُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له»، فهو دعاءٌ في اليوم عموماً وليس في المكان خصوصاً، فمن اشتغل فيه بذكر الله وشكره مسألةً أو ثناءً أو استغفاراً أو تلاوةً أو صلاةً وسلاماً على…

تفَقُّهُ الصائمين

السبت ٠٢ أبريل ٢٠٢٢

شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، افترض الله علينا صيامه، وندَبَنا نبيُّنا عليه الصلاة والسلام لقيامه، ليكون موسماً سنوياً يُقبل العبد فيه على ربه، تبتُّلاً إليه بعبادة الصيام الذي هو من أحب العبادات إليه جلّ شأنه، وهي العبادة التَّركِيةُ الوحيدة، يدع فيها الصائم رغباته، وشهواته طمعاً في رضوان الله تعالى، الذي اختص الصيام لنفسه تشريفاً له، دون سائر العبادات، كما في الحديث القدسي «كلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به». والواجب على المسلم وهو مقبل على هذا الركن العظيم، أن يؤديَه على النحو الذي يرضي ربنا جلّ في علاه، ولا يكون مرضياً إلا إذا كان صحيحاً موافقاً للسنة، وأُريد به وجه الله تعالى، كما تشير إليه الآية الكريمة ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾. وعلى المسلم أن يتفقه في كل عبادة يؤديها، ومنها الصيام الذي حان وقتُه. والحد الأدنى من التَّفقّه في الصيام أن يعرف شروط وجوبه، وشرط صحته، وأركانه، وسننه، ومكروهاته، ومبطلاته، وأعذاره، حتى يؤديه على الوجه المطلوب شرعاً. أما شرط وجوبه؛ فهو التكليف، بأن يكون الصائم مسلماً بالغاً عاقلاً، فغير المسلم وإن كان مكلفاً، إلا أنه لا نية له، والنية شرط لصحة الصوم، وغير البالغ من ذكر أو أنثى لا يجب عليه الصوم، وإن كانت له رغبة فيه ويُطيقه، فإن كان مميزاً يعرف…

الاستعداد لرمضان

السبت ٢٦ مارس ٢٠٢٢

سيهلُّ علينا شهر رمضان المبارك بعد أيام مرحبين به، ومباركين لمن يدرك هذا الشهر الكريم بنية صالحة لجعله موسم دهره استغلالاً لأيامه ولياليه في طاعة الرحمن، والعمل بما يقرِّبه لمناداة باب الريان، ودخول دار الرضوان، الذي أُعد لأهل الإحسان، فمرحباً بهذا الشهر الكريم، ونعم المجيء جاء! إنه يجيئنا هذا العام، وقد أوشكت جائحة كورونا - الثقيلة البغيضة - أن تولي الأدبار، غير مأسوف عليها؛ ليعود هذا الشهر مليئاً بأكاليل الفرحة والابتهاج، النفوس مقبلة عليه بمحبة ونية صالحة لصيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، ونية ختم القرآن فيه ختمة بعد ختمة، ونية إخراج الزكوات والصدقات، ونية صلة الأرحام، والمسامحة بين الأنام، وتتهيأ المجالس لزائريها، وتُعد العدة لوجبات الإفطار لتعم المساجد والأماكن الخاصة، ابتغاء وجه الله تعالى. كل هذا وغيره هو ما يعده الناس لشهر رمضان المبارك، وهو استعداد طيب وجميل، والأجمل منه هو تذكر أن هذا الشهر هو جزء من عمر الإنسان، بل هو أكرم أجزائه وأفضل أيامه ولياليه، لأنه شهر يتزود فيه المرء لحياته القادمة، التي يقول عندها المفرط: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، فالحياة الحقيقية هي الدار الآخرة التي يقول عنها ربنا جل شأنه: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}، أي هي الحياة الدائمة الباقية، بخلاف الحياة الدنيا التي قال عنها سبحانه قبل ذلك: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ}، والكل يعرف…

هذا شهر يغفل عنه الناس

السبت ١٢ مارس ٢٠٢٢

هلَّ علينا شهرُ شعبان مبشراً بقدوم شهر رمضان المبارك، ويحمل معه بشارات نبوية، وتنويها عظيماً بفضله ومنزلته بين الشهور، فقد روى الإمام أحمد في مسنده بسنده إلى أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان، فقال أسامة: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال: «أي يومين؟» قال: قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس. قال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» قال: قلت: ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم». ولا تنافي بين العرضين فيوما الاثنين والخميس هما عرض الأسبوع، وشهر شعبان ترفع فيه أعمال السنة كلها. فقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام بعمله المبارك في هذا الشهر، وبيَّن سبب خصوصية عبادة الصيام في هذا الشهر، من أنها تأتي في حال غفلة عن هذه العبادة العظيمة التي هي من أحب الأعمال إلى الله تعالى، لكونه ليس من الأشهر الحُرُم كما كان الشهر…

فضل تفريج الكُرَب عن الناس

الجمعة ٢٩ يناير ٢٠٢١

هناك عمل عظيم ينال به المرء الموفق أجراً عظيماً، لو أنه عرفه لبذل فيه ماله وما ملكت يداه، وكثيرٌ من الناس يخطئ طريق هذا العمل، ويحظى به آخرون يدخره الله تعالى لهم ويعينهم عليه؛ إنه تفريج كُرُبات أناس قد تتشابك حلقات الشدائد عليهم ولا يجدون من يفرجها عنهم، فيقوم ذلك الموفق بتفريجها كحل العقال، فينال الأجر العظيم، جزاءً له من جنس عمله، وهو ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، وروى أيضاً من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر، أو يضع عنه». فهذا أجر عظيم قد لا يناله المرء بكثرة صلاة ولا صيام ولا أعمال بِر، وإن كثرت؛ لأن الله تعالى جعل جزاء بعض الأعمال منوطاً بعمل صالح يقدمه المرء لمصلحة عبد من عباده، وإن كان العمل يسيراً، ولو شاء سبحانه لفرج عن عبده ذاك من…

الاجتماعُ رحمةٌ والفرقةُ عذاب

السبت ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠

يُروى «أن الاجتماع رحمة والفرقة عذاب»، وهو وإن لم يصحّ سنده حديثاً؛ فإن الواقع يدل على صحته، فما من اجتماع إلا كانت نتيجته رحمة للعباد والبلاد، وما من افتراق واختلاف إلا كانت نتيجته بلاءً وعذاباً، والتاريخ شاهد على ذلك، ولهذا كان الثبات على الاجتماع والنهي عن الاختلاف من مقاصد شرعنا الإسلامي الحنيف؛ فكانت دعوته في الكتاب والسنة لذلك متكررة، وزواجره عن الفرقة والاختلاف متواترة، فيقول ربنا سبحانه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾أي تمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله، كما يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، رحمه الله تعالى، وهو نص واضح لا يقبل تأويلاً غير هذا، وجاءت السنة تؤكد هذا المعنى في أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجماعة وإياكم والفُرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بَحبوحة الجنة فليلزم الجماعة». ومن هنا كان إجماع الأمة قديماً وحديثاً على وجوب لزوم الجماعة، وحرمة التفرقة بين الأمة، وأن من يسعى إلى الفرقة وبذر الفتنة بين المجتمعات يعتبر خارجاً عن منهج الإسلام، وكان أداة بيد الشيطان الذي يسعى للتحريش بين الناس، فكان من الواجب التصدي لذلك بحزم وعزم، وهو ما بادرت إليه حكومتنا عندما أطلت الفتنة برأسها في مجتمعنا…

إنا كفيناك المستهزئين

الجمعة ٠٦ نوفمبر ٢٠٢٠

نبيُّ الله وحبيبه، ومصطفاه من خلقه وخليلُه، سيدنا محمد بن عبدالله، عليه صلوات الله وسلامه؛ خصه الله تعالى بخصائص كثيرة، مع ما جمع له من خصائصَ ومعجزات الأنبياء قبله، ومما اختُص به أن الله تعالى تكفل بحفظه، وبكفايته أعداءه أبد الدهر، أياً كان العداء، وخص جانب عداء الكلمة من اللمز والغمز والسب بذكر كفايته منهم بالكيفية التي يريدها الله تعالى، وفي الوقت الذي يريده، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾، هكذا يؤكد الله تعالى كفايته نبيَّه بنون التوكيد وألف العظمة وبالجملة الفعلية التي تفيد التجدد والحدوث؛ ليُشعِر نبيه المخاطب بهذا الخطاب بكمال الطمأنينة، وبالغ الأهمية، وأنه على عينه سبحانه وتعالى فيكفيه ما يهمه، وهي كفاية عامة وشاملة، من المستهزئين به في كل زمان، وهذا وعد الله الذي لا يخلف، وقد تكون الكفاية بهلاك ذلك المستهزئ شر هلاك، كما حدثتنا السيرة عمن كانوا سبب نزولها، وقد تكون بهداية المستهزئ للحق والإيمان بالنبي، عليه الصلاة والسلام، كما حدث قريباً للرسام الدنماركي الذي أسلم وحسن إسلامُه، وكغيره ممن كانوا في عهده عليه الصلاة والسلام فهداهم الله تعالى وأسلموا، وقد تكون بردّ المنصفين على ذلك المستهزئ بما يفضحه ويجعله نكرة نكراء في العالمين، وقد يكون بغير ذلك مما يتحقق فيه موعود الله تعالى الذي لا يتخلف. - إن الشر كامن في نفوس كثير من…

دار الهجرة التي لم تكن صالحة للهجرة

الجمعة ١١ سبتمبر ٢٠٢٠

سعدت جداً كما سعد غيري بفيديو عفوي للشيخ إبراهيم بن قيم الأخضر شيخ القراء بالمدينة المنورة وإمام الحرمين الشريفين سابقاً، حفظه الله تعالى وبارك في عمره وعلمه وعمله، تحدث فيه في جلسة عارضة حديثاً رائعاً عن المدينة المنورة - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - لم نقرأ ولم نسمع مثل ما ذكره من قبل. لقد كان حديثاً مستنبطاً من واقع المدينة، وهل هي متأهلة لأن تكون دار هجرته صلى الله عليه وسلم وعاصمة دولته، ومنطلق شريعته؟ فذكر أنها البلد الوحيد في العالم الذي لم يكن أهلاً لذلك في العادة؛ لِما كانت عليه من وضع اجتماعي متناحر؛ العرب أوسهم وخزرجهم متناحرون قد أفنت الحرب أكثرهم، واليهود وطوائفهم من جهة أخرى فيما بينهم وفي التحريش بين القبائل وصناعة السلاح، فضلاً عما كانت عليه - يثرب - بِيئِياً من الوباء الذي يفتك بالقادمين إليها فتكاً ذريعاً، فذكر حفظه الله أن الله تعالى أراد أن يكون هذا البلد - غير المؤهل للهجرة عادة - أن يكون هو المؤهل الوحيد لهجرة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكسر نواميس العادة لنبيه، فكانت إحدى معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه ما أن وضعت ناقته القصواء جِرانها في ثراها المبارك حتى ألَّف الله تعالى بين هذه القلوب المتناحرة من طوائفها المختلفة، فوضع أول وثيقة تعايشية – مواطنة كاملة…

العشر الأواخر و«كورونا»

السبت ١٦ مايو ٢٠٢٠

حلَّت علينا العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ومازال العالم يرزح تحت وطأة هذا الوباء الداهم الغاشم، وقد كان أملنا في الله تعالى أن يعجل برفعه في هذا الشهر، فلا تأتي خواتمه إلا وقد نفض العالم غباره، وعادت الحياة السعيدة التي كانت قبل قدومه المشؤوم، ولكنْ لله تعالى حكمةٌ في بقائه، وما يدري العالم متى سيرحل عنه غير مودَّع ولا مأسوف عليه، فالحيرة مازالت سيدةَ العلم والعالم، ولله حكمة في خلقه، فلا يُسأل سبحانه عما يَفعل بهم، وهم يسألون عن أعمالهم. هل تساءل العالم عن سبب حدوث هذه الجائحة الكبرى التي لم يشهد لها مثيلاً من قبل؟! فهل تساءل العالم عن سبب حدوث هذه الجائحة الكبرى التي لم يشهد لها مثيلاً من قبل؟! الكل سادر في غفلته، متجاهل ما يحيط به من مكر مولاه، وغافل عن مصيره. ولعلي أحاسب نفسي، وأستمح قارئ مقالي أن ألمح في عينه وأهمس في أذنه وأخاطب وجدانه؛ بأن الحق سبحانه يمحص عباده بما يشاء من الابتلاء، ليميز الخبيث من الطيب كما يشاء وكما أخبر عن نفسه. أما الطيب فإنه يدرك أن تمحيص المولى له هو خير له، فبه يتنبه من غفلته، وبه يسرع في عودته، وبه يستعد لملاقاة ربه بحسن عمله وظنه، وبه يحتسب ذلكم التمحيص عند مولاه.. وهو سبحانه يأجره بغير حساب لصبره ورضاه…

الأضاحي والعيد

السبت ١٠ أغسطس ٢٠١٩

تفضَّل الله تعالى على عباده بهذه الأيام المباركة التي هي أفضل الأيام عند الله تعالى، ولفضلها كان العمل الصالح فيها أفضل من الأعمال الصالحة في سائر العام، كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر»، ولاسيما يوم عرفة، الذي قال فيه النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى أحد يوم عرفة في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا غفر الله له»، فقال رجل: ألأهل المعرَّف يا رسول الله، أم للناس عامة؟ قال: «بل للناس عامة»، وإذا كان الحجاج ينالون شرف الوقوف بعرفة، ويباهي بهم الرحمن ملائكته، وينصرفون مغفوراً لهم، فإن غيرهم ممن يصومونه «يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده». ومن أجلِّ الأعمال الصالحة في هذه الأيام؛ إعداد الأضاحي التي هي سنة الخليلين أبي الأنبياء إبراهيم وخاتمهم سيدنا محمد، عليهما الصلاة والسلام، فإنها شعيرة هذه الأيام كما قال جل ذكره: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾، فكان من أجلِّ أعمال هذه العشر هو التقرب إليه سبحانه بما رزق عباده من بهيمة الأنعام، التي خلقها لهم لينتفعوا بها في منافع كثيرة، ركوباً وحمل أثقال وصوفاً ووبراً وزينة وأكلاً، وهو أجلُّها، حتى يتمتعوا في هذه الحياة، وتطيب أجسامهم،…

الإخاء الإنساني مفهومه وأهمّيتُه

السبت ٠٢ فبراير ٢٠١٩

الإخاء الإنساني مصطلح قديم بالنوع حادث في الشيوع، فإن الإنسان منذ نشأته الأولى لا يجهل أنه أخ لأخيه الإنسان، فهو من نسل آدم المكون من تراب، ومن نسل نوح أبي البشرية الثاني، فهو كأخيه الإنسان نشأة وجِبلّة وخصائص أياً كان عِرقه أو دينه أو بيئته، ومهما تباينت معتقدات بني الإنسان بين الحق والباطل، السماوي والوضعي، والعقلاني وغير العقلاني، فإنه يبقى أخاً للإنسان يحس بأنسه وبؤسه، ويتعين عليه أن يسعى لنفعه ويكف عن ضره، فإن تنكر لهذه الحقائق فإنه يكون قد تخلَّى عن إنسانيته وأصبح الجنس الحيواني طاغياً عليه، فيكون ذئباً ضارياً بصورة البشر، على أن الذئاب وغيرها من الأجناس الأخرى تحترم بعضها وتأنس بها، وقلّما تضر أصناف جنسها، بخلاف الإنسان الذي يتخلى عن صفاته الإنسانية فإنه يفسد كثيراً، وهو ما كانت تستشرفه الملائكة حينما اعترضت على خلق آدم، عليه السلام، لولا أن الله غالب على أمره، ويعلم ما في نوع الإنسان من خير يغلب شره. وهذه الأخوة الإنسانية تحدّث عنها القرآن الكريم، تارة بوصف الآدمية تكريماً، أو وصف الناس خِلقة، أو وصف العباد افتقاراً وحاجة، أو غير ذلك حتى يعلم المرء أنه لا يعيش وحده في هذا الكون، بل إن له شريكاً تعمه الخطابات الإلهية وتجري عليه التكاليف الربانية، وأن ربه سبحانه قادر عليه وأن مرجعه إليه، وسيكون له معه…