فضل تفريج الكُرَب عن الناس

آراء

هناك عمل عظيم ينال به المرء الموفق أجراً عظيماً، لو أنه عرفه لبذل فيه ماله وما ملكت يداه، وكثيرٌ من الناس يخطئ طريق هذا العمل، ويحظى به آخرون يدخره الله تعالى لهم ويعينهم عليه؛ إنه تفريج كُرُبات أناس قد تتشابك حلقات الشدائد عليهم ولا يجدون من يفرجها عنهم، فيقوم ذلك الموفق بتفريجها كحل العقال، فينال الأجر العظيم، جزاءً له من جنس عمله، وهو ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، وروى أيضاً من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر، أو يضع عنه».

فهذا أجر عظيم قد لا يناله المرء بكثرة صلاة ولا صيام ولا أعمال بِر، وإن كثرت؛ لأن الله تعالى جعل جزاء بعض الأعمال منوطاً بعمل صالح يقدمه المرء لمصلحة عبد من عباده، وإن كان العمل يسيراً، ولو شاء سبحانه لفرج عن عبده ذاك من غير واسطة أحد من خلقه؛ لكنه سبحانه يريد أن يكرم العبد الآخر الفقير إليه بعمل يقدمه لنفسه في دار العمل، حتى ينال الجزاء الأوفى، في دار الجزاء، فالكرامة الحقيقية هي لهذا المفرج عن أخيه المسلم؛ لأن كربة الدنيا وإن كانت شديدة فإنها ليست شيئاً بالنسبة لكُرُبات الآخرة التي يود المرء لو يفتدي منها «ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه»، وهيهات أن ينال ذلك كله إلا بمثل هذا العمل الصالح الذي قدمه لنفسه في دار العمل، وقد لا يكون المقدم له مدركاً لفضله وعظيم أجره، فإنه عند ربه غير ضائع، فيجده وهو أحوج ما يكون إليه، فمن حظي بهذا الفضل العظيم فقد فاز فوزاً عظيماً، وهذا هو كرم الرب سبحانه على عباده الذين وفقهم لنفع عباده وفقرائه، وإذا بحث الإنسان عن هؤلاء المحظيِّين بهذا الفضل العظيم فلعله لا يجدهم إلا بالمجاهر الضوئية، إما لأنهم يخفون أنفسهم احتساباً لأعمالهم عند باريهم سبحانه خشية الرياء، أو لأنهم لا يعرفون أنهم قاموا بشيء لاستقلالهم أعمالهم، وهذا ما يسمى باحتقار العمل، فيحسبه هيناً وهو عند الله عظيم.

وسبيل إدراك هذا الفضل العظيم أن يكون لدى المرء شعور بالأُخوَّة الإيمانية، فيحب لأخيه ما يحبه لنفسه ويكره له ما يكرهه لنفسه، وذلك ما يتحقق بها كمال الإيمان، فمن كان كذلك فإنه لن يدخر وسعاً ولا مالاً ولا جاهاً في سبيل تفريج كربات المكروبين ونفع إخوانه المسلمين والناس أجمعين، وإذا كان لديه هذا الشعور الإيماني الأخوي فإن الله تعالى ييسر له السبيل، ويعينه على تحقيق ذلك الفضل الذي قد يكون بكلمة يبلغها مَن بيده الحل والعقد، فيكون بها ذلكم الفرج المطلوب، وهذا ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام أمَّته بقوله: «أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياي، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة»، فمثل هذا التفريج بالبلاغ أمره يسير، وكما أنه تفريج لكربة المكروب؛ فإنه أيضاً نصح لصاحب الأمر، والنصح له هو خالص الدين، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وهو أيضاً امتثال للأمر النبوي الذي يكون جزاؤه ذلكم التثبيت يوم تزل الأقدام، وما أدراك ما خطر ذلك الزلل الذي يكون إلى قعر جهنم.

وقد يكون التفريج عوناً مادياً بشيء من عَلالة الدنيا، وما أيسر ذلك على الموسر الذي يُخلف الله تعالى عليه أكثر مما أعطى.

وقد يكون بشفاعة حسنة فيكون له نصيب منها، وقد يكون بغير ذلك من متيسرات الدنيا، فعلى من كان لديه فرصة لإدراك هذا الفضل العظيم أن لا يبخل على نفسه به، فإنها ستعاتبه يوم يتقدم الناس بأعمالهم فيبطؤه عمله.

نسأل الله التوفيق للجميع.

المصدر: الامارات اليوم