د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

الحالُّ المرتحل

الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠١٧

حلَّ علينا شهر رمضان، شهر العفو والغفران، واستقبلناه بحب وتحنان، ونية صادقة على طاعة الرحمن، وعشنا في أيامه ولياليه في رضا الرحمن، بين صيام وقراءة القرآن، وصدقات وإحسان، ونسأل الله القبول والتوفيق لما بقي من الأزمان، وها هو قد آذن بالرحيل، وما ندري إن كنا فيه من الفائزين، فما كان أحلى أيامه بين سياحة الجسد بالصيام والقيام، وسياحة الفكر بالذكر؟! عشنا فيه صفوة العمر بالطاعة والإنابة، والإقبال على الله تعالى بالكليَّة، عشنا فيه لله مراقبين، ولأنفسنا محاسبين، ولغيرنا محسنين، وللآخرة متذكرين، عشنا في بحبوحة الأمن والأمان في ربوع الأوطان، فوجدنا لذة العبادة، وأحسّسنا بذوق الطاعة، وشكرنا الله تعالى كثيراً. وها هو شهر الصوم والصبر والقيام والإحسان قد أوشك على الرحيل، وسيكون شافعاً للصائمين والقائمين، وسيختم بغفران الله تعالى للمقبولين، وقد كان من السلف من يندب فراقه ندب الثكلى، فكان مما قال: «ما كان أشرف زمانه بين صوم وسهر، وما كان أصفى أحواله من الكدر، وما كان أطيب المناجاة فيه بين وسط الليل والسحر، وما كان أرق القلوب عند انشغالها بالآيات والسور، وها هو قد دنا رحيل هذا الشهر وحان، فرب مؤمل لقاء مثله خانه الإمكان، فودعوه بالأسف والأحزان، واندبوا عليه بألسُن الأسى والأشجان، ويا ليت شعري هل تعود أيامه علينا أم لا تعود، ويا ليتنا علمنا من المقبول منا ومن…

أسبوع الإمام البخاري

الجمعة ١٩ مايو ٢٠١٧

أقامت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي أسبوعاً ثقافياً، جرياً على سَنن عادتها في إقامة الأسابيع الثقافية في السنين الخوالي للأئمة الفقهاء الأربعة، وكان أسبوع هذا العام عن أمير المؤمنين في الحديث، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي (ت 256هـ) صاحب «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه» المعروف اختصاراً بـ«صحيح البخاري» الذي قال فيه الإمام ابن خزيمة رحمه الله: «ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري»، وقال عنه الحافظ ابن حجر: إنه جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث، والذي شهدت له الدنيا بأسرها بالإمامة المطلقة في الحديث رواية ودراية، وأجمعت على قبول مصنفه الصحيح، لما جمع فيه من أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشروط قاسية في الرواية، مع إمامة في الحفظ والإتقان، وفقه تام لما يروي، وأطلقوا عليه أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. هذا الكتاب الذي حظي بالعناية الفائقة من علماء الإسلام من لَدُن أظهره مؤلفه للناس في بداية القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا، فكم من مستدرك عليه، وشارح له، ومستخرج على رواياته، ومتتبع لمروياته، ومنتقد له، ومدافع عنه ؟! عدد لا يحصى، فالمكتبة الإسلامية تغُص بنسخ صحيحِه وشروحِه، والكتب المؤلفة فيه لما ذكرتُ من أنواع، وكما قال المثل المشهور: الموردُ العذب شديدُ الزحام..…

قراءة في «تأملات في السعادة والإيجابية»

الجمعة ٣١ مارس ٢٠١٧

يقول المثل الشهير«الكتاب يُقرأ من عنوانه» أي أن العنوان يعطي صورة مختصرة عن مضمون الكتاب، ولذلك يتعين على المؤلف أن يكون حصيفاً في وضع عنوان كتابه، لأنه سيكون داعياً لقراءته أو مزهِّداً فيه، والكتاب، عنوان المقال، أعطى صورة واضحة عن مضمون الكتاب من أنه يبُث الطاقة الإيجابية لقارئه، ويبعث في نفسه السعادة الغامرة. لا جرم فهو يقرأ عقلاً راجحاً، وتجارب جبارة، ونجاحاتٍ متواصلة، وطموحاتٍ غير متناهية، وأفكاراً خلاقة.. إنه محمد بن راشد الذي يسطّر عبقرياته في كتاب يبثّه للقاصي والداني، وكأنه مشروع نجاح لا يقبل الفشل. لقد تصفحت الكتاب وكنت أعايش الكاتب، قرأت أسطره فعشت مع أسطورة الإيجابية والسعادة، وقرأت فصوله فعلمت أنها أبواب تفتح الآفاق، وعلمت أنه يحمل هم أمة وليس شعباً فقط، ويحمل هم حضارة بادت، همُّه أن تعود، بيّن ذلك من أول فصول كتابه حين قال: «لا توجد منطقة في العالم بحاجة إلى السعادة والإيجابية أكثر من منطقتنا»، إذاً هو يحمل هم أمته العربية والإسلامية التي فشا فيها الفشل الذريع، والخوف المُريع، والفساد الفظيع، فهو يريد أن يعيد لهذه الأمة ثقافتها في الإيجابية التي هي معين الثقافة الإسلامية، وسعادتها المرضية التي هي منهج الإسلام العظيم، فتذكرت قول المتنبي وهو يصف نفسه: أنا في أمة تداركها اللــــــــــــــــه غريبٌ كصالح في ثمود إلا أن الشيخ محمد بن راشد بدأ…

التسامح هو منهج الإسلام العظيم

الجمعة ١٨ نوفمبر ٢٠١٦

لم تعرف البشرية تسامحاً كريماً عظيماً كما عرفته في الإسلام؛ لأنه دين الله الخالص الحنيف القيم، الذي ارتضاه لنفسه فبه يُعبد، وخلقه به يتعاملون، لذلك أقام هذا الدين على أسس التسامح العقدي والعبادي والتعاملي، وجعله أحد معايير الأخلاق العظيمة، وقد عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «إني بعثت بالحنيفيِّة السمحة، ولم أبعث بالرهبانية البدعة، فكلوا اللحم، وائتوا النساء، وصوموا وأفطروا وقوموا وناموا؛ فإني بذلك أُمرت»، والسمحة هي السهلة في الأخذ والتعامل، وهي ضد الغلو في العقائد أو العبادات، وضد التشاح في المعاملات، حتى يكون المسلم يفيض رحمة وحناناً وإحساناً على نفسه وغيره، ومعنى كونه بعث بذلك أن من لم ينهج منهجه فإنه يكون في طرف الغلو المنهي عنه. وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: «السماحة والصبر»، فقيل: فأي المؤمنين أفضل إيمانا؟ قال: «أحسنهم خلقاً»، فقيل: فأي المسلمين أفضلهم إسلاماً؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده». ومن هذا الأساس كانت شريعتنا وسطية فلا إفراط فيها ولا تفريط، ولا تنافر ولا تدابر، بل تعايش الجميع على مبدأ الإحسان والتعاون على البر والتقوى وتحقيق المصالح المشتركة بين البشر، من غير دنِيَّة في الدين، ولا تعدٍّ على الخصوصية، وقد كان التسامح هو المحور الأول في الدعوة إلى الله، «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي…

قانون القراءة لأمة «اقرأ»

الجمعة ٠٤ نوفمبر ٢٠١٦

شيوخ الإمارات كعادتهم يسابقون الزمن في الفضائل، ويخطفون الأبصار في مبادراتهم المختلفة، وإن كانت في مجالات صناعية أو تطويرية فذلك أمر معهود منهم، لكن أن يكون التسابق في إنشاء الفكر الراقي؛ فذلك ما هو فريد في نوعه، ولا يأتي غيرهم بمثله. إنه «قانون القراءة»، لأن القراءة أهم مميزات الأمة الإسلامية، والناس يعيشونها كثقافة تقليدية، وهي موكولة إلى قوانين التعليم العامة في الوزارات والمؤسسات التعليمية المعنية، ويرى الناس فيها الكفاية، وأنها تؤدي الغرض المطلوب، ولا يقلل أحد من شأن هذه المؤسسات في تنشئة جيل يقرأ ويفهم ويُبدع، إلا أنه لا بد لها من رافد أساس من خارج الوزارات المعنية، فكان هذا القانون الحديثَ في نشأته، العظيمَ في دلالته، الوحيدَ في مصفوفات القوانين عالمياً.. فلله دره من قانون من ذوي همم عالية، وأفكار بديعة، وحرص كبير على نفع البشرية! لقد وقف العالم العربي وغيره إجلالاً للشيخ محمد بن راشد على مبادرة تحدي القراءة التي تنافس فيها شباب الأمة العربية وغيرها على قراءة 50 مليون كتاب خلال العام، وكان الفائزون مضربَ المثل في تنافسهم البديع، ونبوغهم الفكري بسبب القراءة، ليس فقط ذلكم الطفل الجزائري «محمد جلود» الذي دل فوزه على أنه سيكون نابغة العصر إن شاء الله تعالى، بل كل الذين قبلوا التحدي ودخلوا حَلَبة التنافس. وقفوا إجلالاً له؛ لأنه اهتم بتنمية الفكر،…

التعليم والتنوير يعيدنا إلى الإسلام والإبداع

الجمعة ٢٨ أكتوبر ٢٠١٦

عقد وزراء خارجية الدول الإسلامية في منظمة التعاون الإسلامي مؤتمرهم 43 بعاصمة أوزبكستان ــ طشقند - التي كانت تسمى ــ الشاش ــ وهو البلد العريق في الإسلام، إذ دخل أهله الإسلام في القرن الأول على يد قُثم بن عباس رضي الله تعالى عنهما، والقائد المسلم قتيبة بن مسلم، فأنجب البلد رجالاً عظاماً كالأئمة المشهورين البخاري والدارمي والترمذي والقفال الشاشي الشافعي، ومن بعدهم البيروني والزمخشري، وغيرهم كثير، أفردوا بمؤلف ضخم اقتنيته في زيارتي لأحد متاحف البلد. بعنوان «موسعة علماء آسيا الوسطى»، وقد كان شعار المؤتمر «التعليم والتنوير طريق الإسلام والإبداع»، وهو شعار مستوحى من تاريخ الأوزبكيين القديم في الحضارة الإسلامية، وأرادوا من ذلك أن يعيدوا مجدهم الناصع في الحضارة بأسلوبها الحديث، وهو ما عبرت عنه خططهم التعليمية من خلال الجامعات والمعاهد التي سمعنا ذكرها، والآثار التي زرناها، والصناعات التي شاهدناها، والتخطيط الحضاري الذي لمسناه، وهو الهمُّ الذي يحمله البنك الإسلامي للتنمية الذي تسهم فيه بعض البلاد الإسلامية الغنية كالسعودية والإمارات بسهم وافر، وذلك من خلال برامجه التعليمية في البلاد الإسلامية الأعضاء. غير أن العنوان الأجدر هو ما عنونتُ به مقالي، وهو مقترح وزير خارجية الأردن الذي أشار إلى أن التعليم والتنوير هو طريقنا الذي سرنا به قروناً متطاولة، فأنرنا الدنيا بالاختراعات العلمية المختلفة؛ طبياً وفلكياً وجبراً وصناعات مختلفة، فضلاً عن الفكر…

قمة الاقتصاد الإسلامي الثالثة

الجمعة ١٤ أكتوبر ٢٠١٦

تبوأت دبي مكانتها الريادية في الاقتصاد الإسلامي كعاصمة دائمة له، لما لديها من مقومات عظيمة استحقت بها أن تكون كذلك، من بِنية تحتيّة عظيمة للاقتصاد، وملاءة كبيرة في المال، وتشريعات نافعة للصناعة، وبرامج حديثة، ومنتجات متعددة.. وكل ذلك يجعل تحقيق النمو لصناعة الاقتصاد الإسلامي أقرب منالاً، وأكثر انتشاراً، وأوثق اعتماداً. وقد طالعتنا القمة الثالثة للاقتصاد الإسلامي بتوسع ملحوظ، وتطور كبير في مفهوم الاقتصاد الإسلامي، ليس فقط من خلال محاوره التي كانت بها المبادرة عند طرحها عام 2013م، وهي المصرفية الإسلامية والتشريعات المتطورة والصكوك الإسلامية ومنتجات الحلال والأوقاف والأزياء والسياحة والإعلام والاقتصاد الرقمي.. والتي ضربت الإمارات في كل محور منها بسهم وافر، لاسيما في الصكوك الإسلامية حيث أصبحت دبي من أكبر أسواق المال في تداول الصكوك الإسلامية، وكذلك منتجات الحلال التي تزخر بها دبي استيراداً وتصديراً واعتماداً، مع كل ذلك فإن التوسع في مفهوم الاقتصاد الإسلامي لإيجاد مبتكرات ومنتجات أصبح علامة بارزة في هذه القمة التي احتشد فيها الكثير من الفاعلين في هذا المجال الحيوي من أكثر الدول الإسلامية وأوروبا وأميركا. ولقد بلغ حجم المصرفية الإسلامية فقط نحو تريليوني دولار أميركي، فضلاً عن تجارة الحلال وغيره، وأصبح هذا الاقتصاد محل اهتمام العالم كله بجميع قاراته، ما يحتم على دبي التي انطلقت منها المصرفية الإسلامية أن تكون رائدة في منتجاتها كما هي…

التعليم مفتاح الغنى

الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦

قرأت كغيري تغريدة راقية، حُق لها أن تكتب بماء الذهب، أو بماء العينين، تقول: «أسرع طريقة للقضاء على الفقر هي القضاء على الجهل، وسننتقل من إطعام الجائع إلى سقيا العقول وتغذية والأرواح». هذه الحكمة من حكيم العرب وفارسها وباني نهضة الأمة، وهي أيضاً عزيمة من صاحب العزم الكبير والهمة العالية؛ إنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله ورعاه، أطلقها في تغاريده التويترية، تعبر عن حبه للعلم، وتطلعه لمخرجاته النافعة، التي لا تُقدر بثمن، فإنه رسم بذلك طريق الحضارة المنشود، والغنى المستدام. لا جرم أن العلم نور البصر والبصيرة، ومفتاح الحضارة، وإكسير السعادة، وطريق العز، وتاج الكمال، فلا يمكن لأمة تريد أن تنال مرادها من ذلك دون أن يكون العلم هو القائد والسائد؛ لأن الله تعالى خلق لعباده ما في الأرض جميعاً وسخّر ذلك لهم، إلا أن مفتاح ذلك التسخير هو العلم، فبه تفتح خزائن الأرض، وتعلم أسرار الكائنات بحسب الطاقة البشرية، فإن الكهرباء لم تُكتشف إلا بالعلم، والذرّة لم تدرك إلا بالعلم، والفضاء لم يُستفد منه إلا بالعلم.. وهكذا مكنونات الأرض لم تُستخرج إلا بالعلم، ويبدأ ذلك العلم صغيراً ثم يطوّر حتى يُنال منه المراد، وتنقلب الأمة بسببه من بؤس الشقاء إلى سعادة ورخاء. والناس سواسية في هذه العلوم والمعارف في إمكان الوصول إليها، إلا أن الناس صنفان…

الليالي العشر

الجمعة ٠٢ سبتمبر ٢٠١٦

قدمت علينا ليالٍ عشر مباركة، عظّم الله شأنها، وأكرم المتنافسين فيها بكرامات كريمات، وهبات عظيمات، وقد تواردت الأدلة على عظيم فضلها من الكتاب والسنة، أما الكتاب فإنه سبحانه أقسم بها فقال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ليدل عباده على فضلها، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بها عشر ذي الحِجة، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وأقسامه سبحانه في كتابه لتنبيه عباده على ما في المقسم به من سر فيلتفتوا إليه، وسر هذه العشر أن فضلها عظيم فمن تعرض له ناله، والتعرض لذلك الفضل يكون بالاشتغال فيها بما يقرب العبد إلى ربه زلفى، ولديه ذخراً، وهو ما أشار إليه سبحانه بقوله: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾، والأيام المعلومات هي هذه العشر، فنبه سبحانه إلى فضيلة الذكر فيها لعظيم منزلة الذكر عنده سبحانه، فهو أكبر من كل عمل صالح يقدمه المرء لنفسه عند ربه، كما قال سبحانه: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وهو ما بيّنه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بقوله «ما من أيام أحبُّ إلى الله فيهن العملُ من هذه الأيام أيام العشر، فأكثروا فيهن التكبير والتهليل والتحميد»، وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر»،…

حق الطَّلع النَّضيد

الجمعة ١٩ أغسطس ٢٠١٦

كم لله علينا من نعمٍ يغدقها علينا ليلاً ونهاراً وصيفاً وشتاءً! نتذكر بها المنعم جل في علاه فنزداد له شكراً، ويزيدنا عطاءً، وفي هذا الصيف القائظ الذي يحرق الشجر والبشر، نجده ينعم علينا بنعم الطَّلع النضيد الذي يقول عنه سبحانه: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}أي فارهات الطول، ولها من الثمر ما هو متراكب بعضه فوق بعض لكثرته وجودته - نضيد أي منضود، يقال: نضَّد متاعه إذا وضع بعضه فوق بعض - فيصف لنا المولى سبحانه حال ثمر النخل وهو طلع ثم بلح ثم زهوٌ ثم بسر ثم رطب ثم تمر، ونحن الآن في أوان كونه رطباً، وهو ألذ ثمراً وأطيب أكلاً، وكل الناس يتوق إليه، وكم قد تطلعوا إليه! ووجوده يهوِّن لهب الحر، وفائدته المادية والمعنوية تهون تعب زرعه وسقيه حتى أتى يوم حصاده. وفي هذه المنَّة الإلهية حقٌّ لا ينسى، وهو الزكاة التي فرضها الله تعالى في مثل هذه النعمة للفقراء والمساكين، الذين يتطلعون إلى نصيب فيه يكفيهم مؤنة سنتهم، أو بعضاً منها، والمتعين فيه على مَن منَّ الله تعالى عليه بهذه النعمة أن يؤدي شكرها بإخراج الزكاة التي أمر الله تعالى أن تخرج يوم الحصاد، والملاحظ في هذا الخير الكثير لدى بعض أصحاب المزارع أن كثيراً من هذا الحق يفوت بفعل أكله رطباً فيضيع حق كثير على الفقراء.…

السفرُ المبيح للقصر والجمع

الجمعة ١٢ أغسطس ٢٠١٦

انتشرت مقاطع فيديو، في وسائل التواصل الاجتماعي، عن أحكام القصر والجمع في السفر، تفيد بأن من يسافر لبلد، له أن يقصر ويجمع ما دام في نيته الرجوع إلى وطنه، وإن أقام سنين؛ أو تقسيم السفر تقسيماً غير مسبوق إلى سفر عارض وسفر استيطان؛ ما جعل الناس يضطربون في ما يعرفونه من أحكام فقهية في باب القصر والجمع في السفر؛ وهي مقاطع حقيقةً تدعو إلى الاستغراب لعدد من الأسباب: أولها: أنها صادرة من غير متخصصين في الفتوى خاصة، والفقه عامة. ثانيها: أنها نحت منحى الترخيص غير المنضبط. ثالثها: أنها في أهم أمور الدين وهي الصلاة، التي هي عماده وأحد أركانه وأسهمه، والتي يجب فيها سلوك الاحتياط والورع؛ لخطورة أمرها في دين المرء المسلم عامة والمفتي خاصة. رابعها: خروجها عن فقه الأئمة الأربعة، الذي عليه أُمَّةُ الإسلام قديماً وحديثاً. ذلك أن الخلاف الفقهي بين الجمهور، والسادة الأحناف، ينحصر في مدة الإقامة التي ينقطع بها حكم السفر، فالجمهور من السادة المالكية والشافعية والحنابلة قصروها في أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج، وضبطها السادة المالكية في المشهور المفتى به بعشرين صلاة، وذلك لما روى مسلم عن العلاء بن الحضرمي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «يُقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً»، وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة…

القيم الأخلاقية في مناهج التعليم

الجمعة ٠٥ أغسطس ٢٠١٦

مخرجات التعليم، في البلاد الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً، لا تلبِّي أهدافه التي رسمت له، لاسيما في التربية الأخلاقية، التي هي الشطر الأول لمؤسسات التعليم، فإن اسمها المؤسسي «التربية والتعليم» وهي شاملة للتعليم النظري والتجريبي أو التطبيقي، فهي مؤسسة واحدة، ذات شعار مؤسسي واحد، ومعنى ذلك أن التربية الخُلقية مكون أساس في مناهج التعليم، وإذا أُطلق لفظ التربية في مناهج التعليم فيقصد به «التربية الإيمانية والخُلقية والسلوكية»، فكم حصة هذا الشطر من مناهج التعليم؟ لعل الكل يعرف الجواب، ولما كان الجواب سلبياً فإن مؤسسات التعليم تكون قد فقدت المخرجات التي أرادتها، لكنها تتجاهل الإخفاق السلوكي للمخرجات أثناء وبعد التحصيل الدراسي، وينعكس ذلك سلباً على المجتمع والأمة، فإن أكثر المظاهر السلبية، بل عامتها، تأتي كنتيجة حتمية لفقد أو ضعف التربية الخُلقية، فالمخدرات والشذوذ والكبر والسِّباب والخصومات والولاء الخارجي والتحزب المقيت والتّفحيط والفوضى.. كلها من آثار فقد التربية الخُلقية، فيكون حال المجتمعات ما عبر عنه شوقي بقوله: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم * فأقم عليهم مأتماً وعويلا نعم أقم عليهم مأتماً؛ لأنهم فقدوا سر الحياة التي يتعايش بها الناس ويسعدون، كما قال شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا فكان لابد أن تكون التربية الخُلقية أهمَّ ما يُعتنى بها في مناهج التعليم، لأنها ستنشئ المواطن الصالح لنفسه وبلده،…