الاجتماعُ رحمةٌ والفرقةُ عذاب

آراء

يُروى «أن الاجتماع رحمة والفرقة عذاب»، وهو وإن لم يصحّ سنده حديثاً؛ فإن الواقع يدل على صحته، فما من اجتماع إلا كانت نتيجته رحمة للعباد والبلاد، وما من افتراق واختلاف إلا كانت نتيجته بلاءً وعذاباً، والتاريخ شاهد على ذلك، ولهذا كان الثبات على الاجتماع والنهي عن الاختلاف من مقاصد شرعنا الإسلامي الحنيف؛ فكانت دعوته في الكتاب والسنة لذلك متكررة، وزواجره عن الفرقة والاختلاف متواترة، فيقول ربنا سبحانه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾أي تمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله، كما يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، رحمه الله تعالى، وهو نص واضح لا يقبل تأويلاً غير هذا، وجاءت السنة تؤكد هذا المعنى في أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجماعة وإياكم والفُرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بَحبوحة الجنة فليلزم الجماعة».

ومن هنا كان إجماع الأمة قديماً وحديثاً على وجوب لزوم الجماعة، وحرمة التفرقة بين الأمة، وأن من يسعى إلى الفرقة وبذر الفتنة بين المجتمعات يعتبر خارجاً عن منهج الإسلام، وكان أداة بيد الشيطان الذي يسعى للتحريش بين الناس، فكان من الواجب التصدي لذلك بحزم وعزم، وهو ما بادرت إليه حكومتنا عندما أطلت الفتنة برأسها في مجتمعنا المتماسك المعتصم بحبل الله، والمبايع لقيادته، المؤتمر بأمرها، فأصدرت تشريعاً قانونياً رقم 7 لسنة 2014 لمكافحة الإرهاب والتطرف، حتى يكون كلُّ من تخول له نفسه السعي للفرقة في المجتمع مُداناً، تسري عليه العقوبات المنظومة في القانون، ولم تكتفِ بذلك حتى وضعت النقاط على الحروف فوضعت قائمة بالكيانات التي يشملها هذا القانون، كان من أبرزها من غذَّوا الفرقة في المجتمعات، وسعوا إلى خرابها من الجماعة المسمّاة بالإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي أرادت قلب الأنظمة والوصول إلى سُدة الحكم لتحقيق مآربها السيادية على العباد، ولو كان ذلك بتدمير البلاد وإهلاك العباد كما كانوا يصرّحون من غير مبالاة.

وقد كانت الدولة حماها الله تعالى موفقة بالسبق لهذا التشريع المستمد من الشرع الحنيف، والمؤيد بإجماع الأمة سلفاً وخلفاً، وها هي الآن تزخر بالأمن والطمأنينة والسعادة والتقدم الحضاري المطرد، وما ذلك إلا ثمرة من ثمار اجتماع الأمة والسمع والطاعة لولاة الأمر حفظهم الله، الحريصين على الأمة كحرصهم على أنفسهم وأهليهم.

وقد كان هذا التشريع مؤيداً من العلماء الصادقين الذين يجعلون شرع الله فوق الأهواء، ومنهج النبوة الأسوة في الاتباع، كما بينه مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في اجتماعه الأخير، برئاسة رئيس المجلس الشيخ عبدالله بن بيه، والذي جاء مؤيداً لما أصدرته هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة من بيان واضح في حكم الجماعات الإرهابية المختلفة، وعلى رأس قائمتها «الإخوان المسلمون» الذين توغلوا في المجتمعات وأفسدوا في الأرض بهذه الحروب التي لا تزال تشتعل منذ تسع سنوات ولم يطفأ لها أوار، وقد كانت الأمة في عافية من ذلك، حتى أذكتها هذه الجماعات الفاتنة، واستغلَّها كل مريض النفس مريد للأمة العنت.

ولم يكن هذا التأييد وليد اليوم، بل كنا منذ زمن بعيد نحذر من التنظيمات المختلفة، لاسيما التي تلبس عباءة الدين وتدّعي احتكار الحقيقة، وها هو الآن قد وضح لذي عينين آثار افتراق الأمة من الخراب والدمار في كثير من البلدان، أما الأمم التي عُصمت من ذلك فهي في استقرار وازدهار، وعلى رأسها هذه الأمة الإماراتية التي تستشعر أجلَّ نعم الله تعالى عليها بهذه القيادة الرشيدة المحبة لشعبها، المحبوبة لدى الشعب، فصدق عليها ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم..» أي يدعون لكم وتدعون لهم.

ورحم الله شيخ الإسلام عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته عبدالله بن المبارك، المتوفى سنة 181هـ، الذي قال:

إنّ الجماعة حبلُ الله فاعتصموا/‏‏ مــنـه بعـروته الوثقى لمن دانا

كم يدفع الله بالسلطان معضلةً/‏‏ في ديـنـنـا رحــمــةً مـنه ودنيانا

لولا الأئمة لــم تــأمن لـنـا سُبُلٌ/‏‏ وكان أضعفُـنا نـهـبـاً لأقــوانا.

المصدر: الامارات اليوم