علي أبوالريش
علي أبوالريش
روائي وشاعر وإعلامي إماراتي

إنجازات هائلة

الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٩

اليوم وخلال العشرين سنة الأخيرة، حدث ما يشبه الحلم. حدث شيء يثير الصدمة الاجتماعية، حدث تغير في النسيج، حيث القماشة الاجتماعية تغيّرت في سمكها ولونها، وهذا أمر طبيعي يحدث لأي مجتمع انتقل من مرحلة الطفولة الثقافية إلى النضج. ولكن خلال هذه الرحلة حدث ما يشبه القفزة فوق حبل يربط جدارين عاليين حدث انصهار قيم، وبروز قيم أخرى، وحدث اغتراب في المفاهيم، والمصطلحات، والعادات، والتقاليد، والسلوك الجماعي. حدث خلال هذه الرحلة انبعاث أشعة فوق بنفسجية، غيرت من الرؤية، ومن المزاج، والمذاق أيضاً. بدءاً من الملبس، والمأكل، والمشرب مروراً بالعلاقة بين الأفراد، في مجال الأسرة، والعمل، والصداقة، ثم انتهاء بحزمة من الاستخدامات اليومية للغة، وثقافة عامة، نتجت في خضم الانتقالة السريعة، من منطقة الماضي، إلى الحاضر، ويبدو أن العربة الاجتماعية تمر سريعاً على الكثير من القيم، وتتجاوزها، ولا يتم الالتفات نحوها، لأنه ما من فرصة، ولا وقت يسمحان بالتريث، فالعقل منشغل كثيراً بالمستقبل، والقلب متخم بالمشاعر الجديدة، والعين يغبشها النور الساطع، ولا شيء يتوقف في هذه الحالة، بل إن المسافة ما بين الماضي والحاضر على الرغم من قربها زمنياً، إلا أنها نفسياً تبدو أبعد من المسافة ما بين الشمس والقمر. سنوات ضوئية قطعت خلال العشرين سنة، لم تستطع شعوب غيرنا قطعها خلال قرون من الزمن. المجتمع حظي بمميزات تفوق التخيل من خلال…

المنظومة الأخلاقية

الإثنين ٠٧ أكتوبر ٢٠١٩

هذا الإرث، وهذا النث، وهذا البث، وهذا الحث، وهذه المنظومة الأخلاقية، التي شعت، واتسعت، ومدت، وامتدت، في المدى شراعاً ويراعاً واتساعاً، وفاضت من فيض، وروض ومنحت الحياة نسقاً معرفياً، بدا في الوجود قامة ومقامة واستقامة، بدا في الوطن سحابة هيابة، تظلل وتهطل زخات ورفرفات، لها تنيخ الركاب شجوناً، ولحوناً، وتسود الأطيار، وتترنم الأشجار، وتميل الأغصان طرباً وصخباً. هذا العرف القمي سكن القلوب، فاستكانت هدأة وطمأنينة، وازدهرت أماناً وسكينة، وبدت التضاريس مروجاً وبروجاً، وصارت البيداء فيحاء على ربواتها تحلم النوق، وتتألق الجياد، وتتدفق الوهاد عشباً يلون التراب بأخضر اليفوع ورونق الينوع، وتتباهى العيون ببريق أنيق رشيق والناس في فيافي الوطن، يرتلون آيات الحب، لوطن زرع الحب أصولاً وفصولاً، ومنح الأحلام بياض السليقة، ونصوع الخليقة. هذه منظومة زايد الأخلاقية، أكسبت الوطن قامته وشامته وعلامته ووسامته وجزالته وأصالته ونبله وخير سبله، هذه المنظومة ألهمت الوطن إبداعه وبلاغته وفصاحته، وحصافته وقدرته على صناعة المجد بكل براعة ونبوغ ومنحت الناس الوجاهة والبهجة ونهج التسامح والتصالح والخروج من شرنقة التقوقع والاختزال، والانفصال عن باقة الزهور والعطور هذه المنظومة، رسمت صورة البهاء والصفاء والنقاء والوفاء والانتماء إلى الوحدة البشرية، وتكامل الموجود هذه المنظومة هي في البدء حلم، ثم صارت علماً وعلماً، صارت في الكون نجوماً ترصع السماء بقلائد وفرائد وقصائد، وتنسج في الأرض خيوط الحرير، لشراشف الدفء…

البوح الجميل

الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٩

الحب.. منازل القلوب، واستمد بنيانه من فرادته في الشفافية، واستثنائيته في العفوية، وتميزه في العطاء من غير شرط، وانحيازه الدائم إلى الحق، وبلوغه مجد التفاني من دون تردد، وهكذا تشرب الحب من وحي تربة صحراوية نبيلة، وبيئة طبيعية أصيلة. لم يكن في الحياة إلا نسيماً يمر على وجنات الوجود، برشاقة المخلوقات الخارقة، ولباقة الرجال النجباء. في رحلة إلى باريس، برفقة زملاء المهنة والواجب، قادتني خطواتي إلى نهر السين، وهناك عند السور القديم استوقفتني عبارة كتبها أحد العشاق فحواها «نحن عيال زايد». هذه العبارة أدهشتني كثيراً، كما أبهرتني، وأنا أتأمل الكلمات المحفورة على جدار السور، وتساءلت حينها! ما الذي جعل هذا الإنسان أن يتذكر الشيخ زايد وهو في بلاد تبعد عن الإمارات آلاف الأميال؟ ثم قفزت إلى ذهني مضامين ما تعنيه هذه العبارة، حيث الحب الطاهر لا تخفيه المسافات، ولا تعرقله الأمكنة، ولا تعيقه الغربة. هناك خيط ذهبي ربط هذا الشخص، كاتب تلك العبارة، والشيخ زايد، إنه الحب عندما يحتل وجدان الإنسان، ويصبح جزءاً من كيانه، بل والدم الذي يجري في شريانه. أَحب الشيخ زايد الناس فأحبوه، ووضعوه موضع الرمش من العين، وأسكنوه في القلب، وفي صفحة الجبين. زايد الذي رفع هامات الناس إلى أعالي القمم، ولوَّن حياة البشر بالأحلام الزاهية، ولم تغمض له عين، وهو يسمع عن شعب مظلوم، أو…

انتخابات الوطن (5)

الإثنين ١٦ سبتمبر ٢٠١٩

الناخب والمنتخب عليهما واجب، كما لهما حق. الواجبات تجاه الوطن تتقدم الحقوق، نحن جميعاً أعضاء في الوطن، ونحن جميعاً تقع علينا مهمة الوصول بالوطن إلى شواطئ اللحمة الواحدة، والنسيج المتلاحم، بعيداً عن الأغراض الشخصية وكل ما يغري في مقاعد، ومنصات البروز الاجتماعي. الناخب لا يفكر في المرشح كونه اليد التي ستتناول له ثمرات اللوز من قمة الشجرة، بل ينظر إليه كقامة سوف تحقق للوطن قيمته، وشيمته، ونخوته، وعزته، وكرامته، وشأنه، وفنه، ولحنه، وشجنه. هكذا هي الرؤية التي تضعها القيادة أمام الجميع، في مرآة الواقع. هكذا هي الآمال المعقودة على كل من يفتح عينيه في كل صباح، ويبدأ يومه في الدعوة للوطن، بأن يكون أجمل الأوطان، وأرفعها قامة، ومقامة، وأن يكون الشجرة التي تؤمها طيور المحبة والسلام، والوئام، والانسجام، وأن يكون المنطقة المعشوشبة، بمشاعر الألفة والتكاتف، والتآلف، والتحالف ضد كل ما يعكر، وكل ما يكدر، وكل ما يصادر الوعي بحب الوطن. ما يدور في خلد كل من يعيش على هذه الأرض أن يكون الناخب والمنتخب، كلاهما مجدافا سفر إلى آفاق النمو، وتطور المنشآت، والمشروعات، والمكتسبات، وأن يكونا السور والطوق والعنق، وأن يكونا، المسار والمدار والمحور الذي تدور في فلكه كواكب الحلم، ومواكب ذوي العلم. هكذا نتصور في كل من يتصدر المشهد ويعلن أنه ممثل للشعب، وحامٍ لحياضه، ورياضه، ولا مفرد، ولا…

قبل الضجيج

الثلاثاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٩

أنت في كل صباح، تصحو من نومك، وتفرك جفنيك، وتعتدل في جلستك، ثم تمضي لطرد النوم من عينيك، عبر تذكر ما حفظته قبل أن تغمض عينيك. ربما تكون تحت شرشف الابتسامة الناعمة تختالك صورة ما، تمسح على وجنتيك، وتتلمس جبينك مثل جناح فراشك، تشعر أنت بالبهجة، ويلفك الحبور، ويطويك السرور. في هذه اللحظة وقبل الضجيج، أنت في قارب بحري يتهادى بين موجات الصحو، وزبد الغفلة الأخيرة. أنت لا تحلم، وإنما تستدعي خيوطاً مرت من هنا، مرت من قماشة القلب، وشيدت فرحك المنيع، أو هكذا كما تتصور، أنت بعد الصحو، تبدو مثل عصفور يمهد جناحيه للطيران ويمسد أطراف الحديث الداخلي بتغريدة، ربما هي الدفقة الأولى إلى التحليق، والرفرفة. قبل الضجيج هناك في الثنايا وريقات تهفهف، على نغم الحفيف فوق أغصان الشجر، وهناك في غرفة العقل تتحرك الجملة الفعلية، لتكون أنت الفاعل، وأحياناً أنت المفعول به. قبل الضجيج، هناك حشر، ونشر، يتهيأ للنهوض من السبات، ويقول لك هيا ننشر الشراع فالرحلة طويلة، وممتدة، وربما تكون الموجة فيها أعلى من جبال رأس الخيمة، وربما تكون الريح تصفر في الأذهان مثل صرخة المتألم من جرح قديم. وأنت الآن في الشارع، في قلب الصدام بين الأرواح، وتباين الوجوه، وتعارض الاتجاهات، يعتريك خوف ما، لا تدري مصدره، ولا تعرف كنهه، إنك فقط بين جناحي الرجفة، إنك…

الإمارات زاهية بعشاقها

الإثنين ٢٤ يونيو ٢٠١٩

هكذا هي الإمارات، زاهية بعشاقها، ماضية إلى الآخر بمشاعر كقماشة الحرير، وأفكار مثل عذوبة النهر، وعلاقات كقطرات الندى على أوراق التوت. هذه هي فلسفة من كان الحب طريقاً لوصوله إلى قلوب الآخرين، ومن كان الود وسيلته في بناء الشراكة والقواسم والثوابت مع العالم. هذه هي الأيقونة التي على أثرها تتبع الإمارات أشعة النور، وهي البوصلة التي تهدي الركاب إلى مناطق العشب القشيب. هذه هي رؤية من رأوا أنه لا حياة من دون الأحلام الزاهية، فهي الزهور التي تعبق ببستان القلوب، وهي الأشجار التي تلون منازل الناس، وهي الأقلام التي تسجل في صفحات التاريخ منجزات البشرية المبهرة. هذا هو ديدن الإمارات، ونسق الذين أحبوا الحياة، فحببت فيهم الناس أجمعين، حتى أصبحت الإمارات اليوم موئل العشاق، ومثوى الذين يرفلون بأجمل المشاعر، وأنبل الخواطر، وأجل الأواصر. هذه هي سجية من تفانوا كي يعيش العالم تحت ظلال الآمال العريضة، وتهنأ النفوس بالعيش الكريم والفرح المستديم. هذا هو الخط البياني الذي تسير عليه الإمارات، ذاهبة إلى العلا، كنورس يطوف حول المحيط، بحثاً عن وشوشة الموجة، وبأسئلة الوجود النابض بالشفافية، تمد الإمارات أشرعة السفر البعيد، مكسوة بمخمل القيم العالية، مشمولة بنخوة النجباء الذين سوروا الصحراء بنفيس الأخضر اليانع، وطوّقوا أعناق الناس بقلائد الفخر والعزة والشرف الرفيع. هذه هي الإمارات، تمضي في الركب، والقلوب عامرة بالحب، غامرة…

فرحة وطن

الخميس ٠٦ يونيو ٢٠١٩

تكبر المشاعر، وتزدهر، وتثمر ابتسامة بحجم الوطن، عندما يكون الفرح بقيمة ذوي الفضل والقيم الرفيعة. في هذه الأيام تشع في سماء بلادنا البوارق، والشوارق، والشواهق والطوارق، والنمارق، محتفية بعرس آل مكتوم، وأفئدة الناس تفترش مخمل السعادة، وتطوق أرواحها بحرير الحبور. عندما تكون القيادة في قلب الناس، تكون القواسم المشتركة سجادة يانعة بخيوط الرهافة، وأهداب الشفافية، ويصبح النسيج الاجتماعي مثل ماء النهر، عذباً، صافياً، مدراراً، ويصبح الوطن شعلة من نور، تصبح الحياة شلال النمو والازدهار، يصبح العالم جغرافية بلا حدود ولا سدود ولا قدود، يصبح الزمن شجرة وارفة، أوراقها من حنان، وأغصانها نعيم الأشجان، وأثمارها من تين وزيتون ورمان، ويصبح الإنسان طائراً بأجنحة تجوب الأكوان. هكذا علمتنا القيادة الرشيدة بأن الفرح يعم ولا يخص، وأن البنان لا يشير إلا لقلب واحد، هو قلب الوطن الكبير، الإمارات الحبيبة. وفي هذه الأيام، يفيض قلب الإمارات فرحاً، لأنّ ثلاثة من أبنائها يدخلون مشيمة الأحلام الزاهية، بقلوب مضاءة بالحب، وأرواح تزخر بالفخر والاعتزاز، لأنهم يلجون محيط الزواج الميمون، وهم مؤزرون بحب أبناء وطنهم، ووفائهم، وانتمائهم، وولائهم إلى من لونوا حياتهم دائماً بالفرح، وأثثوا وجدانهم بالطمأنينة، وملأوا قلوبهم بالسعادة. العرس الكبير، عرس آل مكتوم، عرس الوطن، عرس العالم، وكيف والإمارات اليوم هي وطن الناس أجمعين، وفلكهم الذي يطرق نحورهم بالألفة والمحبة وثقافة الشفافية. وطننا الإمارات اليوم،…

ما الضمير؟

الخميس ٢٨ مارس ٢٠١٩

نتحدَّث عن الضمير، في كل مواقعنا، وظروفنا، وتصرفاتنا، في خلافنا، وفي اتفاقنا، في حزننا، وفي فرحنا، فهو الحاضر الغائب، المتدفق مثل الهواء نحسه ولا نراه، هو السائل بلا لون كالماء، هو المتجمد والمتغير، هو المناهض والمسالم، هو الساكن والمتحرك، يتسمى باسمه المتدين والعلماني، الكبير والصغير، الغني والفقير، هو في كل عقيدة، ومبدأ يكون في صلب الحقيقة البشرية، يكون في خلايا التفكير، أينما حل وارتحل، وأينما انطلق. ولكن ما هو هذا الضمير الساحر المتشعب الراصد لسلوكنا، المراقب لكل دفقة من دفقات قلوبنا؟. أطلق عليه الأنا، وفي بعض الأحيان يسمى الوعي، المسلم يخاطب الناس باسم الضمير، والمسيحي كذلك، الطوائف، والملل، والنحل، والإثنيات، والعرقيات، كل هذه الطرائق، تذهب إلى الحياة باسم الضمير، ولكن نسأل مرة أخرى ما هو هذا الضمير، الذي يظهر في العالم مثل الكائن الخارق، الطارق، والمتحذلق، والمتفق واللا متفق، مع أو ضد، في الـ«النعم، واللا». الضمير يبدأ في النخر، أو الوخز، وينتهي في التأنيب أو التأييد، ولكن هو في كل الحالات، يبقى الكائن الخفي الكامن في معطف الذات من غير هوية واضحة، هو لم يكشف عن وجهه إلا من خلال تأثيره في سلوكنا، سواء كان سلباً أو إيجاباً. إذن ما الضمير؟ هو مفهوم هيولي غير مرئي، ملقى في الذات، يعمل على تفسير الأحداث، وتصنيفها، وأرشفتها، وتوضيبها في الذات، ثم إصدار…

أسوأ نصيحة تقدم لإنسان مقتنع بقدراته

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩

الحياة تبدأ بطموح، تسبقه قناعة بقدرات إنسان على تحقيق ذلك الطموح. عندما تود أن تقدم نصيحة لشخص، لا تظهر أمامه أنك الأفضل منه، ولا تبرز نفسك على أنك صاحب قدرات فائقة، جاء لينقذ الأقل منه في الإمكانيات. التفاضل بين الناس سبب رئيس في انتشار الأخطاء، وهو جوهر تمادي المخطئين في ارتكاب الأخطاء. من البديهي أن يعتبر الإنسان أنه يعاني الفقر أو المرض، أو أي عيب جسدي، ولكن من المستحيل أن يعترف أي إنسان بالنقص العقلي، لأن العقل يمس الذات، بينما الأشياء الأخرى لها علاقة بالخارج، أي أن يلقي المريض سبب مرضه على العدوى من الخارج، ومن الطبيعي أن يرد الفقير فقره إلى خلل في علاقته بالآخر، وهكذا، ولكن ليس من الممكن أن يرجع الناقص عقلاً هذا النقص إلى أي كائن آخر غير نفسه، وطالما الأمر متعلق بالنفس أو الذات، فإنه من الطبيعي أن يلقى هذا النقص عبارة الرفض والتذمر من أي نقد أو ملاحظة، أو رأي يخالف رأي الإنسان الذي يواجه مأزق النقص العقلي. ليست النصيحة في هذه الحالة إلا سهماً يغرس في صدر الذات، فيصبح الألم مبرحاً ومؤذياً ولا تطيقه النفس، وعندما يشعر المرء بأن السهم قد طال الذات، يكون قد وصل إلى حد الإحساس بالتلاشي والفناء، الأمر الذي يستدعي منه، تجييش كل قواه، وإعداد العدة للدفاع عن الحياض…

ما بين العقل والقلب شتان

السبت ١٦ فبراير ٢٠١٩

يدعوك العقل إلى التحول، من منطقة مشوبة بالتلف، إلى منطقة معشوشبة بالأحلام الزاهية. ولكنك تصادف العقبات، مزروعة مثل الأشواك في زقاق ضيق فماذا يشير إليك العقل؟ يقول اذهب ولا تخف، وتسلح بالحيل، ووطد علاقتك مع الأفكار، هي التي ستقودك إلى أماكن أنقى من ماء النهر. تفكر أنت، وتقلب السجادة على كل أوجهها، لتطرد الغبار، وتطارد الذرات الصغيرة العالقة في خيوط السجادة، ثم ترفع رأسك، وتقول ها آنذا تخلصت من العقبات، وتنفرج شفتاك عن ابتسامة مشرقة، ثم تضحك ساخراً مما اعترضك من عقبات. ولكن في أحيان كثيرة، يعجز العقل عن تجاوز العقبات، ويصاب بالإحباط، وييأس قليلاً ثم يهتدي إلى فكرة جهنمية، وهي التحايل على العقبات، ولو بطرق معيبة، وعندما تجد الطريق سالكة، تستمرئ هذا الأسلوب، وتستمر في سلكه، وتجازف ولو كان على حساب أشياء كثيرة تمس قيمك ومبادئك، وترتكب أحياناً أخطاء مفزعة، ولكن عقلك يقول لك استمر، ولا تلتفت إلى الوراء، لا تجبن أبداً، فهذه فرصتك في اقتناص الفرص، إنها أحلامك الجميلة، فاسكن إليها ولا تمتعض، وتمر أيامك والعمر يجري مثل شلال الماء، يأخذ معه كل ما يعترض طريقه ولا يتوقف. وفي مرحلة قصوى من حياتك، في لحظة تقليب الدفاتر، تجد نفسك في المحك الخطير والمؤلم، يوم لا ينفع الندم. وقلب القادم من نبضة الترائب والأسلاب، ينقبض لأول وخزة تلم بك،…

أيمكننا أن نسكن الأرض شعرياً يوماً ما؟

السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨

«ما الذهن إلا غيمة غامضة وكثيفة وهي مصدر الوضوح» - أدغار موران هي هذه الأسئلة الحقيقية التي تتولد في الذهن عن الذهن، كون الإنسان مركباً من دماغ وثقافة، بني على أساسهما الذهن، هذا المكون الأساسي لحياة الفرد، ومنذ أن انبثق في الوجود وهو يسأل من أنا، واليوم وقد بلغ من الجهل مبلغاً يؤكد سعة معرفته الجاهلة، وإدراكه بأنه يعرف من قاده إلى كينونته الغامضة، فكلما عرف الإنسان، ازداد وعيه بجهله، تأذ يدفعه إلى مزيد من الاستغراق في البحث عن ضالته التي لا تأتي، وكلما جاءت ذهبت في عميق تساؤلاته، وغزير عطائه الذي ليس دائماً في حالته الصحية، فهو الإنسان نفسه الذي كتب الشعر، وهام حباً بالحبيبة، وأغرم بجمال الوردة هو نفسه الذي أوعز لإنتاج السلاح النووي، وكأن أينشتاين عالم الفيزياء الفذ، وصاحب نظرية النسبية، قد هلل باكتشافه النواة الذرية فنادى عن فرح بهيج للرئيس الأميركي الأسبق روزفلت، بأن بإمكان أميركا صناعة القنبلة الذرية، وهو نفسه الإنسان المتمثل في بول بوت زعيم الخمير الحمر في كمبوديا الذي أعدم أكثر من ثلاثة ملايين كمبودي، فقط لأنهم وضعوا القبعة على رؤوسهم، متهمين بالميول البرجوازية، وكذلك هتلر هو نفسه من سلالة الإنسان، وهو نفسه الذي أباد، أو تسبب في قتل أكثر من سبعة ملايين من البشر خلال حربين متواليتين غيرتا من وجه العالم، وهو…

بؤرة الواقع والخيال في الأجندات المتطرفة

الأربعاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٨

إذا كان الطريق العقلاني أشبه بالخبز لإشباع الجوع، فإن الطريق الخيالي أشبه بالزبدة التي تضيف الجاذبية والنكهة للخبز. ويقول أفلاطون: «الإنسان كائن برمائي، ولابد له أن يعيش في كلا العالمين المادي والروحي، إن هو أراد أن يحقق نموه الكامل». الأجندات المتطرفة خرجت عن نطاق الطبيعة الإنسانية، وذهبت إلى ذروة التطرّف، عندما اعتنقت فكرة الخيال الجامح، كطموح لتحقيق الذات. الحوثيون، فئة قليلة من الناس تعيش على أرض اليمن الزاخر بملايين من البشر، لكن الحوثيين أرادوا أن يستأثروا بالأرض وما عليها، وتحالفوا مع الشيطان كي ينجزوا مشروعهم الخيالي الفج، ما استوجب عليهم أن يقفزوا على الحبال المهترئة، وأن يخوضوا البحر بقارب الخيال العديم، ورغم تلاطم أمواج الحقيقة الدامغة التي لا تتلاءم مع واقعهم المر، إلا أنهم لا زالوا يغامرون ويقامرون، ويزجون بالأرواح البريئة في مواقد النار، لأنهم مدفوعون من خيال لا ينسجم مع واقعهم المادي، فهم مهما بلغوا من بطش ومكابرة، لن يستطيعوا الوصول إلى الشاطئ بهذا القارب البدائي العقيم، لن يستطيعوا أن يحققوا ما يصور لهم خيالهم المريض، ولن يتمكنوا أن يحكموا زمام الأمور على يمن كبير، ويتجاوز حدود أفكارهم السقيمة، إنه يمن العروبة الممتد عبر تاريخ لم يخف غبار النعرات وجهه المضيء، والاتكاء على أجندة متخيلة مرسومة من قبل جهات لها المصلحة بأن يبقى اليمن مستعمرة شوفينية، عنصرية، تذر الرماد…