علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

قبل أن تسقط الثورة

الأحد ٠٣ يونيو ٢٠١٢

وضع المجلس العسكري اللمسات الأخيرة والنهائية على النظام القديم الجديد في مصر، استطاع البارحة وعبر إسدال الستار على المحاكمة الهزيلة لمبارك أن يعيد إنتاج نفسه مرة أخرى وبخسائر لا تذكر، وهذا قياساً على ثورة شعبية عارمة يفترض بها أن تسقط كل شيء وتعيد البناء من جديد، إن الأحكام التي صدرت لا تعبر عن روح الثورة أبداً، واستطاع المجلس أن يهزأ بالثورة والثوار، مارس أكبر استخفاف في حق المطالبين بمحاكمة نظام أهلك مصر وشعبها وأعادها مئات السنين للوراء، حتى باتت علامة بارزة في التخلف الاقتصادي والتنموي والتعليمي، فضلاً عن التراجع الكبير في مكانة مصر السياسية والقيادية في المنطقة. حوكم مبارك على قتل المصريين في أثناء الثورة، وهذا جرم عظيم ولا شك، لكن لماذا ثار المصريون من الأساس وعلى ماذا؟ ولو افترضنا جدلاً عدم استشهاد أحد في أثناء الثورة، فهل كان سيحاكم أم لا؟ أما براءة نجليه جمال وعلاء والفريق الأمني القيادي المعاون لحبيب العادلي فهي الفضيحة بعينها، إن الذي خطط للأحكام في إحدى غرف العسكر لم يكن قادراً حتى على إدانة هؤلاء، بعد فوز شفيق ارتفعت معنويات التيار الفلولي وقرر التحدي، سنمنحهم مبارك ونحتفظ بالبقية، وإقامة مبارك في الحالتين ستكون في مقر محصن فاخر، ولا فرق إن كانت في شرم أو سجن طره، نفوذ النظام السابق وسطوته قائمة في المكانين. ليس…

السعودية وربيع العرب

الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٢

يمكن القول إن البطالة والإسكان والفقر ومكافحة الفساد وحرية الإعلام والاعتقال لأسباب أمنية أو سياسية ، تشكل جملة القضايا الرئيسية المطروحة على الساحة السعودية ، وهذه العناوين ترتبط مباشرة بقضية أساسية ملحة تشغل النخب المحلية تتمثل في مطلب المشاركة السياسية الذي تدعو له شرائح واسعة في المجتمع ، وبدرجة أكبر مما كان عليه الأمر في السابق ، ويتضح ذلك في الأعداد الكبيرة للموقعين على عريضة دولة الحقوق والمؤسسات التي تم توجيهها إلى الملك عبدالله بعد ثورتي تونس ومصر اللتين أطاحتا بأعتى نظامين أمنيين استبداديين في المنطقة ، وقد بدأت الوثيقة بتهنئة الملك على شفاءه ودعوته لتحقيق ما وعد به من الإصلاح والعدل ورفع الظلم واجتثاث الفساد ، ما يشير بوضوح لانتهاج الموقعين طريقا مختلفا من حيث الشكل عن المسار الذي أخذه الحراك الشعبي في البلدان الأخرى ، إذ اقتصر الأمر على توجيه خطاب مفتوح بالغ التهذيب إلى رأس الدولة ، لكن في الوقت ذاته جاءت مطالب الموقعين – وهم أكثر من عشرة آلاف سعودي – مماثلة لمعظم ما نادى به المتظاهرون في العالم العربي ، فقد نصت العريضة على أن يكون مجلس الشورى منتخبا بكامل أعضائه ، وأن تكون له الصلاحية الكاملة في سنّ الأنظمة والرقابة على الجهات التنفيذية بما في ذلك الرقابة على المال العام وأداء الوزارات ، وله…

الطريق إلى رأس حمزة كشغري ! (1-2)

الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢

إن التطاول على مقام رسول الله عليه الصلاة والسلام ليس عملا مرفوضا ومدانا ومستهجنا فقط، بل تعبير واضح لا لبس فيه عن أزمة نفسية وارتباك كبير ودرجة عالية من عدم المسئولية لدى المتطاول، ما معنى أن تكتب بضع عبارات في تويتر تتناول فيها مقام النبوة بشيء من عدم الاحترام والتقدير لمكانة الرسول، وأنت هنا لا تقدم رؤيتك النقدية أو فهمك المكتمل والمغاير للسائد، أنت فقط تعبث بمشاعر الملايين من المسلمين عبر عبارات لا قيمة لها، أنت هنا تقدم عدم احترامك لنفسك وللآخرين باستسهالك الأشياء العظيمة، يستطيع طفل جذب الانتباه بافتعال أشياء شبيهة، وينتج عن هذا إشغال الناس بالصراع والجدال الذي لا ينتهي. أعرف حمزة عبر تويتر، وكنا قد تراسلنا أكثر من مرة عبر الموقع، اطلعت على بعض مقالاته في جريدة البلاد، كتب أشياء عظيمة عن قضية المعتقلين وعن الثورات العربية وقضايا الناس، قلمه جميل ووعيه وإحساسه في هذا الإطار أجمل، ولما استضافتني مكتبة جسور في جدة كان حاضرا، ورغم معرفتنا السابقة عبر الانترنت لم يبادر بالسلام، انتهت الجلسة فتوجهت إليه، لا يشبه الشابُ عباراته الثائرة في تويتر ومقالاته المنشورة في الجريدة ، يتمتع بخجل شديد، وهذا لا يخالف قناعاتي مؤخرا، يكتب الناس بطريقة لا تشبه سلوكهم الاعتيادي في حياتهم اليومية، التعبير الكتابي يأخذ بعدا مغايرا لما عليه الإنسان. بعد أن…

النسخة الرابعة

الجمعة ٠٣ فبراير ٢٠١٢

برزت مؤخرا حالة شعبية سعودية داعمة للاحتجاجات التي شهدتها بعض البلدان العربية ضد الاستبداد والطغيان، وتكشف الشبكات الاجتماعية – المنبر الوحيد الذي يسمح بحرية التعبير الكاملة – عن هذه التوجهات، ومع اتساع جغرافيا الثورات العربية، ثارت التساؤلات حول احتمالية تأثر البلدان الخليجية برياح التغيير التي تهب على المنطقة، وجاءت الإجابة سريعة في البحرين ومن ثم عُمان التي لم تحظ احتجاجاتها الشعبية بالاهتمام الكافي، أما الكويت فالأمر فيها مختلف تماما، لأن الحراك الشعبي هناك سابق للثورات العربية، وكان شعار “ارحل” الشهير قد استخدمه الشباب الكويتي لأول مرة في ساحة الإرادة ضد رئيس الوزراء ناصر المحمد الصباح. هل هناك احتمالية لاحتجاجات واسعة في السعودية؟ هذا السؤال لقي اهتماما كبيرا من قبل المتابعين في الساحتين العربية والدولية، لوجود انتقادات شعبية واضحة في بعض القضايا، ولقابلية التعميم في الحالة العربية من جهة أخرى، ومثل هذا التساؤل سبق وأن أثير مطلع الخمسينيات مع موجة حركات التحرر الوطنية في العالم العربي، وبما أن المقال السابق في الموقع فصّل في بعض مواطن الخلل، سيهتم هذا المقال بعوامل القوة في بلد كالسعودية، وسينطلق من فرضية يعتقد بها الكاتب مفادها أن مطالب الإصلاح والتغيير نحو الأفضل عند فئات عريضة من الشباب السعودي، لا تعني بأي شكل من الأشكال الحديث عن ثورة مماثلة لما حدث في بعض الدول العربية، لا…

الحاكم بأمر الله!

الأحد ٢٣ أكتوبر ٢٠١١

يختلط الأمر على الناس في فهم النقد الموجه من قبل «المواطن» لأداء السلطة في بلاده، يخلطون بين استخدام الأدوات النقدية في تقييم الأداء العام وبين حالة الحب والكره، يحدث هذا عن جهل مصحوب بنوايا حسنة أحيانا، وعن سوء نية أحيانا أخرى من قبل المنتفعين أو الراغبين بالانتفاع من السلطة على حساب الوطن وقضاياه وهمومه ومواطنيه، سوء النية والتحريض المتعمد من قبل البعض وهم غالبا من الكتاب والصحافيين بكل أسف، يكون علاجه التسفيه والتجاهل والتحقير من هذا السلوك النفعي غير الأخلاقي الذي لا يمت للمهنة بصلة، ويجب أن تكون عملية الاحتقار جماعية وعامة وعلنية لكل شخص يمتهن هذا الدور، أما الخلط الحاصل بسبب الجهل والظن الخاطئ فتكون مواجهته بالتوضيح ومزيد من التوعية عبر كل الوسائل المتاحة، لأن النتيجة التي نصل لها في الحالتين خطيرة، وهي تنميط الكتلة النقدية في المجتمعات ووصمها بصفات ذات مدلول سلبي عند المتلقي، كأن يوصف أحدهم بالمعارض في مجتمع مثل مجتمعاتنا الخليجية المحافظة، وذلك بغرض التحريض أولاً، وخلق حاجز بين آرائه في مختلف القضايا وبين الجمهور الذي سينظر لهذا الكائن «المعارض» على أنه مغرض ويريد النيل من هيبة البلد وتخريبه، وصولاً للاتهامات بالصفوية وغيرها من الصفات التي تندرج تحت قائمة «الكنتاكي» التي وجهت للمحتجين في ميدان التحرير أيام الثورة المصرية. إن مصطلح الوطنية في بلدان العالم الثالث…

تونس الجديدة!

الأربعاء ١٩ أكتوبر ٢٠١١

حين يقف المرء أمام فئة متشددة من التيار الإسلامي بفرعيه السني والشيعي في المنطقة العربية تطرح قضايا لا تمت للواقع بصلة، وتتحالف مع السلطة السياسية المستبدة بشروط مجحفة جدا، ولديها القدرة الغريبة على إثارة النقاشات الهامشية وغير المهمة، وتقف حدودها عند مظاهر الأشياء وأنماط السلوك بغض النظر عن طبيعة المنظومة المتكاملة المحيطة بها، حينها يحق للمرء تسجيل الملاحظات وإبداء التحفظات وعرض المخاوف والتردد في قبول هذه الحالة، بل مواجهتها بشدة وعدم التراخي في ذلك. أما أن يقف المرء أمام خطاب تنويري متقدم يقول فيه رائد من رواد الإسلام السياسي المعاصر مثل الشيخ راشد الغنوشي، «إن الأولوية الآن لإقامة الدولة الديمقراطية وتشغيل الشباب للقضاء على البطالة وإعادة عجلة الإنتاج، وليس الحديث عن تطبيق الحدود ولا فرض الحجاب ولا الحديث عن الولايات للمرأة والقبطي، فمن حق الجميع الترشح لأي منصب دون تفرقة ولا تمييز، ولا يوجد ناطق باسم الألوهية في الإسلام، والمجتمع المسلم هو المجتمع الذي يطبق صحيح الإسلام ولا ينشغل في البحث عن كيفية عقاب الناس، بل في كيفية توفير الحياة الكريمة للبشر وحفظ كرامتهم وحقوقهم»، يكون الإنسان مجحفا في حق نفسه وعقله لو اتخذ موقع الضد والمخالفة والتشكيك والخصومة الدائمة لهذا الطرح. تقف تونس اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من عمر البلاد، الأسبوع المقبل يصوت المواطنون على تشكيلة المجلس الوطني…

مقترحات لمواجهة إيران..مقترحات لمواجهة إيران..

الأحد ٠٩ أكتوبر ٢٠١١

يحدث لبس عند البعض في أن دعم الحريات والحقوق قد يصب في صالح الخصوم السياسيين، وأعني تحديدا إيران الخصم الرئيسي اللدود للسعودية ودول الخليج، وهذا اللبس إما عن حسن نية أو بسبب التشويش على الأفكار المطروحة وخلط القضايا مع بعضها، وهو أمر غير مفيد لأحد ولا يخدم قضايانا على الإطلاق، بل يدخلنا في متاهات جدلية وخلافية لا طائل منها، ويعمق السطحية في القضايا ويزيد من الجهل فيها، لذا لا بد من التأكيد على مسألة بات من الضروري التأكيد عليها في خضم التناحر الفكري القائم، إن دعم الحريات والإصلاح السياسي ومناصرة المظلومين والنقد القاسي أحيانا بغرض تعزيز مكانة الدولة وتقويتها لا بغرض هدمها أو الإساءة لها، والدولة هي كافة مكونات هذا الوطن الذي ننتمي إليه، في السعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات وعمان، بما فيها الحكومات التي يجب أن تحظى بنصيب الأسد من النقد كونها تتولى الإدارة بشكل منفرد، ولأنها ترتكب الأخطاء. إيران ليست دولة صديقة ولا عدوة تشكل الخطر الأكبر على دولنا، بل تقع في منطقة وسطى بين التوصيفين المتشددين في النظرة إليها، سياسيا هي دولة كبرى في الإقليم تسعى للحفاظ على مصالحها بأي شكل، ولما خرجت إيران الثورة منهكة من الحرب العراقية الإيرانية، وبات واضحا أنها لا طاقة لها على حرب أخرى تستنزف قدرتها العسكرية والاقتصادية، قررت أن تذهب لبيوت…

مونوبولي!

الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠١١

مونوبولي وباختصار شديد هو فيلم تلفزيوني قصير يجمع بين الدراما والتوثيق، ويتناول أزمة السكن في السعودية عبر تسليط الضوء على قصية الأراضي البيضاء المحتكرة من قبل كبار المتنفذين والممنوحة لبعضهم من قبل الدولة، العمل أثار ضجة واسعة على الساحة المحلية وحقق أرقام مشاهدة قياسية في فترة زمنية قصيرة، ويسجل موقع اليوتيوب الشهير أكثر من مليون مشاهدة للعمل في ظرف أيام، مما يعد مؤشرا قويا وواضحا على نجاح العمل وقبوله من جمهور عريض، القيمة الفنية للعمل عالية جدا، فقد استطاع المخرج بدر الحمود توظيف مجموعة من الهواة في حبكة درامية رائعة وعرض ممتع، ومع هذا لا يمكن إعمال المشرط النقدي عند تناول الفيلم، لأسباب تتعلق بالإمكانات المحدودة وانعدام التمويل والانشغال الرئيسي بمضمون العمل لا شكله.السؤال المهم يدور حول الأسباب التي تقف خلف النجاح الكبير لفيلم مونوبولي، فهل كان الفنانون في العمل رائعين والإخراج مميز؟ هل القضية المطروحة جدلية وتشغل بال كثير من الناس؟ نعم هي الإجابة على التساؤلات السابقة، ولكن هذا وحده لا يكفي لفهم القبول الكبير الذي تحظى به الأعمال الفنية غير الرسمية في السعودية، وهي الأعمال التي لا تخضع لسلطة وزارتي الإعلام والداخلية في البلد، فكل ما نشاهده في التلفزيون الرسمي والقنوات شبه الرسمية في قناة أم.بي.سي يخضع بشكل مباشر لتلك السلطة، ولمعرفة الجماهيرية التي تحظى بها الأعمال السعودية…

اختطاف المظلومية

الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١١

في الأسبوع الماضي كتبت في هذه الزاوية ما يعبر عن رؤيتي وموقفي الشخصي تجاه الوضع في البحرين، الأمر الذي لم يرق لأبناء السلطة وملاحقها فانهالت على المقال وصاحبه وكل ما يمت له بصلة بأقذع الشتائم، حتى أصبحت صفوياً تدفعه السياسات القطرية لهدم أمن واستقرار البحرين! لم تعد السلطة وسياساتها الكارثية سبباً في الأزمة، لكن كاتبا مثلي هو المسؤول الأول عن هذه العبثية التي تحكم البلاد وتدفع المنطقة إلى أتون احتراب طائفي لا تحمد عقباه، وقد قيل: من الجهل ما قتل، يضاف إلى ذلك المال والمصالح والعجز عن مجابهة الرأي بالرأي!، وسأتجاوز هذه الفئة مع تسجيل احترامي وتقديري لكل تعقيب يحاول بحث المشكلة لا شخصنتها وإلقاء التهم جزافا، وأكمل ما بدأته الأسبوع الماضي. قلت: إن الوفاق جمعية وطنية لا تشكيك بشعاراتها المرفوعة ورغبتها بتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين في البحرين، وأشرت أيضا أن الجمعية بيدها حرف مسار الطائفية في المنطقة، وقد بدا ذلك مستغربا بعض الشيء، فكيف للوفاق التي تناضل من أجل حقوق المواطن البحريني حسب رؤيتها أن تفعل هذا، وفي هذه الأوضاع تحديدا!، وهنا أريد التأكيد على أمر مهم لم ينتبه له المعلقون، الراضون منهم والغاضبون، ليس الكلام السابق ولا الحالي عن شريط فيديو ظهر فيه أحدهم يضرب الآخر، ولا عن رواية يتناقلها الناس بجهل وخوف عن شيعي سعى لقتل…

البحرين بين موقفين!

الأحد ٠٤ سبتمبر ٢٠١١

يتاح لك عبر الشبكات الاجتماعية التواصل مع آلاف من البحرينيين، وهم طيف وطني واسع يتراوح بين فئتين مؤيدة للثورة وداعمة لها وأخرى مناهضة ومعارضة ومشككة بمطالب المحتجين، ويمكن الاستنتاج دون عناء كبير ماهية الانتماء المذهبي لكل فئة، وجود استثناءات قليلة جدا بين كل شريحة تؤكد القاعدة ولا تنفيها، وما يميز الحوار مع الإخوة من الفريقين أمر واحد تلمسه في معظم النقاشات، كل فريق يريدك معه لآخر مدى، يريد من كل شخص أن يؤيد موقفه دون تحفظ، ولا يقبل منك تأييدا أو دعما أو اتفاقا جزئيا بأي حال من الأحوال، على سبيل المثال سيسجل طرف ما تحفظه واختلافه وشتائمه على بعض الكلمات الواردة في صدر هذا المقال، كيف لك أن تصف الفريق الآخر بأنه وطني! ولماذا تستخدم مصطلح الثورة هنا! شخصيا، لا أملك الوقاحة الكافية التي تجعلني أدعم الثورة التونسية والمصرية واليمنية والسورية والليبية وأؤيد مطالبها، ثم أصل للبحرين وأبدأ بأكبر عملية تلفيق تبريرية لأناس يطالبون بحقوقهم كما فعل الآخرون بالضبط! لكن هذا الأمر لا يدفعني أيضا لقراءة الأمور بمثالية لا تجوز على أرض الواقع، فالمتظاهرون جلّهم من الشيعة الذين تظهر بين قلة منهم شعارات وأفكار وانتماءات عابرة للحدود أكثر مما يجب، كثير منها أوجده الضغط الرسمي على فئة من المواطنين تم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية يحتاجون دائما للتأكيد…

ممنوعٌ أن تقلق!

الأحد ٣١ يوليو ٢٠١١

الإنسان بطبيعته كائن قلق، ومن دون القلق نفتقد المحفز والدافع لكل معرفة مضافة في حياتنا، وعبر مقدار القلق الذي ينتاب الفرد وطبيعته واتجاهاته يمكن لنا التنبؤ بالسلوك والمواقف المحتملة، يمكنك ببساطة أن تتوقع ماهية سلوك رجل أو امرأة يسكنهما القلق الكبير تجاه المال في قضية ذات بعد اقتصادي على سبيل المثال، وتستطيع بسهولة توقع سلوك أو موقف محتمل لأم تجاه ما سيتعرض له أطفالها، والحديث هنا عن القلق في حدوده الطبيعية وعن دوره كمحرك أساسي للسلوك البشري، المبدعون عادة قلقون بشكل استثنائي، وما تجاوز ذلك فيصنفه الأطباء النفسانيون علميا بالقلق المرضي إذ تنتاب الإنسان حالات خوف وهلع غير طبيعية ومجهولة المصدر. يقلق الناس في عالمنا على حياتهم ومصادر رزقهم وأسرهم وأمنهم وخلاف ذلك، ويشكل هذا القلق دافعا للعمل على حماية المكتسبات القائمة أو إيجادها وتنميتها وتطويرها، لكن القلق في نطاق ومحيط الفرد وحده لا يكفي لدرء المخاطر وتحقيق الفوائد المرجوة، لا يمكنك أن تقلق وحدك في محيط بالغ التعقيد لتأمين حياة وتعليم وسكن جيد لأولادك، لا يمكن لقلقك منفرداً أن يوفر الأمن لعائلتك، فهذا يستلزم قلقا جماعيا أكبر يفضي إلى تنظيم هذه الحاجة وتوفير ما يلزم لتأمينها، مجتمع القبيلة على سبيل المثال يمارس القلق الإيجابي للحفاظ على حياته وحياة ما يلزم لبقائه، يقلق في البحث عن الماء والمرعى الخصيب والأجواء…

الدولة 193

الأحد ١٧ يوليو ٢٠١١

كانت لحظة حزينة دون شك، يوم وقف الجنوبيون يحتفلون بدولتهم الوليدة وبالانفصال عن الشمال.. لم يكن هذا الانفصال عن السودان البلد فقط، بل انسحاب من العالم العربي برمته، ترك أهل الجنوب عالمنا وهو يصارع الطغاة والدكتاتوريات سعياً للحرية والديمقراطية، قطفت مصر وتونس الثمار الأولى لثوراتها، وما زالت سوريا واليمن وليبيا تصارع من أجل تحقيق الهدف ذاته، سهَّل الربيع العربي من تمرير هذه اللحظة القاسية على الحالمين بوطن عربي كبير ومنيع وقوي. إن اقتطاع هذا الجزء العزيز من أرضنا العربية ليس بالأمر الهين، لكننا نقف اليوم أمام نتيجة طبيعية لسيادة الأنظمة القمعية وفساد السلطة المطلق والتآمر الدولي على بلداننا. وبعد أكثر من نصف قرن على تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة، نشهد اليوم تقسيم أرض السودان لكن على أهلها هذه المرة.سيظل سؤال العلاقة بين سودان الشمال والجنوب مطروحا على الطاولة في السنوات القادمة، ولن تفاجئنا النكايات المتبادلة والتنافس غير الشريف واستقدام الأجنبي على حساب الجار القريب، ستجد القوى الدولية ما تفعله في المساحات الكبيرة من الخلاف بين السودانيين، إعلان الدولة ورفع الأعلام والاعترافات المتبادلة لن تكون نهاية الخلاف الطويل بل بدايته، هناك أبيي والحدود والثروات النفطية وحقوق المواطنين في الدولتين، وهناك الغرب الحاضر في التفاصيل الصغيرة والكبيرة، وهناك نظام البشير الذي لم يترك صالحا في البلاد إلا وأفسده، وهناك دكتاتورية مطورة تولد…