علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

مونوبولي!

آراء

مونوبولي وباختصار شديد هو فيلم تلفزيوني قصير يجمع بين الدراما والتوثيق، ويتناول أزمة السكن في السعودية عبر تسليط الضوء على قصية الأراضي البيضاء المحتكرة من قبل كبار المتنفذين والممنوحة لبعضهم من قبل الدولة، العمل أثار ضجة واسعة على الساحة المحلية وحقق أرقام مشاهدة قياسية في فترة زمنية قصيرة، ويسجل موقع اليوتيوب الشهير أكثر من مليون مشاهدة للعمل في ظرف أيام، مما يعد مؤشرا قويا وواضحا على نجاح العمل وقبوله من جمهور عريض، القيمة الفنية للعمل عالية جدا، فقد استطاع المخرج بدر الحمود توظيف مجموعة من الهواة في حبكة درامية رائعة وعرض ممتع، ومع هذا لا يمكن إعمال المشرط النقدي عند تناول الفيلم، لأسباب تتعلق بالإمكانات المحدودة وانعدام التمويل والانشغال الرئيسي بمضمون العمل لا شكله.السؤال المهم يدور حول الأسباب التي تقف خلف النجاح الكبير لفيلم مونوبولي، فهل كان الفنانون في العمل رائعين والإخراج مميز؟ هل القضية المطروحة جدلية وتشغل بال كثير من الناس؟ نعم هي الإجابة على التساؤلات السابقة، ولكن هذا وحده لا يكفي لفهم القبول الكبير الذي تحظى به الأعمال الفنية غير الرسمية في السعودية، وهي الأعمال التي لا تخضع لسلطة وزارتي الإعلام والداخلية في البلد، فكل ما نشاهده في التلفزيون الرسمي والقنوات شبه الرسمية في قناة أم.بي.سي يخضع بشكل مباشر لتلك السلطة، ولمعرفة الجماهيرية التي تحظى بها الأعمال السعودية غير الرسمية البعيدة عن عين الرقيب، ما عليك سوى متابعة “على الطاير” و “لا يكثر” ونشرة “التاسعة إلا ربع” و “إيش اللي” وغيرها عبر موقع اليوتيوب. وإصدار الحكم الحقيقي حول ما يشاهده السعوديون وما لا يشاهدونه!في الأسابيع الماضية تواصل مجموعة من الأصدقاء بغرض إطلاق موقع خاص بمقالات الرأي في الشأن السعودي، أسفرت عملية البحث عن أسماء أكثر من 40 كاتب رأي رصين لا يكتبون في الصحف السعودية الرسمية أو شبه الرسمية! فماذا يفعل هؤلاء وأين يعبرون عن آرائهم؟! وماذا تفعل الصحف المحلية في صفحاتها اليومية؟ هنا يمكننا فهم هذا الإقبال الكبير من المتابعين السعوديين على مواقع الشبكات الاجتماعية، وكثافة الاهتمام الذي نلاحظه في هذه المواقع، إذ لا يُتاح لهم التعبير عن كثير من همومهم في الصحافة والإعلام الرسمي.نحن أمام صراع بين السلطة والمجتمع، فالسلطة السياسية والإعلامية والأمنية والدينية تخوض معركة اختيار ما يلائم الناس ويناسب أذواقهم، تريد أن تفرض عليهم ما هو واجب ومسموح وحلال ومقبول ولائق، بينما المجتمع يرى في معظم ما تقدمه عكس ذلك، لا يثق كثيرا في الإعلام الرسمي ويهرب لغيره، لا يقبل الفتوى الرسمية ويندفع نحو آخرين يثق برأيهم واجتهادهم واستقلالهم، حتى الأعمال الفنية التي كانت تعجبه ويقبل عليها بقوة مثل مسلسل طاش ما طاش، باتت لا تناسب ذائقته كثيرا بعد أن أقحمت عليه الصبغة الرسمية التي أرادت استثمار شعبية العمل وتوظيفها لصالح ما تراه، ومن هنا نلاحظ أن الأمور في المجتمع المحلي تسير نحو خلق فضاءين، الفضاء المفروض على الناس من قبل السلطة والذي تتوهم أنه الفضاء الذي تحلق فيه الأشياء، وفضاء آخر مواز يخلقه الناس لأنفسهم ويختار قواعده الخاصة، والمقارنة بين العالمين ليست لصالح السلطة على الإطلاق، حجم السخرية والنفور من الفضاء الرسمي كبير جدا، وهي تعرف ذلك جيدا لكنها تكابر، ثمة من يقول بالعامية (ما عليك منهم) و(لا يهمونك)، وهذه العبارات غير مجدية ولا تؤتي بنفع ولا تقترب من مفهوم المسؤولية في إدارة المجتمعات!إن (بزران تويتر) كما يسميهم بعض كبار النافذين يعيدون إنتاج الأشياء في مجتمعنا، والتجاهل الذي يُقابلون به ليس لصالح السلطة على المدى الطويل، فالاهتراء الذي تعاني منه في كافة أذرعها الدينية والإعلامية والإدارية سيتضاعف طالما هناك من يعتقد بقدرته المطلقة على إدارة كل الأمور، وقدرته على فعل كل شيء دون الالتفات للنصح والنقد والسخط المتفشي في الفضاءات المفتوحة!

صحيفة العرب القطرية