أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

المحامي الصغير!

الجمعة ٢٥ أبريل ٢٠١٤

كان الفتى الصغير يجلس مع والديه حول طاولة الطعام في انتظار وجبة الغداء، وفيما يبدو كمحاولة من الوالدَين لتبديد زمن الانتظار ، بادر الأب بسؤال ابنه حول مهنة الغد التي يحلم بها ،كان جواب الابن - الذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات على أبعد تقدير- سريعاً و بلا تردد : سأصبح محامياً ، ثم أعقب الإجابة بوصفٍ لمظهر المحامي، لباسَهُ وهيبته ، و وصفاً للمحكمة التي يُفترض أنه سيعمل بها مستقبلاً . كان تشجيع الوالدَين قوياً حين وعدا صغيرهما باصطحابه إلى المحكمة في أقربِ وقتٍ كي يعيش أجواء المكان ويتعرف عليه ويشبع ميوله ويعزز رغباته. ولكم أن تتأملوا معي ، أليس ذلك شعوراً جميلاً حين نُسهم منذ وقتٍ مبكر في توجيه أبنائنا وإرشادهم مهنياً؟ حين نرسم معهم خارطةَ الطريق التي سيتّبعون إحداثياتها كي يبلغوا مرادهم ؟ أليس رائعاً حين يُحدد أبناؤنا طموحاتهم المستقبلية بوضوح تام وإيمان عميق ؟ موسمُ العطلة الصيفية على الأبواب ـ الصيف هو غالباً مفترقُ الطرق ، فيه تقفُ الخيارات أمامنا أو ربما نحن من يقفُ ، نقفُ واضعين كل الاحتمالات الممكنة والمتاحة أمام الأبناء ، في الصيف يحملُ الميزان على كفتيه إيجابيات خياراتهم وسلبياتها. وفيه غالباً نتخذُ معهم القرار الأخير . كونوا قريبين من أبنائكم وبناتكم و ساعدوا في تهيئتهم منذ الآن إن لم يسبق لكم…

لا عُذر بعد اليوم !

الجمعة ١٨ أبريل ٢٠١٤

الأمية و الجهل يبدو أنهما مفردتان لا تتسقان مع واقعنا المعاصر. وحيث نسابق الزمن ونسرعُ الخطى ماضين قدماً نحو العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ، فإن أقنية العلوم والمعارف باتت تبحثُ عنا عوضاً عن أن نبحث عنها. في كل فريقِ عملٍ انضممت إليه خلال مسيرتي المهنية كنتُ حريصاً على أن أنشر ثقافتي الخاصة في أنه "لا عذر بعد اليوم" لأي عضو من أعضاء الفريق نحو تعلم الجديد من المهارات و الفنون و اكتساب الخبرات. لا عذر بعد اليوم لأحدهم حين يُكلَّف بأداء عملٍ ما فيدعي بأنه لا يعرف ! أو يتعلل بأن وقته أو قدراته تضيق تجاه الاستفاضة في فنٍ ما أو التبحر في آخر ! البشرية اليوم أمام بنك معلوماتٍ هائل . التكنولوجيا الحديثة أحالت المعرفة الإنسانية إلى جامعةٍ رقميةٍ ضخمةٍ محورها الإنسان، هو المرسلُ وًالمستقبِل، هو الأستاذ و الطالب، وهو الـمُفيد والمستفيد. في عالم اليوم هاتفك الذكي يمكنك أن تحيله مكتبةً تحملها في جيبك ، و حاسبك المحمول هو شاشة العرض لحضور الدوراتِ التدريبيةِ التي لطالما حلمت بالجلوس على مقاعدها واجتياز ساعاتها لتضمينها في مسيرتك العلمية والمهنية، ناهيك عن جيلٍ جديد من روابط الشبكة العنكبوتية، يمكنها أن تجلب إليك تجارب الأمس تماماً كما يمكنها أن تسافر بك إلى عوالم الغد. لا عذرَ لك بعد اليوم في وقتٍ…

صحتُنا أولاً !

الجمعة ١١ أبريل ٢٠١٤

في البداية أود أن أتقدم لنفسي بوافر التهنئة بمناسبة انضمامي أخيراً لعضوية النادي الصحي المجاور، بعد أن أذعنت أخيراً لنصيحة الطبيب وهو خير الناصحين. كنت أتعلل دائماً بأن جدولي المزدحم لا يسمح حتى ببضع دقائق أقضيها في النادي من أجل صحتي العامة حاضرا ومستقبلاً . في يومي الأولي داخل أروقة النادي الصحي كانت المفاجأة ، أليس ذلك الشاب ذو اللكنة الشرق أوروبية هو ذاته الذي ابتعتُ جهازي الحاسوبي المحمول من المحل الذي يعمل به قبل بضعة أسابيع ؟ نعم هو الذي أقنعني بمميزات الجهاز وخصائصه الرائعة والتي معها تضاعفت ساعات جلوسي "منشكحاً" أمام الشاشة خاملاً بلا حراك . وتلك الفتاة الشقراء هناك ، أليست هي "آنيا" البولندية المعلمة في الروضة التي يدرس فيها ابني ؟ كنتُ أعتقدُ بأن ساعات عملها الممتدة من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً لا تتيح لها حتى حك شعر رأسها ! ناهيك عن أن تسجل في نادٍ صحي بل وتواظب على الحضور اليومي حسب ما أكدته لي عندما التقيتها هناك. إليكم مفاجأة من العيار الثقيل ،جيسيكا المكسيكية ! الفتاة ذات الملامح اللاتينية التي تعمل في المقهى المجاور لمنزليو تُعدّ لزبائنها طبق الأومليت بالزبد والجبن كل صباح ، الطبق اللذيذ الذي أسهم بشكل ملحوظ في ارتفاع معدلات الكوليسترول في دمي خلال الأشهر القليلة الماضية ، وهل تحتاج…

من سيملأ الجرة بالنقود؟

الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠١٤

كثيرا ما تشدني تلك الأساليب العملية التي يبتكرها الآباء والأمهات في تربية أولادهم، تلكم الأساليب في مجملها قد تغني كثيرا عن التنظير الذي تزخر به حتى الكتب المتخصصة، لكن موضوع القدوة الحسنة يظل حاضرا وبقوة إذا ما أراد المربي لأسلوبه أن ينجح ويتم الامتثال له. ومن ذلك ما حكاه لي أحد الأيرلنديين حول الأسلوب الذي اتبعه في التعامل مع حفيده الصغير، عندما تحول هذا الأخير إلى ما يشبه قطعة إسفنج يلتقط كل مفردة نابية من رفاقه بالمدرسة والشارع ثم يستخدمها مع والديه وإخوته بالمنزل. يقول الجدّ: فكرت في التشاور مع والديّ الطفل في طريقة مناسبة نستخدمها لعقابه؛ حتى يكف عن استخدام تلك الكلمات والعبارات؛ تمهيدا لحذفها من قاموس مفرداته إلى الأبد. أحضر الجدّ قارورة فارغة، ثم عقد اتفاقا مع حفيده في حضرة والديه، يتم بموجبه خصم مبلغ محدد من المصروف اليومي للحفيد في كل مرة يتلفظ فيها بمفردة خارجة عن حدود الأدب والذوق العام، ثم في نهاية الشهر يتم صرف المبلغ المتحصل عليه في نزهة خارجية أو عشاء عائلي. تفاخر الجدّ أمامي بنجاعة طريقته، وبأنها قد أثمرت بالفعل حفيدا مهذبا بلا ألفاظ قذرة. حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم ـ حسب وصف الجد ـ حين اصطحبت حفيدي إلى ملعب كرة القدم لمشاهدة مباراة كان الفريق المفضل لديّ طرفا فيها، وليتني لم…

بادر .. لأنك قادر

الخميس ٢٠ فبراير ٢٠١٤

المشاريع الشبابية هي عنوان المرحلة ، يبدو أن شباب اليوم باتوا يطرقون أبواب مختلفة يحاولون من خلالها بلورة رؤاهم وتطبيق أفكارهم وتحقيق تطلعاتهم حول المشاركة المجتمعية ، وحين يجد هؤلاء الشباب بيئة عمل محفزة ورعاية مؤسسية حكيمة تؤمن بفكرهم وتشد من أزرهم فإن مشاريعهم هنا تكون قد حققت الشرط الأول على قائمة شروط النجاح. خلال الأسابيع الماضية طرحت مجموعة من طالبات كلية الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات مشروع تخرج يهدف في إطاره العام إلى تشجيع ذوي الإعاقة من المهتمين بمجال الإعلام، وذلك لدعم مواهبهم وتطويرها، وبالتالي دمجهم في حقل العمل الإعلامي. ما كنت أنا المقيم في أقصى غرب القارة العجوز لأعرف عن مبادرتهن الطموحة لولا نجاحهن المشهود في التسويق لها عبر منصات الإعلام الجديد ، كان توظيف لانا حسين وزميلاتها لثلاثية تويتر فيس بوك وانستجرام كفيلاً بالسفر نيابة عنهن لإيصال رسالتهن كما أردن لها أن تصل ، تم تتويج ذلك لاحقاً بأحقيتهن للفوز بالمركز الأول لأفضل حملة إعلانية تمهيداً لإطلاق مبادرة : بادر لأنك قادر . أما لماذا أكتب هنا عن هذه المبادرة تحديداً فذلك عائدٌ لسببين : الأول هو أنني شعرت لوهلة بأنه لم يكن كافياً مجرد تدويري لتغريدة تحتوي على فيديو خاص يلخص فكرة المبادرة ، فهي بحاجة إلى تسليط الضوء بشكل أوسع وأكبر . أما السبب الثاني…

الإبداع ، من الرعاية المؤسسية إلى المسؤولية الفردية

الثلاثاء ١٤ يناير ٢٠١٤

صمم قميصك على طريقتك ! عطرك على كيفك ! البيتزا الخاصة بك ! عصيرك على مزاجك ! وغيرها الكثير من اللوحات الدعائية لأنشطة تجارية تحاول جذب الزبون من خلال منحه الحق والأولوية ، لا من خلال توفير خياراته المفضلة وحسب ، بل ومنحه الحق كذلك في تصميم تلك الخيارات و المشاركة في انتاجها بنفسه أيضاً . "لولا اختلاف الأذواق لبارت السلعة" ، هذه الحقيقة ربما بدأت تتلاشى ، الأذواق اليوم هي التي تصنع السلعة ، وما ينطبق على السلع التجارية يمكن أن ينسحب على الناتج الفكري والفني والثقافي، المتلقي اليوم لم يعد مجبُراً لتلقف اختيارات يفرضها عليه غيره ، بعد أن كان المنتجون والمخرجون والأدباء والكتاب والفنانون يبذلون جهداً ووقتاً لإرضاء جماهيرهم المتعطشة واستقراء ميول تلك الجماهير ، تبدلت الأدوار و المتلقي اليوم هو القادر على تصميم الفيديو الخاص به ، مزج الموسيقى التي تروق له ، إخراج الفيلم القصير الذي يعكس رؤاه وتوجهاته ، سواءً الكتابة الحرة والنشر ، أو التصوير ومعالجة الصور ، أو الدبلجة والترجمة ، كلها خيارات تتيحها ببساطة التقنية الحديثة ويستطيع الاشخاص العاديون التعامل معها بقليل من الاهتمام و الممارسة. لكن ومن زاوية أخرى فإن تلك الطفرة الهائلة في منح حق الاختيار للمتلقي وعلى الرغم إيجابيتها إلا أنها بدأت أيضاً في فرض واقعٍ جديد، فما…

عربة خيول في مهب الريح !

الجمعة ٢٥ أكتوبر ٢٠١٣

قررت ومجموعة من أصدقائي البدء في مشروع سياحي خلال مرحلة دراستنا الجامعية ، كان حلماً كبيراً للبدء في تنفيذ مشروع صغير لتأجير عربات الخيول في الواجهة البحرية على غرار ما هو موجود في مدن ساحلية أخرى ، كان رأس مالنا المرصود متواضعاً لا يتجاوز عشرة آلاف ريـال هي في مجموعها "تحويشة" من مكافآتنا الجامعية، إضافة إلى مساهمات عينية يتبرع بها كل واحدٍ منا نحن "المستثمرين" لدعم مشروعنا في بدايته : مولدٌ كهربائي صغير لإضاءة العربة ومكبر صوت لتشغيل أغنية "اركب الحنطور " ، قطعُ خشب "بلاكاش" لبناء العربة في ظل عدم توفر "الكاش"! و أهم ما في الموضوع مساهمة أحدنا بتوفير خيل مُسنٍّ أحيل على التقاعد مؤخراً بعد أن بلغ من الكبر عتياً ، كنا متحمسين جداً، بل الحقيقة أننا كنا مستعدين لجر العربة بأنفسنا إذا تطلب الأمر ! كنا مؤمنين بأنهُ يمكن لعربةٍ واحدة أن تصبح عربتين مع مرور الوقت ، وبدل أن نجر نحن العربة كنا نؤمن بأن العربة هي التي قد تجرنا نحو النجاح والثراء ، هكذا كنا نُخطط ونحلم ، يبدو لي أننا تأثرنا في شبابنا باطلاعنا على كتب على شاكلة : كيف تصبح مليونيراً؟ ما أن شرعنا في تنفيذ الخطوات العملية للمشروع (الحلم) إلا والمصاعب البيروقراطية تتلقفنا من كل حدب وصوب ، لا زلت أتذكر…

دعونا نحتفي بهؤلاء !

الإثنين ٢٦ أغسطس ٢٠١٣

كلما تصفحت شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، أو اطلعت على الرسائل التي تصلني عبر تطبيقات الهاتف المحمول، لا أنكر بأنني أتفاجئ في كثير من الأحيان بنوعية المحتوى الذي تتضمنه تلك الشبكات والتطبيقات ، ما أعنيه هنا هو المحتوى الإيجابي والوجه الجميل للتقنية بدلاً من التركيز دائما على انتقاد المحتوى السلبي وإظهار الوجه القبيح ، لقد أتاحت تلك الشبكات والتطبيقات للكثير من أفراد المجتمع الظهور بوجوه مختلفة عن المعهود ومكنتهم من تقديم أنفسهم لنا بصيغة مختلفة عن تلك التي اعتدناهم عليها ، أعتز بأن لدي في قوائم الأصدقاء مزيجاً من أفراد المجتمع ممن يعملون في مهن ووظائف ومواقع مختلفة، أولئك جميعهم لم يكن يربطني بهم غالباً سوى لقاء عابر أو مناسبة اجتماعية هنا وهناك، كل منهم غارقٌ في أداء عمله وواجباته الحياتية التي لا تنتهي، الحقيقة أن أدوات الاتصال الحديثة أتاحت لنا جميعاً أن نُظهر للآخرين جوانب أخرى من تجاربنا واهتماماتنا وخبراتنا ربما كانت غائبة قبل ظهور هذه الأدوات ،لقد اكتشفت بأن صديقي موظف المطار الذي كنت ألتقيه على عجل عند بوابة الصعود للطائرة، لديه هواية الاحتفاظ بالصور التاريخية لمدينتي وهو يعرضها اليوم عبر صفحته في فيس بوك من وقت لآخر ليختبر أصدقائه في مدى قوة ذاكرتهم فيتسابقون في التعليق على الصور المعروضة وتخمين تلك الأماكن بعد أن تغيرت وتبدلت معالمها مع…

أنا وصديقي العربي، وقوقل !

الثلاثاء ١٣ أغسطس ٢٠١٣

في الطريق من المطار إلى الفندق ، اعترف لي صديقي العربي بأنه رغم إقامته الدائمة في العاصمة الأوروبية لبضعة أعوام، إلا أنه لم يسمع بتاتاً عن اسم الفندق الذي اخترت الإقامة فيه سوى عندما اتصلت به وأعطيته الاسم، عرفت عندها بأن صديقي "ماعنده سالفة" وبأنه يمهد بطريقة ديبلوماسية للوقت الذي سوف نبدده سدىً في البحث عن وجهتنا، شعرت بالحرج الكامن في نبرة صوته وهو الذي كان يقدم نفسه لي دائماً بأنه الدليل المتنقل والخبير المتمكن من شوارع هذه العاصمة وأزقتها ! ولأننا معاشر العرب نتظاهر غالباً بأننا نعرف كل شيء ولا نسمح لأحد بتاتاً بأن يفوقنا أو يضاهينا معرفة ودراية ، فقد تركت صديقي يمضي في طريقه حتى شارفنا الوصول إلى­­ المنطقة التي يقع فيها الفندق ، هنا أخذت زمام المبادرة وصرت أصف لصديقي الطريق نيابة عنه ، شارعاً شارعاً، بناية بناية ، بل ودكانا دكاناً! بينما الصديق في ذهول واعتقاد بأنني إما "أستهبل" عليه! أو ربما أن وعثاء السفر أفقدتني عقلي فصرت أهرف بما لا أعرف! أو في أفضل الأحوال ربما كذبت عليه حين ادعيت بأنها المرة الأولى التي أزور فيها هذه العاصمة ! و ازداد مُضيفي ذهولاً حين وجد نفسه واقفاً بسيارته أمام لوحة الفندق المنشود ! هنا بدأ يحلفني الأيمان تلو الأيمان أن أقص عليه شيئاً من…

إعلامنا العربي و ميثاق الشرف

الأحد ٢٨ يوليو ٢٠١٣

عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، دعى أحد الأكاديميين السعوديين إلى حاجتنا لميثاق شرف للبث التلفزيوني في رمضان ، الأكاديمي كان يشير إلى ما يعرض خلال الشهر الفضيل من أعمال تخدش الحياء وتحطم القيم بحسب تعبيره ، دعوته تلك قادتني مباشرة للبحث حول وجود هكذا ميثاق على أرض الواقع من عدمه ، وجدت بعض ضالتي في الموقع الالكتروني لاتحاد إذاعات الدول العربية تحت هذا العنوان : آليات جديدة لتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي والاستراتيجية الإعلامية العربية ، ومن خلال العبارة الآنفة بدى ظاهرا لي وجود ميثاق بالفعل لكنه بحاجة إلى تفعيل ! حاله حال الكثير من المواثيق التي لا تبارح الورق ! كنت أتابع إحدى الفضائيات العربية، ذهلت حين شاهدت حجم التناقض الكبير في محتوى الأعمال التي تقدمها هذه الفضائية ، فمن برنامج يحمل صبغة دينية و يدعوا إلى الأخلاق والفضيلة وإعمال العقل والفكر ، إلى برنامج كاميرا خفية يتمادى في السخف حين يتفنن مقدمه في الاستهتار بعقليات البشر ورفع مستوى السكر وضغط الدم لديهم تحت بند الضحك والتسلية ، ليعقبه مباشرة مسلسل عربي لا يخلو من الرقص الشرقي والـ " هشّك بشّك " ! أجزم بأننا لو توجهنا بالسؤال إلى القائمين على هذه الفضائية وغيرها حول أي مواثيق الشرف الإعلامي ينتهجون وعلى أي رسالة إعلامية تُبنى…

نوبل في مدرسة ابتدائية !

السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٣

عالمة حاصلة على جائزة نوبل ستحاضر غداً لطلاب المرحلة الابتدائية ، هذه كانت فحوى تغريدة لإحدى أخواتنا المبتعثات في بريطانيا عبر حسابها الشخصي في تويتر قبل عدة أشهر وهي المدرسة التي يدرس فيها ابنها ، في الحقيقة أثارني الفضول لمعرفة فحوى هذه المحاضرة وكيف ياترى ستخاطب عالمة حاصلة على جائزة نوبل أطفالاً دون الثانية عشرة ، كيف تتنازل عالمة حاصلة على جائزة عالمية كي تحاضر في مدرسة ابتدائية ؟ من الجدير بالذكر أن العالمة طلبت من إدارة المدرسة بأن يناديها الطلبة باسمها مجردا دون ألقاب كشرط لقبول الدعوة ! فكرت "مع نفسي" كيف يا ترى سيكون شكل هذا اللقاء ؟ هل سيتم الاحتفاء بهذه العالمة بشكل يليق بمكانتها وسمعتها العلمية والعالمية؟ وهل سيتم تعليق صورتها مكبرة على جدران المدرسة وبوابتها و"شبابيكها" مقرونة بأبيات الشعر و عبارات الترحيب " المسجوعة" ؟ ما مدى بلاغة وفصاحة الخطاب الترحيبي الذي سوف يلقيه مدير المدرسة وما كمية " النفاق الاجتماعي" الذي سيتم "حشرها وحشوها" في ثنايا ذلك الخطاب ؟ ما حجم الوليمة و "الخرفان" التي ستذبح و ستتم دعوة أولياء الأمور والمشرفين والإداريين على مستوى المنطقة التعليمية و ربما المناطق المجاورة أيضاً وكل ذلك على شرف الضيفة العالمة ؟ وهل سيتم عرض أوبريت أو نشيد خاص بهذه المناسبة؟ و لعل الأهم من ذلك كله…

الدراما المسلوقة !

السبت ١٣ يوليو ٢٠١٣

الدراما نوع من النصوص الأدبية تتم تأدية أدواره عبر المسرح أو السينما أو التلفاز أو الإذاعة ، وتحتها تندرج فنون التراجيديا والكوميديا ، وكأي عمل إنساني آخر ، فإن جودة العمل تتطلب جهداً متواصلاً وعملاً دؤوبا للوصول به إلى حد يقارب الإتقان ، الفضائيات العربية تعج في رمضان بطفرة في كمية الأعمال الرمضانية التي تتسابق القنوات الرمضانية على عرضها خاطبة ود المشاهد العربي وذائقته و وقته ، وهي قد تنقلب إلى عملية تجارية بحتة متى ما تم تفريغها من جانبها الإنساني الفكري و الثقافي الهادف ، وليس أصدق دليلاً على ذلك من الكم المهول من الإعلانات التجارية التي يتم إقحامها في ثنايا عرض تلك الأعمال ، في الوقت الحاضر ربما لم يعد لدينا نحن معشر المشاهدين ذات المساحة الزمنية من الوقت مقارنة بما كان عليه الوضع قبل بضع سنوات ، نحن نعيش عصرا جديدا بأدوات تقنية جديدة وتحديات جديدة ، عصر تعددت فيه قنوات الميديا و اختلفت إلى الحد الذي باتت فيه مساحات الاختيار غير محصورة في التلفاز وحده ، الكُتاب والمنتجون والمخرجون والممثلون جدير بهم قبل غيرهم أن يعوا هذه الحقيقة جيداً ، فالمشاهد اليوم لن يتوقف عند عمل درامي لمجرد شغل وقت فراغ في جدول يومياته لا سيما في هذا الشهر الفضل ، إن "الكيف وليس الكم" هو…