أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

إعلامنا العربي و ميثاق الشرف

آراء

عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، دعى أحد الأكاديميين السعوديين إلى حاجتنا لميثاق شرف للبث التلفزيوني في رمضان ، الأكاديمي كان يشير إلى ما يعرض خلال الشهر الفضيل من أعمال تخدش الحياء وتحطم القيم بحسب تعبيره ، دعوته تلك قادتني مباشرة للبحث حول وجود هكذا ميثاق على أرض الواقع من عدمه ، وجدت بعض ضالتي في الموقع الالكتروني لاتحاد إذاعات الدول العربية تحت هذا العنوان : آليات جديدة لتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي والاستراتيجية الإعلامية العربية ، ومن خلال العبارة الآنفة بدى ظاهرا لي وجود ميثاق بالفعل لكنه بحاجة إلى تفعيل ! حاله حال الكثير من المواثيق التي لا تبارح الورق !

كنت أتابع إحدى الفضائيات العربية، ذهلت حين شاهدت حجم التناقض الكبير في محتوى الأعمال التي تقدمها هذه الفضائية ، فمن برنامج يحمل صبغة دينية و يدعوا إلى الأخلاق والفضيلة وإعمال العقل والفكر ، إلى برنامج كاميرا خفية يتمادى في السخف حين يتفنن مقدمه في الاستهتار بعقليات البشر ورفع مستوى السكر وضغط الدم لديهم تحت بند الضحك والتسلية ، ليعقبه مباشرة مسلسل عربي لا يخلو من الرقص الشرقي والـ ” هشّك بشّك ” ! أجزم بأننا لو توجهنا بالسؤال إلى القائمين على هذه الفضائية وغيرها حول أي مواثيق الشرف الإعلامي ينتهجون وعلى أي رسالة إعلامية تُبنى أعمالهم لما توصلنا إلى إجابة محددة ومقنعة ، لأن التناقض في المحتوى وإن كان يأخذ في جانب منه فكرة ” إرضاء جميع الأذواق ” وبأن ” الجمهور عاوز كده ” لكن ثمة حدود فاصلة بين التنوع الهادف والتناقض الممجوج ، من وجهة نظر متواضعة لا يمكن لأقوى مواثيق الشرف الإعلامي أن تضبط بوصلة إعلامنا العربي نحو الوجهة السليمة الصحيحة ، لنكن أكثر صراحة مع أنفسنا حين نعترف خجلاً بأن جحافل الإعلاميين في فضائنا اليوم ليسوا في موقع قوة وصدارة يتيح لهم التحكم في فحوى الرسالة الإعلامية التي تبثها الفضائيات العربية قاطبة ، القوة والصدارة في فضاء اليوم هي بيد سلطة المادة وقوة المال ،

الإعلام اليوم صناعة ربح وخسارة ، وكأي صناعة أخرى فالمنتج و الممول والمعلن والراعي الحصري في كثير من الأحيان يضعون مسألة الربح المادي في البند الأول ثم على بقية البنود بعد ذلك تتوزع قيمة المحتوى ومدى صلاحيته أخلاقياً وفكرياً وفنياً ، لا يمكن – والحالة هذه – لأي ميثاق شرف إعلامي أن يؤدي دوراً ملموساً على أرض الواقع ، ربما نحن بحاجة أولاً إلى ميثاق شرف أخلاقي يلتزم به أصحاب رؤوس الأموال التي تُضخ في الفضاء الإعلامي ، فهؤلاء بيدهم قلب المعادلة إذا ما وضعوا نصب أعينهم بأن الربح المادي وإن كان حقاً مكفولاً لهم لكنه ليس مقدماً على مسؤوليتهم الإنسانية و واجبهم الاجتماعي والأخلاقي تجاه كل عمل إعلامي يتم تمويله من قبلهم ، إن كل “قرش” يتم استثماره في حقل الإعلام بإمكانه أن يكون وسيلة بناء ، و يمكنه في المقابل أن يتحول إلى معول هدم ، هذا هو ميثاق الشرف الأخلاقي الذي نتمنى أن يعيه كل من اختار الاستثمار إعلامياً في عقولنا وعقول أبنائنا سواءً في رمضان أو سواه من الشهور ، هذا هو الميثاق الذي قد يفتح لأصحاب المال باباً يسهمون من خلاله في نهضة مجتمعاتهم وازدهار أوطانهم .

خاص لـ ( الهتلان بوست )