أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

الدراما المسلوقة !

آراء

الدراما نوع من النصوص الأدبية تتم تأدية أدواره عبر المسرح أو السينما أو التلفاز أو الإذاعة ، وتحتها تندرج فنون التراجيديا والكوميديا ، وكأي عمل إنساني آخر ، فإن جودة العمل تتطلب جهداً متواصلاً وعملاً دؤوبا للوصول به إلى حد يقارب الإتقان ، الفضائيات العربية تعج في رمضان بطفرة في كمية الأعمال الرمضانية التي تتسابق القنوات الرمضانية على عرضها خاطبة ود المشاهد العربي وذائقته و وقته ، وهي قد تنقلب إلى عملية تجارية بحتة متى ما تم تفريغها من جانبها الإنساني الفكري و الثقافي الهادف ، وليس أصدق دليلاً على ذلك من الكم المهول من الإعلانات التجارية التي يتم إقحامها في ثنايا عرض تلك الأعمال ، في الوقت الحاضر ربما لم يعد لدينا نحن معشر المشاهدين ذات المساحة الزمنية من الوقت مقارنة بما كان عليه الوضع قبل بضع سنوات ، نحن نعيش عصرا جديدا بأدوات تقنية جديدة وتحديات جديدة ، عصر تعددت فيه قنوات الميديا و اختلفت إلى الحد الذي باتت فيه مساحات الاختيار غير محصورة في التلفاز وحده ، الكُتاب والمنتجون والمخرجون والممثلون جدير بهم قبل غيرهم أن يعوا هذه الحقيقة جيداً ، فالمشاهد اليوم لن يتوقف عند عمل درامي لمجرد شغل وقت فراغ في جدول يومياته لا سيما في هذا الشهر الفضل ، إن “الكيف وليس الكم” هو لب المعادلة التي يفترض أن تكون محدداً رئيساً لكل عمل درامي يتم عرضه عبر الشاشة الفضية في رمضان وغيره من الشهور . وللوصول إلى هذا” الكيف ” المنشود ، حريٌّ بأن يُعطى كل عمل حقه كاملاً من الجهد والوقت ، وأركز هنا على عامل الوقت ،فلقد أتاحت لنا وسائل التواصل الاجتماعي اليوم إمكانية متابعة أخبار طواقم الأعمال الدرامية عبر حساباتهم الشخصية في تويتر وفيس بوك وانستجرام وغيرها ، لا أبالغ إن قلت بأن بعض هؤلاء يسهمون في فشل أعمالهم قبل أن تُطرح على الشاشة ، تسألونني كيف ؟ أقول من خلال الصور والأخبار التي ينشرها هؤلاء عبر حساباتهم الشخصية ، حين يعلنون على الملأ بأنهم ينشرون تغريداتهم أو يلتقطون صوراً فورية لهم من داخل استيديوهات ومواقع التصوير ! يتم نشر تلك التغريدات والصور قبل حلول الشهر الفضل بأيام قلائل ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى المساحة الزمنية التي تم من خلالها تصوير تلك الأعمال ومراجعتها وتدقيق محتواها و فحص جودة مشاهدها للعرض إذا كان الفاصل بين مواعيد تصويرها وتسليمها للقنوات الفضائية ثم عرضها هو بضعة أيام فقط ؟ بل إن بعض تلك الأعمال قد يستمر تصوير مشاهده أثناء رمضان ليتم تسليم حلقاته تباعاً ، أستطيع أن أتخيل حجم العمل المبذول وورش العمل التي يتم عقدها باستمرار للانتهاء من تلك الأعمال وهو جهد مقدر مشكور لمن يقوم به ، لكن ترى أين كانت تلك الطواقم على امتداد عام كامل ؟ إلا إذا كانت الدراما العربية قد اختارت – أو اختار لها القائمون عليها بالأصح – أن تكون مادة لمجرد سد فراغ في هيكلة برامج القنوات الفضائية والتسابق لاقتسام كعكة الرعاية الإعلانية وحسب ! من هنا فلا ريب في أن تظهر بعض تلك الأعمال تشوبها ركاكة و يعتريها نقص ، إنها أعمال يستطيع المشاهد العادي اكتشاف أوجه القصور والعور الظاهر فيها ناهيك عن الناقد المتخصص ، هي مجرد أعمال تم “سلقها” على عجل ولم تأخذ حقها من الإخضاع لمشذب التنقيح والمراجعة والتعديل ، إن من حق المشاهد العربي أن يحصل على وجبة فنية درامية تحترم وعيه وذائقته وتنهض بفكره ، أعمال يتم طهو محتواها على نار هادئة بدلا من أعمال تحاكي إلى حد كبير مايتم تقديمه في مطاعم الوجبات السريعة !

خاص لـ ( الهتلان بوست )