أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

أنا وصديقي العربي، وقوقل !

آراء

في الطريق من المطار إلى الفندق ، اعترف لي صديقي العربي بأنه رغم إقامته الدائمة في العاصمة الأوروبية لبضعة أعوام، إلا أنه لم يسمع بتاتاً عن اسم الفندق الذي اخترت الإقامة فيه سوى عندما اتصلت به وأعطيته الاسم، عرفت عندها بأن صديقي “ماعنده سالفة” وبأنه يمهد بطريقة ديبلوماسية للوقت الذي سوف نبدده سدىً في البحث عن وجهتنا، شعرت بالحرج الكامن في نبرة صوته وهو الذي كان يقدم نفسه لي دائماً بأنه الدليل المتنقل والخبير المتمكن من شوارع هذه العاصمة وأزقتها ! ولأننا معاشر العرب نتظاهر غالباً بأننا نعرف كل شيء ولا نسمح لأحد بتاتاً بأن يفوقنا أو يضاهينا معرفة ودراية ، فقد تركت صديقي يمضي في طريقه حتى شارفنا الوصول إلى­­ المنطقة التي يقع فيها الفندق ، هنا أخذت زمام المبادرة وصرت أصف لصديقي الطريق نيابة عنه ، شارعاً شارعاً، بناية بناية ، بل ودكانا دكاناً! بينما الصديق في ذهول واعتقاد بأنني إما “أستهبل” عليه! أو ربما أن وعثاء السفر أفقدتني عقلي فصرت أهرف بما لا أعرف! أو في أفضل الأحوال ربما كذبت عليه حين ادعيت بأنها المرة الأولى التي أزور فيها هذه العاصمة ! و ازداد مُضيفي ذهولاً حين وجد نفسه واقفاً بسيارته أمام لوحة الفندق المنشود ! هنا بدأ يحلفني الأيمان تلو الأيمان أن أقص عليه شيئاً من نبأي العجيب وقدراتي الخارقة في تمييز العنوان بهذه الدقة قبل زيارة المكان ، ليس ثمة أنباءَ أو خوارقَ في الموضوع يا صديقي فهون عليك .كل ما في الأمر أن لدي شغفاً في زيارة خرائط “قوقل” ثلاثية الأبعاد وصورها الواقعية قبل ذهابي لأي مدينة أزورها ، أتجول في الأحياء والشوارع والأزقة عبر شاشة حاسوبي بينما أحتسي كوب قهوة ، أُقرّب الصورة وأباعدها وأغير من إحداثيات الخريطة مع كل رشفة ، يوماً بعد يوم تتكون لدي صورة واضحة عن المكان فلا أجد صعوبة في التحرك بثقة بمجرد وصولي هذه المدينة أو تلك سواءً أكانت في شرق آسيا أو شمال أوروبا أو في جبال الروكي !

وقفت على تجربة لأحد الأصدقاء الأيرلنديين يمتلك سلسلة محلات لبيع الحيوانات الأليفة في مناطق متباعدة ، وقد وضع في كل محل منها كاميرات مراقبة تم ربطها عبر تطبيق خاص مع هاتفه الذكي، كنت جالساً معه في حديقة منزله بينما هو يتابع عبر شاشة هاتفه سلسلة محلاته ويعرف بالضبط ما يحدث فيها في التوّ واللحظة !

يبدو لي أن ما كنا نقرأُ ونسمعُ عنه في صغرنا من السفر عبر آلة الزمن والانتقال عبر الكبسولة! أصبح واقعاً نعيش طرفاً منه اليوم ولكن بصيغ مختلفة ، حتى مصطلح القرية الصغيرة لم يعد يفي بالغرض، بل هي اللحظة الكونية التي قال بها الإماراتي سلطان الجابر التي فيها تنتقل المعلومة إليك أو تنتقل أنت إليها متجاوزاً حاجزي الزمان والمكان ، أتساءل دائماً: تُرى ما هو القادم المرتقب بعد كل هذا التقدم التكنولوجي الذي أنتجه العقل البشري ؟ إنني لا أملك الإجابة ، لكنني أكاد أجزم بأن القادم سيكون عجيباً و خارقاً بمقاييسنا اليوم ! طبيعياً و تحصيلاً حاصلاً بمقاييس الغد!

خاص لـ “الهتلان بوست”