هالة مصطفى
هالة مصطفى
كاتبة مصرية

قراءة مختلفة للانقلاب التركي

السبت ٣٠ يوليو ٢٠١٦

هناك إجماع على المكانة المحورية التي يحتلها الجيش في تركيا، ليس فقط لكونه واحداً من أكبر الجيوش في الشرق الأوسط وشريكاً مهماً في حلف شمال الأطلنطي (الناتو). وإنما أيضاً لأنه جزء لا يتجزأ من معادلة الحكم والمؤسسة الأقوى التي حافظت على تماسكها منذ تأسست دولتها الحديثة على أنقاض النظام (1924) الذي ألغاه مصطفى كمال أتاتورك، وتقنينه للعلاقة بين الدين والدولة (العلمانية التركية). ومنذ ذلك التاريخ أصبح الجيش هو «حامي» المبادئ «الكمالية» نسبة إلى اسم زعيمه. في سياق تلك الخصوصية يمكن قراءة تاريخ الانقلابات العسكرية في تركيا، بدءاً من انقلاب 1961 ضد عدنان مندريس، الذي اُتهم بالسعي لتقويض إرث أتاتورك العلماني ونُفذ فيه حكم الإعدام، مروراً بالإنذار الذي وجهه الجيش إلى رئيس الوزراء سليمان ديميريل لإجباره على الاستقالة في مطلع السبعينيات، ثم الانقلاب الذي تزعمه قائد الجيش كنعان إفرين في 1980. وصولاً إلى انقلاب 1997 على حكومة نجم الدين أربكان أول رئيس وزراء إسلامي. فهل يمكن إدراج محاولة الانقلاب الأخيرة، التي لم تستمر سوى بضعة ساعات وكانت أشبه بالمغامرة العسكرية، ضمن هذه السلسلة؟ الإجابة لا، فثمة جديد هذه المرة، إذ ليس الجيش في عمومه ووفقاً لتقاليده السابقة هو من قام بهذه المحاولة، بل فئة منه لم تحظ بمباركة المؤسسة العسكرية، مثلما لم يتبنَّ قادة الانقلاب الرسالة المعتادة للجيش التركي في الدفاع…

بريطانيا تنتصر للدولة

السبت ١٦ يوليو ٢٠١٦

بريطانيا من أكثر الديمقراطيات الحديثة عراقة بعد اليونان القديمة موطن أرسطو وأفلاطون، وصاحبة أول وأشهر وثيقة حقوقية «الماجناكارتا» في القرن الثالث عشر التي أسست للحريات المدنية.. وهي ذات التاريخ الإمبراطوري الحافل التي أخضعت العديد من الدول والشعوب لهيمنتها وسيطرتها لعقود طويلة من الزمن، فكانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، سجلت أعلى البطولات في الحرب العالمية الثانية التي هزمت نازية هتلر وأصبح ونستون تشرشل زعيمها ورئيس وزرائها آنذاك من ألمع أسماء القادة والسياسيين عبر التاريخ. وهي فوق ذلك بلد ويليام شكسبير بتأثيره الهائل في حركة المسرح والأدب العالمي حتى يومنا هذا، تعتز بثقافتها الأنجلوسكسونية التي تفرقها عن الـلاتينية السائدة في معظم أوروبا، بريطانيا الحاضر من أقوى الدول اقتصادياً ومالياً وتجارياً وأكثرها تقدماً، يُطلق عليها «المملكة المتحدة» بعد ضمها إلى جانب إنجلترا (الدولة المحورية مقر الحكومة والبرلمان والعاصمة لندن) كلاً من أقاليم ويلز واسكتلندا وإيرلندا الشمالية، إنها نموذج خاص أو متفرد وبهذه الروح تتعامل مع ذاتها باعتبارها «قوة عظمى» يحتاج إليها الآخرون أكثر مما تحتاج إليهم. في هذا السياق، يمكن قراءة نتائج الاستفتاء الأخير الذي جاء في صالح خروجها من الاتحاد الأوروبي (حتى وإن كان بنسبة 52%) وأثار -ومازال- جدلاً كبيراً ليس فقط داخل أقاليمها وبين نخبتها السياسية والحزبية، وإنما في أنحاء أوروبا كلها بل والعالم، لما قد يكون له من…

مراوغة النهضة!

السبت ١٨ يونيو ٢٠١٦

ليست التصريحات التي أطلقها زعيم حركة »النهضة« التونسية راشد الغنوشي، في مؤتمرها العام الذي عقد منذ أسابيع، للفصل بين »الدعوي« و»السياسي« من قبيل التصريحات التي تُقال في المناسبات الاحتفالية، إذ يظل لها دلالاتها وانعكاساتها على مجمل حركات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الغنوشي وإن سعى دوماً للظهور بصورة عصرية مغايرة لنمط الجماعة الإرهابي المعتاد. لذا قُوبلت دعوته باحتفاء ملحوظ واعتبرها البعض »نقلة تاريخية« في فكر الحركة يُخرجها من أسر الأيديولوجية الجامدة ويُضفي عليها طابعاً ديمقراطياً، حيث جعل مجال النشاط السياسي للحزب، والدعوة لمؤسسات المجتمع المدني تحقيقاً للتوافق الوطني حسبما أشار نائبه عبد الفتاح مورو بقوله »الوطن قبل الحركة«. إذاً نحن أمام شعارات براقة توحي برؤية جديدة وتعطي الانطباع بثورة فكرية من داخل الحركة ذاتها إيذاناً بمرحلة جديدة تسعى فيها للمصالحة مع جميع التيارات السياسية، والأهم الالتزام بقواعد الدولة المدنية. فهل هذا صحيح؟ وهل ذلك الطرح يُعد جديداً بالفعل؟ وما الداعي للإعلان عنه الآن؟ في حديث مطول لصحيفة »لوموند« الفرنسية سُئل زعيم »النهضة« عن قضايا أكثر تفصيلية فيما يتعلق بموقف حركته من الحريات المدنية والمرأة والقوانين الوضعية وغيرها من أمور مماثلة تمس الحياة الشخصية وشؤون الأسرة، وهنا حملت إجاباته كثيراً من المراوغة واكتفى في بعضها الآخر بالقول إن »هذه مسائل شرعية يتفق عليها الجميع« رغم…

الإعلام وترويج نظرية المؤامرة

السبت ٠٤ يونيو ٢٠١٦

«الجميع ضدنا» هو تقريباً مضمون الرسالة الإعلامية التي تُصدرها أغلب وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة، فضلاً عن البرامج الحوارية أو «التوك شو». وهي مقولة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة المؤامرة، وتعني إجمالاً وقوف أطراف خارجية وراء الأحدث أو الأزمات الطارئة التي يمر بها بلد من البلدان بغض النظر عن أي أسباب أو تفسيرات أخرى. وللدقة فإن هذه الفكرة موجودة في قاموس العلاقات الدولية وتُعرف بـ»نظرية المؤامرة« وتتبناها كثير من المجتمعات والشعوب في لحظات معينة. وعلى الرغم من الاعتراف بوجودها فإن الإفراط في استخدامها يعطي مؤشراً سلبياً، بعبارة أخرى عندما يكون هناك خطاب إعلامي نمطي وجاهز لتبرير جميع الأحداث التي تقع دون الأخذ في الاعتبار اختلاف ظروفها وملابساتها والأطراف الداخلة فيها، فلابد أن يكون هناك شيء ما خطأ، وهو ما نتوقف عنده. إذ إن جميع الأحداث التي شهدتها مصر في الآونة الخيرة تمت معالجتها وفق هذا المنطق، بدءاً بسقوط الطائرة الروسية في أكتوبر الماضي، مروراً بالحادث الغامض لمقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، وواقعة اختطاف الطائرة المصرية، وقبل ذلك سد النهضة، وصولاً إلى الحادث الأخير لطائرة مصر للطيران. فالمفردات المستخدمة ظلت واحدة تقريباً، الضغط على مصر، السعي لتقويض دعائم الدولة وتفكيك مؤسساتها، وقوف أجهزة مخابرات أجنبية وراء تلك الحوادث، تخريب علاقات مصر مع الدول الصديقة، جزء من مخطط أكبر لتقسيم الشرق الأوسط وإفشال دوله،…

ولليابان قصة

السبت ١٢ مارس ٢٠١٦

اليابان هي واحدة من أكبر الدول الرأسمالية المتقدمة، يُشار إليها باعتبارها عملاقاً اقتصادياً وهي رابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم رغم ندرة مواردها الطبيعية، تكتسح منتجاتها الأسواق العالمية وتشتهر بجودتها العالية. فهي المنافس الحقيقي من هذه الزاوية لمثيلاتها الأميركية والأوروبية، تحقق نسبة نمو مرتفعة ودخل الفرد فيها هو أيضاً من أعلى النسب، حجم البطالة ضئيل وكذلك الأمية (1%) بسبب الطفرة الهائلة في التعليم الحديث، وعلى مستوى النظام والخدمات العامة التي تقدمها لمواطنيها فقد لا تضاهيها دول كبيرة أخرى. ونفس الإنجاز ينطبق على الجانب السياسي، تأخذ بالديمقراطية البرلمانية وموقع الإمبراطور شرفياً. البعض يُطلق على تجربتها مصطلح «المعجزة»، ولكنها ليست كذلك، فالمعجزة تستند على أسس غيبية، أما ما حدث في هذه التجربة المبهرة فيقوم على جهد وإبداع بشري وإصرار على النجاح بل التفوق ومواجهة التحديات مهما كانت صعبة أو مؤلمة. مناسبة الحديث عن اليابان، هي الزيارة الناجحة التي قام بها إليها أخيراً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إطار السياسة الخارجية النشطة التي اعتمدها منذ توليه القيادة. ولأن جانباً آخر من الموضوع يتعلق بهذا البلد كـ«نموذج» فيستحق التوقف عنده أيضاً. منذ ما يقرب من العقود السبعة كانت اليابان على النقيض مما هي عليه الآن، نعود فيها الى أشهر موقعة غيّرت مجرى التاريخ إبان الحرب العالمية الثانية وكان بطلاها هما الولايات المتحدة واليابان،…