مشعل السديري
مشعل السديري
كاتب بصحيفة الشرق الأوسط

الحصان أمام العربة

الأحد ١٠ مارس ٢٠١٩

من سوء حظي أنني تورطت في نقاش غير مثمر مع رجل منغلق، مع أنني أكره النقاش (البيزنطي)، وأكره كثرة الكلام، ولكنه هو الذي جرني إليه، لأنه ما إن عرفني حتى بدأ يوجه لي التهم وكأن فمه قد تحول إلى مدفع رشاش، ومن ضمن تهمه أنني من المؤيدين إلى ما يسمّى (الترفيه). فأخذته على مقدار عقله مردداً عليه الحديث الشريف، عن صحابي جليل اسمه (حنظلة) ومما ذكره أنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له وقال: وأنا فعلت مثلما تذكر، فلقينا الرسول فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة، فقال مه؟! فحدثته بالحديث فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثلما فعل، فقال: يا حنظلة ساعة وساعة، وفي رواية أنه كررها ثلاث مرات، فهل بعد هذا الإيضاح من كلام؟!، وهو تأكيد منه على ساعة الاستجمام والترفيه عن النفس لتتقوى لساعة الذكر والعبادة وإعطائها حقها في المراح والمزاح والأكل والشرب والتنزه والفسحة. حتى هذا الحديث لم يعجبه ولم يدخل مزاجه، لأنه شكك فيه، بسبب رواية أنه كررها ثلاث مرات. عندها صمت صمت أبو الهول، لأنني عرفت بل وتيقنت أن (ما في العباءة رجّال)، وتركته (يرغي) مثلما يرغي البعير الهائج، ولم يخطر على…

دعونا نلعب قليلاً

الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٩

لا شك في أن للإنجليز فضلاً كبيراً على ترفيه الشعوب، ولو لم يكن لهم غير ابتكار لعبة كرة القدم لكفتهم، فهم الذين حددوا أطوال ميادينها، وعدد لاعبيها، وسنّوا قوانينها، فغدت هي اللعبة الأولى، متفوقة على كل ما قبلها وعلى ما كل ما بعدها، إلى أن يشاء الله. والذين يتابعون هذه (الكرة المدورة) الواحدة، مليارات من البشر أسبوعياً على مدرّجات الملاعب، وأمام شاشات التلفزيون، عبر مئات الدوريات وعشرات المسابقات المحلية والقارية والعالمية. الألعاب كثيرة ومختلفة، غير أن كرة القدم لها نكهة خاصة، تكاد تستقطب الجميع. وكأي منافسة، فهي لا تخلو من الهنّات والتجاوزات، لهذا وضعت لها الجزاءات. ورغم أن هناك لافتة كبيرة تقول: «تواضع عند النصر، وابتسم عند الهزيمة»، فإن البعض عند النصر يتغطرسون، وعند الهزيمة لا يبتسمون، وإنما يبكون ويشقون (الفنايل)، وكل هذه المشاعر لا تمت للروح الرياضية بصلة؛ لأن الحكاية وكل ما فيها هي مجرد لعبة، وليست تقرير مصير. والذي دعاني إلى ذلك هو ذلك (البوكس) الخطافي الذي وجهه لاعب الاتحاد أسامة المولد، إلى بطن مدرب الرائد وبطحه على الأرض، مثلما فعلها اللاعب الفرنسي زيدان عندما وجه نطحة برأسه نحو اللاعب الإيطالي، فجندله وكأنه في ساحة معركة لا ملعب كرة. ورغم أن الإنجليز هم الذين ابتكروها، فإن جمهورهم هو أشرس جمهور؛ لأنهم يدخلون الملاعب وقد ملأوا بطونهم بغالونات من…

مفارقات الموت

الثلاثاء ٠١ يناير ٢٠١٩

حتى الموت - وهو الموت - تكون له أحياناً مفارقات وإحراجات ومفاجآت. فهذا رجل برازيلي اسمه جيلبرتو يعمل في مغسلة للسيارات، وسقطت عليه الرافعة التي تحمل السيارة، وقضى نحبه في الحال، واتصل المسؤول في المغسلة بأهله ليخبرهم، وحفظوا جثته إلى أن يحضروا ليأخذوه، وعندما أتوا وجدوا أن ملامح وجهه قد تشوهت تماماً من جراء السقطة، وأخذوه لكي يؤبنوه. المفارقة أن ذلك جيلبرتو قد تغيب أصلاً عن العمل في ذلك اليوم، وحل بدلاً منه صديق له، وعندما سقطت عليه الرافعة والسيارة لم يكن هناك أحد عنده، لهذا ظن الجميع أنه جيلبرتو، وهذا هو اسمه. وبالصدفة عندما كان يسير بالشارع قابله صديق آخر، وتفاجأ وفزع منه؛ لأنه بالأصل كان ذاهباً لعائلته ليقدم العزاء لهم فيه، وعندما عرف منه القصة ذهب معه إلى منزل العزاء، وما أن شاهده أهله حتى أغمي على البعض منهم، وفر البعض الآخر. انتهى. وأيضاً وحسب ما ذكرته صحيفة «الشروق» الجزائرية، فإن هناك امرأة عجوزاً أصيبت بسكتة قلبية عقب غيبوبة حادة، ودفنوها، وفقد أخوها أثناء ذلك هاتفه الجوال، فاستعان بجوال صديق له، وقام بالاتصال بجواله، ليتفاجأ بأخته ترد عليه قائلة: «إنني في مكان مظلم، وبالكاد أتنفس، ولا أدري أين أنا». وفي مدينة فاس بالمغرب، توفي رجلان في اليوم نفسه، ووضعا في غرفة واحدة، أحدهما فرنسي مسيحي، والآخر مغربي مسلم،…

الشر المستطير

الأحد ٢٥ نوفمبر ٢٠١٨

صدق من قال: إن انطلاقك بسيارتك من بيتك إلى المطار لتلحق برحلتك، وهي في المتوسط تستغرق ما يقرب من (نصف ساعة)، إذا وصلت عليك أن ترفع كفيك للسماء وتحمد ربك على السلامة، فهذه الرحلة هي أشد خطورة بـ100 مرّة، من رحلتك بالطائرة التي تستغرق ست أو عشر ساعات مثلاً. الحوادث المرورية هي الشر المستطير التي يتعدّى ضحاياها ضحايا الحروب. وباختصار (خير الكلام ما قل ودل) - خصوصاً إذا كانت مركزة على الإحصائيات والأرقام - كان تعداد الوفيات من حوادث الطرق في ألمانيا عام 2009 على سبيل المثال هو: 4152، وفي عام 2012 أصبح 3600 - أي أنه انخفض 13 في المائة، علماً بأن عدد السكان هو 81.8 مليون نسمة. وفي السعودية كان عدد الوفيات من حوادث الطرق عام 2009 هو 6142، وفي عام 2012 أصبح 7638 - أي أنه ارتفع إلى 24 في المائة، علماً بأن عدد السكان 28.2 مليون. وكشف مصدر في إدارة المرور السعودية أن قيمة المخالفات المرورية على مستوى المملكة تجاوز خمسة مليارات ريال في العام الماضي. وأثبتت دراسة أجراها أحد الباحثين السعوديين أن خسائر الحوادث المرورية في السعودية سنوياً تبلغ قيمتها 41 مليار ريال. وأكدت الدراسة أن المملكة بحاجة إلى 23 مليار ريال لعلاج 50 ألف مصاب بالحبل الشوكي نتيجة الحوادث المرورية. ومن حسن الحظ أخيراً…

المتاجرة بالسموم

الثلاثاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٨

العمل شرف، خصوصاً إذا كانت فيه فائدة للمجتمع وللعلم. وأعرف أن شبابنا يتوقون إلى كل عمل إيجابي وجديد. وها أنا ذا أطرح عليهم فكرة غير متوقعة، ألا وهي الاتجار بالسموم - نعم السموم - وكل من أراد أن يخوض في هذا المضمار، فما عليه إلاّ أن يربّي مجاميع من العقارب والثعابين. هل تعلمون أن الغِرام الواحد من سم العقارب ثمنه لا يقل عن ثمانية آلاف دولار - وليس ثمانية آلاف ريال - وتربية العقارب غير مكلفة البتة، وكل ما هناك أن تؤمِّن لها طبقة نظيفة من الرمال والحجارة المكسورة، بالإضافة إلى الغذاء من النمل والحشرات الزاحفة لا أكثر ولا أقل. وأدلهم على مكان توجد فيه أفضل تلك الأصناف ألا وهو: (عرق أم العقارب)، ويقع شمال شرقي (النعيريّة). وسوف تتهافت على شراء إنتاجه كل المؤسسات والمعامل الطبية – خصوصاً الأجنبية - التي تنتج منها أمصالاً للأدوية لمعالجة كثير من الأمراض. ولكي يكتمل المشروع ويؤتي أُكله، لو أنه جمع أيضاً أنواعاً من الثعابين السامة، التي توجد أندرها بكثافة في منطقة (حظن) شرق الطائف، ومن الممكن أن يؤمّن غذاءها من الفئران والجرابيع التي ما أكثرها – وكلها بلّوشي. وإخواننا في مصر فطنوا إلى أهمية السموم التي يبيعونها لبعض المؤسسات الطبية في أوروبا وأميركا والصين، لأن سموم العقارب والثعابين الصحراوية لا تضاهيها أي سموم…

متى تكشّر دبي عن أنيابها؟

الثلاثاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٨

من علامات الساعة - أي يوم القيامة - ما جاء في الحديث الشريف القائل: «... وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» انتهى. الواقع أن التطاول بالبنيان كان قديماً منذ العهود التي شيدت بها الأهرامات والكولوسيوم والحدائق المعلّقة. غير أن الانفجار الحقيقي للتطاول بالبنيان لم يبدأ إلاّ بعد اختراع (الأسانسير) - أي المصعد، وهو تطور من الجهد البدني إلى المحركات البخارية ثم الكهربائية التي كانت هي النقلة الحاسمة. وأول مبنى سكني استخدم هذه التقنية الجديدة، هو مبنى متعدد الطوابق في (نيويورك) عام 1889، وقد اعتبر أعظم إنجاز حققه الإنسان على الكرة الأرضية، وكانت سرعة المصعد لا تتجاوز 0.20 متر في الثانية، في حين أنه الآن يمكن للمرء أن يتجاوز 10 أمتار في الثانية الواحدة. وإلى الآن المبنى قائم ومصون ويعتبر من الآثار التي يفخر بها الأميركان، وأذكر أنني عندما شاهدته أخذت أبتسم تلقائياً، وأنا أراه أمامي قزماً وسط حشد من ناطحات السحاب الحديثة. كما أذكر أنه عندما شيد (برج الجزيرة) وسط القاهرة في الخمسينات الميلادية، قيل وقتها إنه لا قبله ولا بعده، وأُلفت ولُحنت فيه الأغاني، وفي جدة ذهلنا وكادت تعشو أبصارنا عندما شيدت عمارة الملكة في السبعينات الميلادية. وكان الحدث الكبير هو ما أنجزته دبي عندما اكتمل بناء (برج خليفة)، كأطول مبنى في العالم، متجاوزاً كل المباني…

قاتلهم الله… ورانا ورانا

الأحد ٢٦ أغسطس ٢٠١٨

زرت لندن قبل سنوات عدّة، وحظيت برفقة صديق – أكل الدهر عليه وشرب - وهو شبه مقيم دائم في تلك المدينة. ومجاملة مني لذلك الصديق المغرم بالمتاحف، انصعت إلى أمره عندما سحبني من أذني وراءه؛ لهذا وضع جدولاً لا يخر منه الماء وعليّ أن أتقيّد به، والمشكلة أنني إنسان شبه «بوهيمي» أتوق إلى الانعتاق والانشراح والفلّة بين الحين والآخر، لكن هيهات. ورغم أنني أحب زيارة المتاحف، لكن ليس لدرجة أننا نقضي تقريباً في كل متحف يوماً كاملاً، فزرنا على سبيل المثال: متحف العلوم، والمتحف البريطاني الذي تأسس عام 1753، ومتحف التاريخ الطبيعي، ومتحف الشمع، وأروع المتاحف التي سعدت بها هو المتحف الوطني، وتمتعت خلالها بمشاهدة أعمال الكثير من الفنانين. وعندما انتبه أني بدأت أتذمر أو أتململ من قبضته الحديّدية، قال لي وكأنه يبشرني: أريد أن آخذك إلى مكان مذهل، فرحت واعتقدت أنه سوف يذهب بي إلى مكان استعراض أو سهر، وإذا به يذهب بي إلى متحف يقال له: الأرشيف الوطني للأصوات. وفيه كل ما يخطر وما لا يخطر على بالك من الأصوات الطبيعية والحيوانية والإنسانية، سمعت خلالها أصوات العواصف والصواعق، ونقيق الضفادع، والنشيد القتالي لقبائل الزولو الأفريقية، وموسيقى بتهوفن وغناء البيتلز وكلمات آرمسترونغ على سطح القمر، وخطاب الملك إدوارد الثامن عند تنازله عن العرش، ومقابلة للملك فيصل في عام 1945،…

تكسرت النصال على النصال

الأحد ١٢ أغسطس ٢٠١٨

العلم يتطور بشكل مذهل، ولم يكن يخطر على بال أحد في تاريخ البشرية منذ عهد آدم إلى ما قبل قرن من الزمان، أنه من الممكن زرع أعضاء إنسان في جوف إنسان آخر، من الكِلية إلى القلب إلى الكبد إلى الرئة إلى البنكرياس إلى قرنية العين، وإلى... وهلمّ جراً، وما دام أن هناك عقولاً تفكر وتبحث وتطور وتجرب، فلا بد لعجلة العلم أن تفاجئنا بما هو أعظم لإسعاد الإنسان أولاً وأخيراً. وإليكم ما حدث في بريطانيا، حيث صوّت مجلس العموم في حدث تاريخي لصالح تقنية الإخصاب الصناعي الثلاثي العلاجية، التي يقول الأطباء إنها ستحول دون توارث الأمراض المستعصية، وسيتضمن النسل جينات من الأم والأب ومن أنثى أخرى متبرعة؛ مما جعلهم يصفونها بأنها خطوة نحو «إنجاب أطفال أسوياء حسب الطلب». وجاء التصويت لصالح تلك التقنية، ليجعل بريطانيا أول دولة في العالم تسمح بها بالتدخل في عملية الإخصاب لإزالة «الميتوكوندريا» التالفة من الحمض النووي، التي تتسبب في حالات مرضية وراثية، منها مشكلات القلب القاتلة، وقصور وظائف الكبد، واضطرابات المخ والعمى، وضمور العضلات، والتخلف العقلي. وفي جلسة مجلس العموم وصف وزير الصحة العامة البريطاني الخطوة بالجريئة، وأنها تعبّر عن تفكير مستنير يميز العلم المتطور ضمن نظام رقابي يحظى باحترام كبير من العالم، ويمثل أملاً كبيراً لكثير من الأسر التي تفقد أبناءها. ومن وجهة نظري…

وما أدراكم ما الكرامات!

الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٨

في مقالي المعنّون «عقولنا ليست عقول عصافير»، حدثت غلطة مطبعيّة وذكر اسم عبد الله بدلاً من عايض، ومن هو الذي لا يعرف الدكتور الداعية الشيخ عايض القرني (وهل يخفى القمر)؟!، لهذا أعتذر وأرجوه أن (يمسحها بوجهي). وقد رد السيد الحبيب الجفري على مقالي الذي كان موجهاً له وللشيخ عايض القرني، وفي الواقع كان ردّه مؤدباً يشكر عليه، وها أنا ذا أبادله الأدب وأزيد عليه قائلاً: إن آراءنا تحتمل الصواب والخطأ. أنا أؤمن تماماً بما جاء في القرآن الكريم، أما ما عدا ذلك فيحتمل الأخذ والرد. ومن حسن الحظ أن الشيخ عايض تراجع بشجاعة أدبية عن رواية كرامة أو حادثة لعمر بن الخطاب: من أنه عندما مات وأدخلوه القبر، أخذ هو يسأل الملائكة لا العكس: من ربكم ومن نبيكم وما دينكم. وهذه الكرامة لا تختلف عن رسالة نهر النيل، ولا صيحة: يا سارية الجبل. أكرر أنا أؤمن يا شيخ حبيب بالقرآن مثلما أنت تؤمن به، والمعجزات والكرامات هي للأنبياء فقط، فحقاً تكلم المسيح بالمهد، وموسى ضرب بعصاه البحر فانفلق، وسليمان عرف لغة الطير والنمل، ويونس ابتلعه الحوت ولم يمت، وصالح أخرج الناقة من الصخر، وإبراهيم رموه في النار ولم يحترق، ورسولنا الكريم عرج به للسماء في ليلة واحدة. ولكن كيف أفهم وأهضم مثلاً تصديقك لكرامة جريج الراهب الذي اتهمه قومه بالزنا…

أحب النساء وأفخر بهن

الخميس ٢٨ يونيو ٢٠١٨

تقول كتب التاريخ - والله أعلم - إن كسرى ملك فارس أراد الزواج من حرقة بنت النعمان فأبت هي ورفض والدها كذلك، لهذا جند كسرى جنوده وفتك بالنعمان، وهربت حرقة ملتجئة إلى بوادي العرب في الخفاء، وقالت هذه الأبيات: لم يبق في كل القبائل مطعم لي في الجوار فقتل نفسي أعود ما كنت أحسب والحوادث جمة أني أموت ولم يعدني العود حتى رأيت على جراية مولدي ملكاً يزول وشمله يتبدد فسمعت ذلك صفية الشيبانية، فاستدعتها وأجارتها، وحرضت صفية أخاها عمرو بن ثعلبة الشيباني، الذي جمع قومه وأحلافاً من القبائل، فتصدوا لكسرى وهزموه شر هزيمة في موقعة «ذي قار» قبل البعثة المحمدية. فقالت الشاعرة حرقة بعد ذلك النصر: رغمنا بعمرو أنف كسرى وجنده وما كان مرغوماً بكل القبائل هذا قصارى الأمر فاحمل محسراً لكميك ما بين الظبا والذوابل وفي قصيدة أخرى وجهتها إلى صفية كأنها تشكرها، تقول فيها: المجد والشرف الجسيم الأرفع لصفية في قومها يتوقع ذات الحجاب لغير يوم كريهة ولدا الهياج يحل عنهم البرقع نطقاء لا لوصال خل نطقها لا بل فصاحتها العوالي تسمع لا أنس ليلة إذ نزلت بسوحها والقلب يخفق والنواظر تدمع ثم أتبعتها بأبيات تشيد فيها بعمرو الشيباني تقول فيها: لقد حاز عمرو مع قبائل قومه فخاراً سما فوق النجوم الثواقب هم قلدوا لخماً وغسان منة…

مشاهدات رمضانية

الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٨

أريد أن أترك المجال في عمودي اليوم، وأقتطع بعضاً من الذكريات الرمضانية، التي أوردها أستاذنا إبراهيم مفتاح في كتابه الممتع «خرف مبكر». والأستاذ إبراهيم مثلما هو معروف، الابن البار لجزائر فرسان الحالمات التي هي من دون شك أجمل جزر البحر الأحمر، ولا بد أن يأتي دورها بالتطور، فهي من الكنوز الخالدة فعلاً. ويقول في المشهد الأول من ذكرياته: قد أكون صورة منها قبل أن تعرف شوارعنا كثافة السيارات ولم تألف آذاننا «طرقعات شكمانات» الدراجات النارية، وحتى الدراجات العادية (البيسكليتات) كانت قليلة في ذلك الزمان عندما كنا نحمل كتبنا المدرسية ونذهب إلى المدارس مشياً على الأقدام في صباحات أيام شهر رمضان الكريم، وفي أجفاننا بقايا نعاس تجففه أشعة الشمس. نظام بدء اليوم الدراسي وبداية الحصص لا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا، وهو العاشرة صباحاً، والحصة ثلاثون دقيقة كما هو الحال اليوم، لكن الأمر الذي اختلف عن تلك الأيام أن فصول الدراسة لم تكن تعرف أو تتذوق هواء التكييف، ونوافذ تلك الفصول كانت مشرعة للنسمات القادمة من كل الجهات، وفي كثير من الأحيان يشح علينا النسيم بأنفاسه فنتصبب عرقاً، ومع ذلك نكمل أيامنا الدراسية الرمضانية، ولا تمنح لنا الإجازة إلاّ بنهاية اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر الكريم. المشاهدة الثانية: أصحاب الجباه السمراء، والسواعد المفتولة الذين لوحت الشمس ملامحهم، وأرهقت المعاناة…

احذروا من «منجنيق الضعفاء»

الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٨

إذا جمحت بي نفسي - وكثيراً ما هي تجمح وتتمرد ولا يعجبها العجب - لهذا ألجأ بين الحين والآخر إلى ترويضها بالقراءة في بطون الكتب التراثية، خوفاً من أن أفقد (بوصلتي) وأجنح في لجج الأمواج العاتية في هذه الدنيا الجميلة القبيحة. واكتشفت أن اللغة العربية لغة عبقرية كثيرة الاستعارات والكنايات، خصوصاً في ابتكارات التشابه. ولو أني سألت أحداً عن «خلاخيل الرجال» مثلاً، فقد يهزأ بي، هذا إن لم يلقمني حجراً، ولو أنه علم أنها «القيود» لنام وفي بطنه بطيخة صيفيّة، وهذا هو علي ابن الجهم يقول عندما كان في حبسه: إذا سلمت نفس الحبيب تشابهت حروف الليالي سهلها وشديدها فلا تجزعي أما رأيت قيوده فإن خلاخيل الرجال قيودها أو ما هو «سهم الإسلام»؟!، لأجبت: كان السلف يقولون في وصاياهم إذا مررت بقوم فابدأهم بسهم الإسلام وهو: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وهل تعلمون أن «الحمّى» هي «داء الأسد»، لأنها كثيراً ما تغزو الأسد حتى أنّه قلّما يخلو منها ساعة، وقال أبو تمام: فإن يك قد نالتك أطراف وعكة فلا عجب أن يوعك الأسد الوردُ وأنا في هذه الأيام مصاب بذلك الداء، وأكتب هذه الكلمات، ودرجة حرارتي 39 وشرطتان. ويقال إن «كنز الجنة» أربعة هي: كتمان المعصية، وكتمان المرض، وكتمان الفاقة، وكتمان الصدقة، وأنا أكتم ثلاثة مما ذكرتهم. و«عناق الطير» أحرارها،…