نبيل عمر
نبيل عمر
كاتب مصري

عاصفة باسم يوسف

الثلاثاء ٢٩ أكتوبر ٢٠١٣

لم يتقابل مصريان في الأيام القليلة الماضية دون أن يسأل أحدهما الآخر: شفت باسم يوسف. بل أن مصرياً هبطت طائرته إلى مطار القاهرة قادماً من الولايات المتحدة، وقد غاب فيها ثلاثة أشهر متصلة، وبمجرد أن أخذ مستقبليه بالأحضان في عجالة سألهم: هل رأيتم برنامج باسم يوسف وما رأيكم؟ وراحوا طول رحلة العودة من المطار إلى البيت وهم يتحدثون عن فقرات "البرنامج" في ثوبه الجديد بعد انقطاع دام ما يقرب من ١٧ أسبوعاً. يمكن أن نصف ما جرى مساء الجمعة الماضي بأن عاصفة باسم يوسف ضربت مصر بقوة، والمدهش أن المصريين انقسموا حوله انقساماً شديداً، فهو لم يعجب الإخوان كالعادة، ولم يعجب أصحاب ٣٠ يونيو وهذا هو الجديد. بل أن حرباً ضروساً اشتعلت على شبكة التواصل الاجتماعي عقب نهاية البرنامج ولم تتوقف حتى الآن، ويبدو أنها ستظل فترة إلا إذا أن تدخلت قوات لحفظ السلام وعقدت هدنة مؤقتة بينهما. وبالفعل يستفز البرنامج جحيماً من التساؤلات والاستفسارات، إذ راح ينتقد كل شيء وأي شيء، الإخوان والاعتصامات والإعلام و٣٠ يونيو والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، ومؤيدي الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع، ومهاجمي ثورة ٢٥ يناير، لم يفلت من أنيابه لا شخص ولا حدث ولا موقف، وهذا النقد الشامل الملفوف بسخرية فاقعة بعضها بذيء عمداً، بدا غامضاً غير واضح الأهداف عند البعض، وخبيثاً…

مصر وأميركا.. خصام أم انفصام؟

الثلاثاء ٢٠ أغسطس ٢٠١٣

حدث في مايو 1974، خلال زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لمصر بعد قطيعة تجاوزت عشرين عاما، أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات نظم حفل عشاء فاخرا على شرف الرئيس الأميركي، وجاءت جلسة الدكتور علي السمان رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط حينذاك، بجوار ضابط كبير في المخابرات المركزية، ودار حوار دافئ في جو مفعم بالبهجة والتفاؤل، فإذا بالضابط الأميركي يقول لعلي السمان: أخيرا عدنا إلى القاهرة ولن نفقدها أبدا! وبالفعل لم تحاول الولايات المتحدة أن تخسر مصر من ساعتها، مهما دخلت العلاقات بينهما إلى مطبات وتناقضات تتصاعد حدتها أو تخفت، وقد ظل الطرفان حريصين على "شعرة معاوية" بينهما "في أشد الأوقات حرجا" كما يقول العرب في أمثالهم.. لكن يبدو أن شعرة معاوية مهددة لأول مرة بالقطع في الأزمة الحالية، بل إن الولايات المتحدة تمضي دون أن تقصد، إلى الطريق الذي مضى فيه جون فوستر دالاس وزير خارجيتها في خمسينيات القرن العشرين، والذي نتج عن سياساته أن غيرت مصر عبد الناصر اتجاه بوصلتها من واشنطن غربا إلى موسكو شرقا، وصارت لاعبا أساسيا في الحرب الباردة بين الكتلتين، بما كان عبد الناصر يملكه من كاريزما وأحلام وطنية، إلى أن عدل أنور السادات بوصلة مصر إلى واشنطن مجددا. لكن واشنطن في أزمة الدولة المصرية مع جماعة الإخوان، تكاد تدفع مصر للعودة إلى طريق عبد…

الأميركان والدفاع الشرس عن «الإخوان»

الثلاثاء ١٣ أغسطس ٢٠١٣

لا يمكن أن تمر زيارة لنا إلى الولايات المتحدة، إلا ويسأل صحافيون وأساتذة جامعات وأعضاء في الكونغرس سؤالاً تقليدياً: لماذا لا نشعر بود من الشعب المصري تجاه واشنطن، رغم المساعدات والمعونات الأميركية لكم وهي بمليارات الدولارات؟! نرد ببساطة: إسرائيل عائق صناعي، كما أن المصريين لم يشعروا بتأثير هذه المساعدات على حياتهم، لم يروا سداً عالياً جديداً عاون الأميركان في بنائه، ولا مصنعاً للحديد والصلب، ولا مجمع ألومنيوم كما فعل الروس مع جمال عبد الناصر، أنتم مشغولون بالمعونة التي تعود بالفائدة أولاً عليكم، وعلى شريحة بسيطة للغاية من المصريين تعملون على تجنيدها من أجل الدفاع عنكم، والمصريون حساسون جدا ويفهمونها وهي طائرة كما تقول أمثالهم، فلم تخدعهم كلماتكم، وكلما وقعت أزمة ولو صغيرة، هم الذين يطلبون الاستغناء عن هذه المعونات، قبل أن تهددونا أنتم بها.. وقطعاً أنتم أحرار في إدارة مصالحكم بطريقتكم، والمصريون أيضاً أحرار في التعبير عن أنفسهم. ولم يكن أغلب المستمعين يستوعب هذا التفسير.. فأعلق قائلًا: هذه دائماً أزماتكم مع الدول ذات الحضارات القديمة! يسألون: ماذا تعني؟ أجيب: لو تتبعتم الأزمات السياسية الكبرى التي وقعت فيها الولايات المتحدة منذ خروجها من عزلتها خلف المحيط الأطلسي مع بداية القرن العشرين، سنجدها دوماً مع دول ذات تاريخ حضاري طويل؛ الصين، مصر، إيران، الهند، اليابان.. فرنسا أحياناً، أما إنجلترا، فلا، لأن الإنجليز…

جماعة قتلت نفسها

الأربعاء ٢٤ يوليو ٢٠١٣

تخيلوا معي ماذا يمكن أن يحدث في مصر، لو أن الرئيس محمد مرسي خرج على الناس قائلاً: «يا شعب مصر.. اسمحوا لي أن أعتذر إليكم، عما حدث دون قصد مني في العام الماضي، لقد حاولت ولكن النتائج لم تأت كما خططنا، ولقد قررت الاستجابة لمطالبكم، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فإرادة الشعوب لا تُرد وهي مصدر قوة أي حاكم، وقد كان هذا عامنا الأول وصادفتنا صعوبة كثيرة عرقلت مسيرتنا، فلم ننجز ما وعدتكم به، ولأني أشعر بكم ومنكم، ونحن نبني ديمقراطيتنا الوليدة، فمن حقكم أن تعترضوا وتخرجوا إلى الشوارع غاضبين، ومنكم كانت شرعيتي، وهذا قراركم، ولقد كلفت هيئة المستشارين بإيجاد صيغة دستورية لهذه الانتخابات المبكرة، وفقنا جميعاً لخدمة مصر وطننا الغالي». تخيلوا معي لو أن محمد مرسي فعل ذلك، مع أن «لو» من عمل الشيطان، بدلاً من خطاب التهديد والوعيد الذي أطلقه في وجه المصريين مساء الثاني من يوليو الجاري، قبل نهاية المهلة التي منحتها له القوات المسلحة، للاستجابة لمطالب ملايين المتظاهرين في كل أنحاء مصر؟! قطعاً كان المشهد قد تغير كلياً.. وربما انقلب رأساً على عقب.. أولاً: جَنب جماعته خوض غمار مواجهة خاسرة مع المجتمع المصري، فهذه أول مرة تجد الجماعة نفسها وجهاً لوجه مع الشعب وليس السلطة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، وكانت المواجهات السابقة مع السلطة تكسبها شعبية…