ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

عجائزي الطيبات مثل وردة -1

السبت ١١ مايو ٢٠٢٤

السفر مع العجائز متعب في بدايته، ممتع في نهايته، خاصة وأن العجائز لا يثقن بأحد، فكيف إذا كان غريباً لا قريباً، وقد جربته مرات عديدة في أميركا وفي الحج وفي رحلات بحرية، ورحلات جماعية في أوروبا وفي بلدان آسيا، منها تلك الرحلة التي كانت في منتصف الثمانينيات، يومها كنت طالباً جامعياً متحمساً للمغامرة وشغوفاً بالمعرفة وملتزماً بأخلاقيات مثالية لم أستطع التخلص منها إلى يومكم، المهم أني في تلك الرحلة كنت راغباً في زيارة الريف الماليزي والقرى، واعداً نفسي برؤية تلك المناطق البريئة والأولية في كل شيء، فنظمونا كفريق صغير تستوعبنا سيارة ذات دفع رباعي، وشملت الرحلة غداء منزلياً نشاهد فيه الريفيات وهن يطبخن في قدور مركبة على الحطب، وربما تقوم الواحدة وهي تطبخ بإرضاع ابنها الصغير، وتتشاجر مع جارتها، ورغم بدء التنغيص من أولها حيث علمت أن الرحلة ستبدأ في تمام الساعة السادسة صباحاً، وأنا ساعتي تتوقف بعد الفجر، فبداية الصباح له عشق آخر، ومتعة أخرى، وأظن أن أجملها دفء الفراش ومتعة الرقاد من دون تقلب ولا أحلام، لكن لا بأس في كسر إيقاع اليوم لمرة قد لا تتكرر، ولمكان استثنائي مثل براءة البراري الأولى للإنسان! كنت أول الواصلين، لأنني أحب دوماً أن أصل في الوقت المحدد، لا قبل، ولا بعد، لأن قبله يوجع المعدة، وبعده يؤنّب الضمير، والأمر الآخر…

في يوم توحيدها.. وعيدنا

الإثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤

للوطن حراسه، دروعه وتروسه، وللوطن سياجه وحجابه، وللوطن رجال لا يقولون بقدر ما يفعلون، وللوطن عيون شاخصة بالنهار، ساهرة بالليل، تتساوى عندهم الأشياء غير الوطن، ويتعالون على الأمور غير ما يخص الوطن، هم رمز الوطن ومصدر فخره وعزه، تضيع الأوطان حين يغيب بواسل الجنود، الحرّاس والدروع والتروس والسياج والحجاب، وتدخل الدول في فوضى الأشياء، وتستباح الحقوق، وتنتزع المُلكيات، وتغيب الكبرياء حين تغيب الهيبة، ويغيب الجيش، الأوطان مرتهنة بالعز، والعز لا تحميه إلا القوات والجيوش من أبناء الوطن. لقواتنا المسلحة في يوم توحيدها تحية وذكرى مناسبة غالية على الجميع، تحية للرجال البواسل الذين خاضوا التجربة والتأسيس وساهموا بالعمل حين كانت الأمور مثل ثقل الصخر، وقساوة أرض الملح، ثم تقاعدوا، تحية للأجيال الجديدة التي تواصل المسيرة، وتخطط بفكر جديد، سنوات طويلة هي تاريخ جميل ومعطر بخدمات جليلة، وإنسانية في المحيط المحلي والعربي والدولي، ونياشين من تعب وعرق وعمل الخير، والمحافظة على استتباب السلام في ربوع من مدن العالم المختلفة والمتوترة، وأوسمة من شرف لرد الجميل لهذا الوطن وأهله، ولكافّة منتسبي قواتنا المسلحة ورجالاتها الذين يسعون قُدماً، يحملون أملاً، ويحققون حلماً أن يكبروا بالوطن وللوطن. يوم توحيد القوات المسلحة.. عيد للوطن، به يشرق صباحه، ويتزين يومه، ويزيد بهاؤه وضياؤه، يوم توحيد القوات المسلحة هو عيد للجيل السابق من المحاربين الأولين، ورفاق السلاح القدامى،…

عشاق فلسفة الكسل – 2

الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٤

في حديثنا عن فلسفة الكسل، إنما نتحدث عن الكسل المنتج، والممتع، ولا نمجد العطالة والبطالة، ولا نرفع من مرتبة «تنابلة السلطان»، ولا الإنسان الخامل الهامل، ونعرف الأحاديث التي تنهى عن الكسل، والسور التي تقرأ على المبتلين به، لكنه كسل الحديث الفلسفي المحمود الذي يختص بأصحاب المشاريع الإبداعية الذين يحبون أن يوجهوا طاقاتهم في أعمال ابتكارية، لا أعمال كدّية جسدية، هو الكسل اللذيذ، وليس المضجر، كسل تحدث عنه الفيلسوف الألماني «نيتشه» والكسل الجذاب، وبعض فلاسفة اليونان مثل «دايوجينيز» الذي كان يدعو إلى التخلص من الأشياء المثالية والقيم، ولعودة الإنسان إلى حالته الغابية. «كارل ماركس» الذي مجد العمال، وحركتهم، زوّج ابنته «لاورا» للمفكر الفرنسي «بول لا فارغ» الذي كتب كتاب «الحق في الكسل» مؤكداً على حقيقة الفرق بين الكسل الذي يعيشه الإنسان كحالة أجبرته عليها الحياة، وظروفها المتشابكة، وبين الكسل الذي يختاره كمنهج فلسفي في الحياة ينتج من خلاله، ولا يغدو عاطلاً، إنه نوع آخر من تفسير الكسل بين مفهومي الراحة ترفاً، ومفهوم القناعة بالراحة الإنتاجية. أما الكاتب الإنجليزي «جيروم كلابكا جيروم» فقد ألف كتاب «أفكار تافهة لرجل كسول» وقدم من خلاله مفهومه الخاص للكسل اللذيد، والمقتنص من بين الأشياء في الحياة، من رتابة العمل، ومن ساعات الأيام، يقول: «إنني أعشق الكسل بلذة ممتعة، عندما لا يصح أن أكون كسولاً، لا عندما…

الإنسان.. سؤال الجسد.. جواب الروح

الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤

نولد باكين محاطين بالدهشة، وفضول المعرفة، وذاك النور الذي يغشانا، فلا نبصر إلا حينما نعرف البصيرة، وتكوين الأسئلة، نشيب غارقين في تفكيك ظواهر الحياة، وسر الوجود، تكبر أسئلتنا، ونخاف من زرقة الضوء الذي أتينا منه، وعجز ما نحمل من أسئلة أنهكت الجسد والروح، ورافقت خطواتنا الأخيرة. الإنسان بين حمل الأمانة وحرية الاختيار أوجد لنفسه مكانة عالية في هذا الوجود، وموقعاً رفيعاً بين الموجودات، أهلته ليكون الخليفة في الأرض، لكن هذه المهمة الشاقة أوجبت عليه اشتراطات وتحديات جعلت من جسده ينوء من أثقالها، وروحه تتعب من التحليق خلف نشدان المعرفة، وهو أمر طالما أقلق الفلاسفة والحكماء والأدباء منذ الأزل، في فهم تلك العلاقة التي بين الروح وبين الجسد، ولأي مدى يمكن للجسد أن يحمل الروح، ويتحملها بثقلها ذي الأسرار المعرفية، وأفراحها الكبيرة والصغيرة، وعذاباتها المؤقتة والسرمدية؟ إلى أي حد يمكن للجسد أن ينوء بمعرفة أسئلتها الوجودية الكامنة فيها؟ لعل ثمة علاقة، ورابط بين العقل والروح، فكلما كان العقل محاطاً بالمعرفة والنور، ارتقت الروح، ونشدت السمو الذي لا يأتي إلا مع الخلاص النهائي، حيث السكينة والطمأنينة والسبات الأبدي، تلك هي علاقة الروح والجسد.. وجدلية الفناء، فمن يا ترى حمل الأمانة، وقبل بالاختيار، الروح أم الجسد؟ النساك والزهاد والعباد، وهي صفات لأفعال ولأشخاص مرتبطة بالتطهر من رجس الجسد، يجاهدون لكي يسلموا الروح في…

تقتلنا قوافينا الشعرية

الأحد ٢١ أبريل ٢٠٢٤

ليس هناك مثل القافية الشعرية، أتعبت العرب، وجعلتهم يدفعون ثمن مواقفهم منها، وقد أضنتهم طوال تاريخهم الطارف والتليد، تلك القافية القاتلة التي يفرحون بها حين تقال، لكنها ورطت بعضهم في معارك صغيرة، ونزاعات، وغارات، وحروب طويلة، فحرب داحس والغبراء، لا بد لها من قافية تسير معها، وليس أقلها من أنها حرب شعواء، قامت بإشعال فتيلها عجوز درداء، وأبو القوافي «المتنبي»، كان مقتله واحدة من تلك القوافي المتعبة، رغم أن بحرها من السهل الرجز، حين تعرض لشخص يدعى «ضبّة»، فَجَرّته قافية الاسم نحو حتفه، حين قال، واختار كلمة معيبة، فقط لأنها تتبع القافية، رغم أن دونها عند العرب الدم: ما أنصف القوم ضبّة.. وأمّه الـدردحــــبّــة وما يشق على الكلـــــب .. أن يكون ابن كلبه وقيل «الطرطبة»، وكلاهما مثل شهاب الدين وأخيه، فترصد له «فاتك بن أبي جهل الأسدي»، وهو خال ضبّة، وهذا من اسمه المركب يفترض بالمتنبي ألا يقرب صوبه، ولا صوب أهله، لأنه فاتك بن أبي جهل وأسدي، فما كان منه إلا أن أخرس كل قوافي المتنبي، فخسرته العربية بموته المجاني والعبثي اللغوي، وكم شاعر عندنا من أرباب الشعر النبطي، تجده يلبس حبيبته ثوباً أحمر في عز القائلة، لأن القافية تطلبت ذاك السجع المقيت، وبعضهم يداخل بين الفصول، وينزل المطر في الصيف، لأن صاحبته ذات خد رهيف، والبعض الآخر يدنّ…

لكل مقام مقال ولكل زمان رجال

الثلاثاء ١٦ أبريل ٢٠٢٤

لم تقل العرب ذاك القول اعتباطاً، فكثير من الحلول عندهم قد لا يكون آخرها الكي، وإنما القطع والبتر أو استباق الحالات مثل قولهم: «أوسمها قبل لا تضلع»، لا أدري من هو القائل، لأن المقولة طغت على القائل، رغم أنه نُسب مرة للشاعر العباسي «بشار بن بُرد»، لكنه منسوب لمن قبله أيضاً، وهو «أبو الدرداء الأنصاري»، والبعض يردها إلى «أبي الطفيل عامر بن وائلة»، وزاد عليها «ابن عدي» قوله: «لكل مقام مقال، ولكل زمان رجال»، و«المتنبي» فصّلها وشرحها متناً وهامشاً بقوله: ووَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى. مرد الحديث أن بعض المذيعين التقليديين وكل المذيعين الرقميين، لا يعرفون التحكم في إيقاع أصواتهم، ولا يعرفون أين موضعهم من الإعراب، ولا معرفة المقام، وفن المقال، فلا يمكن أن نستمع لمذيع في برنامج صباحي وجماهيري، وهو هدّاد، وصوته عال، ومتوتر على أصغر القضايا، وكأنه أتى من منزله وهو يغلي مما حدث معه ومع الزوج المصون! مثلما لا نقبل آخر يتحدث في برنامج الصباح وهو متكاسل متثاقل، يتثاءب تخمة وعجزاً، وكأنه آت من وراء خاطره أو كأن المحطة تقبّضه بـ «التومان الإيراني!». كذلك بعض المذيعين لا يفرقون بين برنامج اقتصادي يعتمد على أرقام وأحكام ورسوم بيانية، فيظهر على الناس، وكأنه خطيب الجمعة، موعظة وعبرة وإسهاباً لغوياً، وذكر مترادفات لكلمات…

مقابسات رمضان

الأحد ٠٧ أبريل ٢٠٢٤

قبل البدء كانت الفكرة: - ليس هناك من سعادة دون فعل الخير، ولا شهقة فرح دون الإحسان، ولا سكون للنفس دون القناعة، ولا راحة للبال دون كف الأذى، ومنع الظلم، ولا طمأنينة دون رضا، ولا ضحكة دون حب! ونحن في الإمارات مثل الإمارات، يد بيضاء ممدودة لا مَنّ، ولا أذى، بل ود وكرم، وحفظ ماء وجوه الناس الطيبين المتعبين. خبروا الزمان فقالوا: - التعاليم الدينية لا تجعلنا صالحين، بل تمنعنا من أن نصبح شريرين للغاية. - من يقرر أن يبدأ العمل في التجارة، لا بد وأن يباشر بإشعال شمعة للشيطان. - ألم ترَ أن الدهر يهدم ما بنى ويسلب ما أعطى ويفسد ما أسدى فمن سرّه أن لا يرى ما يسوءه فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقدا عجائب وغرائب: - المناشفة «منشنستفود»، والبلاشفة «بلشنستفود»، كانوا أعضاء حزب العمل الديمقراطي الاشتراكي الروسي، عام 1903م انشق الحزب للاختلاف على عضوية منتسبي الحزب، فقاد «لينين» جناح الأغلبية أو البلاشفة الذين يرون أن يحصروا عضوية الحزب في المؤسسين وكوادر الثوريين المحترفين، أما بقية الحزب فظهرت كجماعة الضد، وتسموا المناشفة «الأقلية» الذين كانوا ينادون بمرونة أكثر في قبول عضوية حزب العمل، «البلشفيك» كانوا ينادون بالحل الثوري المسلح، أما «المنشفيك» فكانوا يميلون للحل السلمي. خزانة المعرفة: - «حال القَدَر دون الوطر»، قاله المأمون لما مات أخوه…

مقابسات رمضان

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤

قبل البدء كانت الفكرة: - هناك شعوب طويلة بال، وشعوب شغل دهديه، الشعب الياباني طويل البال، بحيث يمكن أن تلقى واحداً مختصاً في تثبيت المسامير الصغيرة، والشغلات الثانية ما يخصه فيها، شيء من تلك المسامير التي يمكن للاسكتلندي أن يهمصّها بإبهامه، أما شعوب شغل دهديه، فيرفعون دائماً شعار، «ما في مشكلة.. كله مضبوط»، «مافيش مشاكل»، «لا تحاتي يا أخوي أمورك طيبة»، «ما فما أي مُشكل» «شغله مو محرزة»! وبعدين تعال وشوف المشاكل بعد التركيب، وحده المرتاح اللي نصا الياباني، ولا استخسر فيه ولا في شغله. خبروا الزمان فقالوا: - ينبغي صنع جسر جديد للعدو الهارب. - يقضي الكندي شطرين من عمره موضحاً للأميركي أنه ليس بريطانياً، وللبريطاني أنه ليس أميركياً. - عادة ما يقتل المتبجح أسداً غائباً. - السود يرسمون الشيطان أبيضَ. عجائب وغرائب: - عام 1997 رفضت شركة «ياهو» شراء «جوجل» بمليون دولار، اليوم تبلغ قيمة «جوجل» 200 مليار دولار، وقيمة «ياهو» فقط 20 مليار دولار، دخل «جوجل» في الثانية 732 دولاراً، وفي عام 1976 باع رجل حصته البالغة 10% في «أبل» بقيمة 800 دولار فقط، واليوم قيمتها وصلت إلى 58 مليار دولار. خزانة المعرفة: - من جماليات العربية وجناسها، وتراكيبها اللفظية: من خالفت أقواله أفعاله تحولت أفعاله أفعى له من أظهر السر الذي في صدره لغيره وهاله وهى…

دخيل الله.. قبل رمضان

الأحد ١٠ مارس ٢٠٢٤

- دخيل الله ما نريد مسلسلات شغل الثمانينات والتسعينيات، عقل وعقوص وشعر طويل وكحال صراي تارس العيون، و«طراد» قتل «هلال»، وابن عمه فارس «يبي» الثأر، وتظهر في النص بدوية غاوية تغير سير المسلسل من الثأر إلى الحب والهيام وتبادل الغرام شعراً وبنظرات العيون، ويتم «مشاري» يقرض الشعر، ويتشبب في بنت العم، ويتمون الجماعة قهوة سايرة وفناجين معمولة جاية، وعبارات ما تغيرت من مسلسل «فارس ونجود» وما يقهرونك إلا حين تسمع تلك الجملة غير المفيدة والمضللة للمشاهدين الكرام: «روّح جاي يا ابن العم»، فلا تعرف طلبه بالضبط هل يريده أن يذهب بعيداً أم يأتي قريباً منه؟ - دخيل الله شبعنا من مسلسلات المخدرات والتعاطي ورجال العصابات الذين يلبسون «جاكيتات» سوداء جلدية في رمضان، ومشاهد الدماء والخطف، حتى ما عدنا نستطيع أن نميز بين المسلسل اللبناني أو السوري أو التركي، وكأنهم جميعاً يعيشون في بلدان كارتيل المخدرات! - دخيل الله، ترا بسّنا من المسلسلات الخليجية المكررة، والتي تعتمد على البكائيات على اللبن المسكوب صيفاً، وعلى دموع «حياة الفهد» التي لا تجف، وعلى الصراخ الذي يشبه قرع أواني المطبخ في هدأة الليل، مسلسلات تجلب الضجر في هذا الشهر. - دخيل الله فكونا من الحوارات الساذجة في المسلسلات المحلية، وكأن كلها مكتوبة بطريقة أنثوية، ولا تناسب مع مقولات الرجال، ومرات تجدها متخشبة ومفتعلة ولا…

نجمة أخرى في سماء السعديات

الأحد ٠٣ مارس ٢٠٢٤

تلألأت مساء أمس نجمة جديدة في سماء السعديات، لتضاف إلى أيقوناتها الثقافية صرحاً فنياً، حمل اسم الصديق العزيز، والأخ الكبير «بسام فريحه للفنون والعمل الإنساني»، كان الحضور كبيراً احتفاء وتقديراً لهذا الإنسان النبيل، بعرض جزء من مقتنياته الفنية، والخاصة بفن ولوحات الاستشراق، وما استوحى الرسامون الغربيون من حياة الشرق الساحرة والجميلة بكل تفاصيلها، وتركيزاً على الوجوه الإنسانية، والمرأة وجمالها بالذات. كان حفلاً مبهراً يليق بالمكان، ويليق بصاحبه، ولعلها من المرات القليلة التي أشاهد فيها حضوراً في فعالية ثقافية وفنية بهذا الحجم ونخبويته، ولعل هذا هو الهدف الذي من أجله بنيت كل تلك المنشآت الثقافية والصروح الفنية في هذه الجزيرة التي كانت دائماً في نطاق المراهنة عليها، وعلى أرضها، منذ أن راهن على خيرها الزراعي، المغفور له بإذن الله تعالي زايد الخير والبركة والحب والأعمال الريادية العظيمة، حين جلب لها خبراء مستعيناً بجامعة «أريزونا» في الستينيات، ليثبت لنفسه وللآخرين أن المراهنة على هذه الأرض كلها خير، وأن ملح البحر يمكن أن يروض، وأن التصحر يمكن أن يحتوى بالتحدي وبكثير من الوعي والثقة بالنفس، فكانت فرحة الثمار والخضار والفاكهة اليانعة، واليوم في نهضتنا الجديدة بقيادة رئيس دولتنا، وتاج رؤوسنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بفكره المتجدد، وأحلامه الكبيرة والبعيدة، يذهب بهذه الجزيرة نحو أفق آخر، ومساحة أخرى، الثقافة بمفهومها…

يكفي الإمارات خيرها وفضلها.. حمدان

الإثنين ٢٦ فبراير ٢٠٢٤

الإمارات بُنيت بالخير، وعُمرت بالبركة، وسادها رجال طينتهم الكرم، وبذرتهم السخاء، يفعلون ولا يقولون، يثيبون كخُلق عربي ولا يمنّون، يجودون حين الناس يعطون، لا لون لأياديهم إلا لون البياض، مثل وجوههم، ورغم ذاك هناك الجاحدون، وهناك المجندون وهناك الساعون للخلاف والاختلاف، قصة مساهمات الإمارات الإنسانية تختصرها سيرة رجل نبيل منا وعنا، هو عنوان للطيبة حين تكون، وعنوان للخير أينما كان، رجل يسبق الخير.. يفخر به أي وطن، يسود بين الناس، جاعلينه تاجاً من ظَفَر، وتزهو به المجتمعات لطول أياديه البيضاء، وسعة كفه، وسرعة خطواته نحو الخير، وفعله خلف كل قافلة محملة بالبركة، وخلف كل العطاءات المتوجهة شرقاً أو غرباً، وخلف فرحة قلوب الناس أينما كانوا، وخلف ضحكتهم بعد الآلام، وفجائع الزمن وكوارث الطبيعة. رجل يسبق الخير.. والمعروف جزء من طقسه اليومي، تشاهد طفلة بين النار والرماد، تأسرك صورتها في الحزن المحيط بها، فتقول: من لها؟! وفي اليوم نفسه يتهلل وجهك بشراً، لأن جابر عثرات الكرام، تكفل بها، وطببها وأشرف على علاجها، وعلّمها، وسماها ابنته، تفرح وتقول: الدنيا ستبقى مفعمة بالخير، لأن فيها رجلاً نبيلاً مثله، قلبه مشرّع للعون والمساعدة، وتذكر المعسرين، والمتعبين، والمنسيين، ومن أضنتهم الحياة أو عاندتهم الظروف وأعوزتهم، لا يكتفي بفعل الخير، بل يسعى لدوامه، وتعميمه ونشره في الأرجاء. رجل يسبق الخير.. يذهب إلى أفريقيا حيث الفقر مقبرة،…

الرعب ليس مكانه الظلام فقط

الأحد ١٨ فبراير ٢٠٢٤

لقد أحصيت خلال السنوات الأخيرة، فوجدت أن الإنتاج السينمائي في الإمارات ودول الخليج، ينحصر معظمه في موضوع وثيمة «الجن والسحر والشعوذة» وأفلام يقال عنها إنها أفلام رعب، لكنه رعب يُضحك، حتى الأفلام التي أنتجتها شركاتنا السينمائية الكبيرة، وبميزانيات عالية، وفريق فني أجنبي مستورد، مثل فيلم «جن» الذي ظهر كأضعف ما أنتج من أفلام الرعب عالمياً، فما عاد صرير الباب يخوف المشاهد، ولا الرعد عند النافذة المفتوحة، تلك مشاهد كلاسيكية تجاوزتها السينما العالمية، وإنتاجها، فأفلام الرعب في أميركا وأوروبا وحتى السينما في هوليود تجدها ذات تقنية عالية من القصة إلى التمثيل إلى المكياج والإضاءة والموسيقى والمؤثرات البصرية والسمعيّة، وفيها جهد مبذول، بحيث يخرج المشاهد، وهو تعب من السينما، وتحت ضغط عصبي لم يحس به إلا بعد انتهاء الفيلم، والذي عادة يتسم بنهاية شبه موحدة أن الشر باقٍ، وأن الشرير لم يمت في نهاية الفيلم، وربما هناك تكملة لجزء تالٍ إذا ما حقق الفيلم الإقبال والانتشار والدخل المالي. اليوم أشعر أن كل مخرج جديد عندنا، إذا ما أراد أن يبدأ تجربته الأولى سينمائياً، يختار موضوعاً يعده مثيراً عند المتلقي، ويخوض في المسائل الغيبية، مثل السحر والشعوذة والجن والمارد، ويعتقد بـ «توليفة» سينمائية أحياناً ساذجة، أنه يحقق شيئاً ذا قيمة فنية، لكن لو نُظر لها بعين أوروبية أو أميركية فاحصة فنياً، وناقدة، لكان…