سعود البلوي
سعود البلوي
كاتب سعودي

قداسة الحرب في التاريخ

الجمعة ٢٣ أكتوبر ٢٠١٥

تغلغلت ثقافة التشدد "الديني" إلى العالم "المدني" وأخذت العنصريات أشكالاً متعددة قد تؤدي إلى طمس الهوية المدنية للمجتمع والدولة، كما حصل في أفغانستان وإيران، إضافة إلى بعض الدول العربية من يتتبع التاريخ البشري، يجد أن فكرة "قداسة الحرب" ظلت قرونا طويلة مبررا للحروب التي تشنها الجماعات والدول من منطلق "أخلاقي"، على الرغم من أن هذا المنطلق لا يكون نابعاً بالضرورة من فكرة الدفاع عن النفس والمقدرات والتاريخ، بقدر ما يكون نابعا عن أسباب سياسية واقتصادية بحتة، ظلّ القادة السياسيون والدينيون يضفون الزخم اللازم لهذه القداسة على الحرب بطرق متعددة. لقد عاش العالم حروبا دينية كثيرة في مختلف قاراته، لا سيما في أوروبا وآسيا وأفريقيا، ومنذ بداية القرن السابع عشر الميلادي تقريبا، فقدت الحروب الدينية جزءا من هالتها المقدسة التي كانت تضفى عليها، إلا أن هذه القداسة استمر استخدامها لرفع همم المقاتلين، بمعنى أن يتم توظيف واستثمار عامة الناس لخدمة الأهداف غير المعلنة التي لا يكونون واعين بها، لذا يكون الضحايا غالبا هم من أتباع الأديان والطوائف؛ مما يعزز الشعور الديني والطائفي في هذه الصراعات، التي تجري فيها إراقة الدماء وفقا لهذا الشعور المقدس. ومن ذلك؛ الحروب العديدة الدامية التي عاشتها أوروبا المسيحية ومختلف طوائفها، وكذلك الصراع المستمر بين المسيحية واليهودية والإسلام من جهة، وبين الطوائف داخل نطاق كل دين من…

وطن ينمو وتكبر معه أحلامنا

الجمعة ٢٥ سبتمبر ٢٠١٥

خمسة وثمانون عاما تمرّ على ذكرى توحيد هذا الوطن الذي لم يكن أكثر من أرض للشتات والتيه، والتكوينات المجتمعية المتحاربة، لكنه توحّد بشكل أسطوري، وكبُر ونما على مدار ثمانية عقود ونصف، وأصبح قويا وغنيا يشار إليه بالبنان في العالم. لم يطمح الإنسان السعودي في بداية تكوين هذا الوطن إلا أن يكون آمنا في سربه، قادرا على تأمين لقمة عيشه اليومية لنفسه ولأهل بيته، غير أن الحال تبدّل مع أول نقطة نفط سوداء انبجست من أول حقل بترولي ناحية الشرق من هذا الوطن؛ ليجد الفرد والمجتمع تلك الحياة البسيطة تتغير وتتطور وتزداد مطالبها كلما تقدم بنا الزمن.عانى أبناء هذا الوطن من الأجيال السابقة شظف العيش وقسوة الحياة كانوا حينها يجوبون أطراف الدول الأخرى بحثا عن مصدر للرزق، متشبثين بالحياة رغم ما لاقوه من قساوة وظلم ونظرة دونية، وربما الموت فقرا وجوعا ومرضا، إلا أن أبناء وأحفاد هذه الأجيال استفاقوا على كونهم مغبوطين على ما وهبه الله للطبيعة في بلادهم، على الرغم من أن الشعب السعودي وحكومته قد جعلوا أنفسهم خط دفاع حقيقي عن كل القضايا العربية والإسلامية والإنسانية في العالم، وبذلوا كل ما بوسعهم في السلم والحرب ليكون العالم آمنا، منذ توحيد المملكة العربية السعودية حتى اليوم. وفي الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، الذي تحتفل فيه المملكة بعيدها الوطني الخامس والثمانين الذي يحمل…

من رسالة جون لوك في “التسامح”

الإثنين ٠٦ يوليو ٢٠١٥

في رسالته في "التسامح"، يؤكد جون لوك "1632-1704" أن كثيرين في زمنه يفاخرون بما يعتقدون أنه الإيمان الحق الذي لا يشاركهم فيه أحد، فتلك علامة على شهوة البشر في تسلط كل منهم على الآخر أكثر من حب الكنيسة، وإذا زعم أي إنسان استخدام السيف والنار لإجبار الناس على عقائد معينة والانتماء إلى عبادات وطقوس معينة -بغض النظر عن الجانب الأخلاقي- فمن المؤكد أن من يفعل ذلك يقصد تشكيل مجتمع يتشارك في العقيدة نفسها، وليس بمستغرب على هؤلاء أن يستخدموا كل أنواع الأسلحة التي لا تنتسب إلى عقيدتهم المسيحية! ويعتبِر "لوك" أن التسامح بين المختلفين في العقيدة المسيحية يتفق مع "العهد الجديد"، ويتفق أيضا مع مقتضيات العقل الإنساني، ولكن من أجل ألا يدّعي الذين يمارسون الاضطهاد والعنف والقسوة باسم المسيحية والصالح العام، ومن أجل ألا يسعى آخرون بدعوى الدّين إلى أن يجدوا فيه خلاصا لما ارتكبوه من أخطاء وآثام، ومن أجل ألا يفرض أحد على نفسه أو غيره أي شيء بدعوى الولاء والطاعة، فإنه ينبغي التمييز بين مهام الحكم المدني وبين الدين، بتأسيس الحدود العادلة والفاصلة بينهما، فمن دون ذلك لن تكون هنالك نهايات للخلافات التي تنشأ على الدوام بين من يملكون الاهتمام بصالح نفوس البشر من جهة، وبين من يهتمون بصالح الدولة من جهة أخرى، على أساس أن الدولة هي…

الانتحار الفكري

الإثنين ٢٢ يونيو ٢٠١٥

ظهر في ثقافتنا العربية على مدى قرون ظاهرة يمكن تسميتها بـ"الانتحار الفكري" يشعر فيها الفرد بأنه معزول عن بقية العالم، لا يستطيع فعل شيء إزاء التغيرات الحضارية والثقافية المعاصرة، مما يدفعه للزج بنفسه في أتون فكر التطرف الذي يعتقد أنه بالانتماء إليه يستطيع مواجهة تلك التغيرات باختيار "رمزية" ما توضع موضع العدو المخيف. ولأن الركون إلى مبدأ الوصاية الفكرية هو بمثابة الركون إلى انتماء أكبر مطمئن، فإن كل الثقافات التي مرت بتغيرات أدت إلى نتائج حاسمة في تاريخها كان الصراع فيها أساسيا بين قوى النور وقوى الظلام، أو بعبارة أخرى: بين العقل والكهنوت؛ ولذلك تثار فكرة وجود العدو الأزلي بهدف إقناع المتحمسين بفكرة صناعة العدو بانعدام الثقة في جدوى التعايش في ظل التعددية الفكرية والاختلاف الثقافي، وتصوير ذلك بأنه خطر مستمر يهدد الوجود والهوية. ولذلك، فإن تسليم الفرد عقله إلى الفكر الوصائي هو انتحار فكري يودي به في النهاية إلى الموت المادي أو المعنوي، فمن يرضى لنفسه أن يكون تابعا للفكر الوصائي، فإنه في الأخير سيُقابل بعدم التقدير، لا سيما إذا كان من النوع الذي يكون قابلا للاستخدام مرة واحدة، كما هو حال بعض شبابنا اليوم المحصور في قبضة الإرهاب. ويبدأ الانتحار الفكري من خلال "التسليم" و"الوثوقية" المؤديان إلى الطاعة العمياء من دون أي شك أو نقاش، وبالتالي يصبح العقل…

اللحظة الراهنة للتنمية

الخميس ١٩ مارس ٢٠١٥

عاشت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تطورا ملحوظا وتحولا نحو التحديث الحضاري والتنمية الاقتصادية، حيث برز ذلك منذ اللحظة الأولى التي اكتشف فيها النفط في المنطقة الشرقية من بلادنا. إذ أسهم هذا المنعطف الكبير في تاريخ اقتصاد المجتمع إلى الاتجاه نحو الأخذ بالوسائل المادية للحضارة: السيارة والطائرة والقطار، الهاتف والتلفزيون، مواد البناء الحديثة، وواكب ذلك انضواء أفراد المجتمع السعودي تحت لواء الدولة ومؤسساتها بعد أن كانوا شيعا وقبائل متناحرة، لينشغلوا بتنمية ذواتهم في عدة أنشطة تراوحت ما بين الزراعة إلى التجارة الخارجية. مضى اليوم على هذا التطور أكثر من 85 عاما، ولكن يجب الاعتراف وبكل شفافية أن حكاية التطور الاقتصادي لم تكن طبيعية بما يكفي للقول إنها نقلة حضارية، وبمعنى آخر إن لم تمرّ بالتدرج الحضاري والتحديث المادي، بل عاشت مرحلة تغيير (راديكالية) نقلت حياة المجتمع بشكل مفاجئ من البداوة والريف إلى تكوين المجتمعات الحضرية، على الأقل على المستوى المادي للحضارة، بعد أن أصبح ريع البترول يجلب لنا كل ما نتوق إليه، دون المرور بالمرحلة "الصناعية" التي تعبّر عن الإنتاج والإنجاز والاكتفاء الذاتي إلى حد معقول نسبيا. ومع وجود الطفرة الاقتصادية هذه، يمكن القول إنها أسهمت بقوة في تحقيق جانب كبير من التحديث التنموي، لكنها لم تسهم في التحول إلى المدنية الاجتماعية،…

المثقفون “الإنسانيون”

الجمعة ١٣ يونيو ٢٠١٤

في كلمة "الأنسنة" دلالة تعيد هذا اللفظ إلى أصله المشتق منه "إنسان" و"إنسانية" التي يتميز بها الإنسان عن بقية الكائنات الأخرى، كما تميز بعقله، واستطاع أن يصنع الحضارة ويستجيب لتحدي الطبيعة، بعد أن صنع فرص التصالح والتواصل والتعايش مع أخيه الإنسان ويسعى لها. ولو عدنا إلى التاريخ، فسنجد إسهامات كثيرة لشعوب وثقافات وملل وأديان كثيرة في الحضارة البشرية، كان الرابط فيها كلها "الاشتغال" بالإنسان لا الانشغال عنه؛ فتحققت الكثير من المنجزات الثقافية الحضارية بعد أن تجاوز الإنسان هذه العقدة، وهي أزمة العلاقة مع الآخر، ولم يكن المسلمون استثناء من هذه القاعدة، فقمة تحضر المسلمين كان في إسهامات العرب وغيرهم من الشعوب الأخرى، التي دخلت الإسلام واستلهمت الثقافة العربية في ذلك الوقت.  ولذلك فإن المشروع المرشح لتحقيق هذا الانفتاح التواصلي الإنساني هو "الأنسنة"، التي يقصد بها: نزعة أو توجه فكري يكون فيه الإنسان أولوية، بمعنى أنه يكون محور الحياة ومحور تطورها بغض النظر عن "الاختلافات" التي يفترض أن تصنع ثراء لا عداء.  أما في ظل ما نعيشه اليوم من سيادة قيم التطرف والغلو والانغلاق التي أسهمت في إعاقة التواصل الإنساني بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي على المستوى الثقافي والاجتماعي منذ عقود، فأصبح المسلمون متهمين بـ"الإرهاب" وإلغاء الإنسان حتى يثبتوا العكس مع الأسف، فنحن عشنا خلال العقد الماضي مرحلة اختبار صعب، ولا…

“الجنادرية” متنفسا

الجمعة ١٤ فبراير ٢٠١٤

قبل يومين افتتح المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته السنوية التاسعة والعشرين، الذي تنظمه منذ ثلاثة عقود وزارة الحرس الوطني. هذا المهرجان كان طوال هذه الفترة متنفسا مهما للمجتمع، ولا سيما لسكان العاصمة الرياض. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية وجدنا تصرفات غريبة أرادت النيل من بعض الفعاليات الثقافية ومنها هذا المهرجان؛ بهدف تحجيمه كمناسبة وطنية وتقليصه كمتنفس اجتماعي، بحجج ومبررات غالبا تجعل المرء يفكر أن وراء الأكمة ما وراءها. اليوم بدأنا نفهم أن دعاوى الاعتراض والاصطفاف التي كان يقوم بها بعض الأفراد خلال السنوات العشر الماضية في المناسبات الثقافية بطريقة "كتائب الفوضى"، لفرض رؤية بمبررات "الإنكار"، غير أن الأمر اتضح له خيوط طويلة وعريضة، إذ بدأت تفوح منه رائحة التحزبات والحركات السياسية الصحوية التي تريد نشر الاضطراب، ومحاولة تقليص سلطة الدولة مقابل حصولها على سلطة اجتماعية عبر خلق حالة من التسلط الاجتماعي. إن حالة الوعي المضطردة في المجتمع السعودي اليوم لا تسمح باستمرار الوصاية عليه، من خلال التجمعات في المناسبات الثقافية الوطنية، وتعدّ محاولات إظهار الثقافة على أساس أنها مضادة للدين إشكالية حقيقية انطلت على المجتمع عبر العقود الماضية، التي بقي فيها المجتمع شبه معزول عن العالم، وتعود أحداث الماضي إلى الأذهان عندما يهاجم بعض المتزمتين ـ دون أن يحملوا مسؤولية رسمية ـ المناسبات الثقافية ليثيروا الفوضى ويشغلوا الناس بممارستهم…

“أفغنة” العقل العربي

الإثنين ٢٧ يناير ٢٠١٤

منذ اندلاع الثورة السورية، نسي العالم حروباً طاحنة، منها الحرب الأهلية اللبنانية "حرب الطوائف" التي بدأت في منتصف سبعينيات القرن الماضي وانتهت خلال اتفاق الطائف عام 1990، ومنها أيضاً حرب أفغانستان والسوفيت التي استمرت كذلك قرابة أحد عشر عاماً، ولكنها حين انتهت بدأت معارك ضارية بين الفصائل الأفغانية، ولم تنته رغم إنهاء "دولة طالبان" بعد دخول القوات الأميركية إلى أفغانستان، ووجود دولة جديدة اسمها جمهورية أفغانستان الإسلامية، خرجت من أتون الحرب تلعق جراحها النازفة. لم يكن هذا النسيان مبرراً لولا أن الحرب في سورية صارت أكثر شراسة وتعقيداً من كل الحروب السابقة؛ بوجود أطراف إقليمية ودولية تعمل على الأرض السورية، ولكن الأخطر هو وجود الجماعات المقاتلة التي لا تُعرف لها ذمة ولا ضمير سوى القتل وإراقة الدماء. إن "أفغنة" العقل العربي من خلال سورية اليوم هي نتاج وجود سلطة مستبدة حولتها إلى دولة بوليسية على مدى أربعين عاماً، واستفادت بعد اندلاع الثورة السورية من استقطاب "الجماعات الإرهابية" إلى الداخل السوري لتقنع العالم أنها تعاني خطر "الإرهاب"، مع أن هذه السلطة الاستبدادية هي مصدر الإرهاب والرهاب الشعبي الذي أصاب المواطن السوري اليوم. وبخلاف الأطراف الدولية في المسألة السورية، هنالك أطراف أخرى دخلت على الخط محلياً، وهم أولئك المحرضون على القتال في سورية، ولو بحثنا لوجدناهم هم أنفسهم الذين حرّضوا على القتال…

“سورياستان”

الجمعة ٢٤ يناير ٢٠١٤

مرت ثلاثة أعوام مؤلمة ـ كأنها ثلاثون عاما في الواقع ـ على الثورة السورية التي قضاها السوريون منذ اندلاع ثورتهم في 2011 في محاولة لتحقيق الإصلاح، إذ بدأت ثورتهم سلمية مدنية تبناها الشعب من كافة أطياف وطبقات ومناطق الوطن السوري، وشارك فيها مثقفون وفنانون وشعراء وصحفيون.. كل منهم كان يحلم باستجابة السلطة لنداء الإصلاح، إلا استجاب لنداءات الأطفال وأناشيد الحرية بالحديد والنار، وهذا ما كان متوقعا. النظام السوري كان ينتظر هذه اللحظة، بل إنه استعد لها منذ أربعين عاما؛ لأن النظام يدرك أنه طارئ على الشعب، وكأنه نتوء أو ورم لا بدَّ له أن يُزال في يوم من الأيام، فتحول سورية إلى جمهورية وراثية هو أمر خارق للعادة وسلبيات النظم السياسية وشكلها ولونها في العصر الحديث؛ إذ لا يشبه سورية اليوم سوى كوبا التي ورث فيها الأخ أخاه على رأس هرم الجمهورية، الأمر الذي يجعل النظام الحاكم غير وطنيّ وغير منتمٍ للأرض والشعب، ولا يستحق أن يبقى لحظة شرعياً للحظة واحدة، مهما كانت نسبة الفوز في الانتخابات "المئوية"، وإن بقي لأكثر من أربعين عاما حاكما متفردا راكبا حصان الطائفة التي لا ينتمي لها أبدا! وحين انتشرت الثورة في ربوع الوطن السوري انتشار النار في الهشيم، لجأ النظام إلى تحويل الجمهورية العربية السورية إلى "سورياستان" من خلال بيعها بالمزاد العلني لمن…

في ثقافة الاختلاف

الإثنين ٠٤ نوفمبر ٢٠١٣

في القرن الحادي والعشرين، بات العالم يعي اختلافه، ويعي وجود الاختلاف لدى الشعوب والأفراد، في التكوين الجيني، واللغات، والثقافات والأديان، ويعد الحوار أهم طريقة لقبول هذا الاختلاف، ولا يعني الحوار اسماً بديلاً لـ"إدارة المعركة"، فالرغبة في الحوار لا تتحقق من دون التخلي عن الوثوقية الفكرية والأحكام المسبقة كشرط لازم لشيوع الدرجة الدنيا من التسامح والتأكيد على الحق في الاختلاف، دون أن يكون الفرد أو الشعب نسخة مكررة عن الآخر. هنا يمكن التأكيد على أنه لا أحد يستطيع أن يفرض نفسه على العالم من حوله، إلا أن هناك من يرى أنه الأفضل، وبالتالي يعتقد أن له الحق في أن يكون وصياً على فكرة الاختلاف ذاتها، سواء أكانت هذه الفكرة متعلقة بالوطنية أو المعتقد. وليس معنى أن يكون الإنسان مختلفاً، أن يكون "أفضل" أو "أقل" من غيره؛ فالاختلاف قيمة إنسانية حقيقية ليست سلبية، ولولا الاختلاف لربما انتهت الثقافات البشرية التي يميزها التنوع والتراكم البنائي؛ فبقاء ثقافة ما فاعلة ونشيطة ومتوارثة، هو رهن بقدرة أفرادها على استثمار الاختلاف والتنوع كوسيلة للتطوير والابتكار والتأثر والتأثير الإيجابي. ولذلك لا يمكن حتى لخلايا الجسد أن تنتخب نفسها لتكون الأفضل من بقية الخلايا، وإلا تحول الأمر خللا جينيا، وبالتالي إلى مرض عضال يصعب برؤه، وبالتالي أول من يموت هو تلك الخلايا التي اعتقدت أنها الأفضل، ولذلك لا…

أين كانوا يكتبون؟

الإثنين ٢٦ أغسطس ٢٠١٣

حصلت مؤخراً على كتاب جميل صادر في نسخته العربية عن "أبو ظبي للثقافة والتراث"، وكأنه يؤصل للفكرة التي ناقشتُها في مقالي خلال الأسبوع ما قبل الماضي المعنون بـ"شقتان في باريس". هذا الكتاب الجميل الذي يحمل عنوان جميلاً: (أين كانوا يكتبون- بيوت الكتّاب والأدباء في العالم)، صدر باللغة بالفرنسية للمؤلفة فرانسيسكا بريمولي- دروليرز، والمصوّرة إريكا لينارد، ويحكي الكتاب-بالكلمة والصورة- الأمكنة عاش فيها أشهر الأدباء والكتّاب العالميين في أواخر القرن الماضي، الذين عاشوا حالة الكتابة الخالدة، وفي هذا الصدد تؤكد المؤلفة أن البيت يلعب دوراً مهماً في حياة الكاتب "لأنه يتيح لصاحبه ترتيب ذكرياته وتسكين قلقه وتحريك أفكاره... فالبيت هو مرتع الإلهام، ويغدو بالنسبة إلى الكتّاب الذين يلامسون الخيال، مادة إبداع ورمزاً يلخّص مسيرتهم الأدبية والفنية"، وتقول إنهما تجولا في أرجاء أوروبا وأميركا للبحث عن "روحية المكان" التي انعكست على الكتّاب فألهمتهم، بالإضافة إلى أغراض الأديب، وتفاصيل حياته، وذكرياته التي تمت المحافظة عليها سواء أكان البيت قصراً فاخراً أو بيتاً متواضعاً. يبدأ الكتاب ببيت الكاتبة الدنماركية (كارين بليكسون) الواقع بمحاذاة شاطئ كوبنهاجن، الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر، والذي ارتبطت به عاطفياً حتى بعد أن ارتحلت عنه إلى جنوب أفريقيا عقب انتحار والدها مستقرة في نيروبي، إلا أن الظروف الإنسانية والعاطفية الصعبة أجبرتها على العودة إلى بيت طفولتها-الذي تقطنه أمها…