وَيلٌ للمُصَلينَ

آراء

لا معنى للنصر إن لم يقترن بالفضائل.. هكذا يسرد التاريخ قصصاً حول أخلاق الفرسان وسمو النبلاء عند ملاقاة خصومهم، التاريخ يمجد شرف الجندي الذي تحكمه المبادئ في ميادين المعارك لا رغبات الانتقام الأهوج والغضب الأعمى، فضائل غابت عن فئة من الناس ناصرت الحق في مواقع الإعلام الاجتماعي بأساليب خلت من شرف الخصومة، فانتهجت وسائل ملتوية بالكذب على لسان الخصوم، فتقوِّلهم ما لم يقولوا، وتفننت في «دبلجة» مقاطع الفيديو واجتزائها لإيصال فكرة مبتورة خاطئة، وحالهم كالمستدل بقوله تعالى: «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ»، لنهي الناس عن أداء فروضه عز وجل، ومنهم من جاء بمعتوه متشدد من إحدى الطوائف وعرض قوله المتطرف، ثم عمّم كلامه ليشمل جميع المنتسبين لتلك الطائفة، وكما أن للفضيلة تاريخاً فللرذيلة تاريخ أيضاً، يحكي قبح من نصر الحق بالباطل لينال من خصمه بالبهتان ولسان حالهم يقول: غايتي نصرة الحق بغض النظر عن الوسيلة.

ومما يُروى أن أحد الكذابين وضع أحاديث كثيرة في فضل سور القرآن، فلما سئل: لماذا تضع الحديث وتكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال معتذراً: «أنا لا أكذب عليه، وإنما أكذب له».

والعلة في بُغض المُدلسين واحتقار أفاعيلهم هي في إضعافهم الحق من حيث أرادوا نصرته، فسرعان ما يرتد الكذب على أهله، ليفقد الحق بجريرتهم مصداقيته، ويُزهد في الحق وأهله لرعونة المدلسين وخستهم، ويصطف الناس بعدها مع الباطل لإخلاص أهله وطيب مسلكهم، فيكونون بذلك سبباً لخذلان الحق بفجورهم في الخصومة، وليت أولئك المدلسين قرأوا قول الله تعالى في تحريم الخمر والميسر: «فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا»، حيث علا الإنصاف بذكر النفع مقروناً بالإثم، وخطابه في آيتين منفصلتين لجموع الواقعين في ذنب الخمر بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»، فترفّع وهو ربهم، عز وجل، عن وسمهم بالفسق أو الفجور، فأي إنصاف في القول بعد هذا الإنصاف، وأي رقي في الخصومة بعد هذا الرقي، وللتوضيح؛ فكون المرء خصماً شريفاً لا يعني العفو عمن ظلم عند المقدرة بعد أن تستوي للغالب الأمور، بل هي الحكمة وقت الخصومة والأخذ بالحق في أوج المعركة.

الباحث في حال المُدلسين على مواقع الإعلام الاجتماعي سيجد أنهم فقراء حجة وضعفاء نفس، متعصبون للرأي لا للحق، ولو أنهم استعانوا بالحق في نصرة الحق لكان خيراً لهم وأصوب، غاب عنهم أن الانتصار على النفس وشرورها يكون قبل الانتصار على الخصم، قال أحدهم:‏ «إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب، فاعلم أنه معلول النية، لأن الحق لا يحتاج إلى هذا».

twitter@sndsultan