كاتب إماراتي
منذ فجر الحضارة الإنسانية كان رواة القصص يغيرون لهجاتهم وأصواتهم للدلالة على الشخصية الأجنبية أو الشريرة في قصصهم، فليس هناك أفضل من هذه الإشارة لترسيخ صورة نمطية عن شخصية معينة.
إعطاء شخصية ما في الأفلام لهجة معينة، يشطح بخيال المشاهد بعيداً عن «واقعية» العمل المفترضة، ويضيف لمسة خيال تكون مقبولة لدى مشاهد، ومرغوبة بشدة عند آخر.
الأسباب كثيرة وراء تلك اللهجات، مثلاً: هوليوود تحب التنميط، فتجعل أشرارها يتحدثون اللهجة البريطانية، أو إنجليزية بلهجة ألمانية أو سلافية أو أوروبية شرقية، خصوصاً روسية.
كما أن الكثير من الأعمال الخيالية والتاريخية، أو تلك التي لا تحدد مكاناً ولا زماناً لها، تتعرض للسخرية لو لم تكن بلهجة بريطانية.
ترمومتر التنميط في هوليوود يعكس سياسة واشنطن، ففي العشرينات والثلاثينات حتى الخمسينات، كان الشرير هو الهندي الأحمر بإنجليزيته المكسرة، بعد الحرب العالمية الثانية أصبح الشرير هو الياباني والألماني بإنجليزيتهما الركيكة وفي الستينات والسبعينات تراجع هؤلاء قليلاً لمصلحة الروسي الشيوعي الذي استمر حتى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بإنجليزية يصفها أقرانه في الفيلم بأنها بشعة!
في التسعينات والألفية تبادل الروسي والعربي والصيني أدوار الشر، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية احتل العربي الصدارة بجدارة. وصل الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000، وأغضب واشنطن كثيراً، فاستمر تنميط الروسي في المسلسلات والأفلام الأميركية.
بوصول الصين إلى المركز الأول كأكبر سوق خارج هوليوود، تراجعت شيطنة الصيني بشكل شبه كامل، إلى درجة أن منتجي فيلم «الفجر الأحمر» عام 2012، الذين صوروه بأشرار صينيين، أعادوا حساباتهم فوراً بعد التصوير، وقرروا عدم المخاطرة بخسارة السوق الصينية، فاختاروا إعادة تصوير بعض المشاهد بأشرار من كوريا الشمالية.
العربي والصيني من أوائل العرقيات التي تعرضت للتنميط في السينما، فالعربي ظهر همجياً وخاطف نساء في الفيلم الصامت «الشيخ» عام 1921، أما الصيني فظهر قاتلاً وغير جدير بالثقة في فيلم «ذا ماسك أوف فو مانشو» عام 1932، ما دفع السفارة الصينية في واشنطن إلى إرسال رسالة احتجاج تتساءل عن سبب تصوير الشخصية الصينية بهذه الصورة العدائية.
اللهجة البريطانية كانت ولاتزال الخيار المفضل لهوليوود في الشيطنة والتنميط، لأسباب تتعلق بإرثها الاستعماري من جهة وعدم ثقة كتاب الأفلام الأميركان بلهجتهم من جهة أخرى، واعتبار أنها غير كلاسيكية وبلا قيمة أو إرث تاريخي كالبريطانية.
ولعل أبرز مثال على هذا التناقض، السخرية التي تعرض لها الممثل، كيفن كوستنر، بسبب لهجته الأميركية في فيلم «روبن هود: أمير اللصوص» عندما أدى بطولته عام 1991، ثم تصحيح هوليوود تلك الغلطة عند إعادة صنع الفيلم عام 2010 بإسناد بطولته للأسترالي راسل كرو.
ختاماً: لم يتجرأ أحد على مخالفة القوانين كما فعل كوينتن تارانتينو في فيلم «إنغلوريوس باستاردز» عام 2009 عندما استفز الجمهور بمشاهد طويلة باللغات الفرنسية والألمانية والإيطالية، بدل اعتماد الإنجليزية بلهجات تلك اللغات، وفي حالة استثنائية أخرى صنع ميل غيبسون فيلم «آلام المسيح» عام 2004 باللغات الآرامية واللاتينية والعبرية.. نموذجا تارانتينو وغيبسون يعدان معالجة حقيقية وصادقة وأمينة للغات أجنبية في نص سينمائي نادراً ما نشاهدها في إنتاجات هوليوود.
المصدر: الإمارات اليوم