كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.
في الأسبوع الماضي كتبت في هذه الزاوية ما يعبر عن رؤيتي وموقفي الشخصي تجاه الوضع في البحرين، الأمر الذي لم يرق لأبناء السلطة وملاحقها فانهالت على المقال وصاحبه وكل ما يمت له بصلة بأقذع الشتائم، حتى أصبحت صفوياً تدفعه السياسات القطرية لهدم أمن واستقرار البحرين! لم تعد السلطة وسياساتها الكارثية سبباً في الأزمة، لكن كاتبا مثلي هو المسؤول الأول عن هذه العبثية التي تحكم البلاد وتدفع المنطقة إلى أتون احتراب طائفي لا تحمد عقباه، وقد قيل: من الجهل ما قتل، يضاف إلى ذلك المال والمصالح والعجز عن مجابهة الرأي بالرأي!، وسأتجاوز هذه الفئة مع تسجيل احترامي وتقديري لكل تعقيب يحاول بحث المشكلة لا شخصنتها وإلقاء التهم جزافا، وأكمل ما بدأته الأسبوع الماضي. قلت: إن الوفاق جمعية وطنية لا تشكيك بشعاراتها المرفوعة ورغبتها بتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين في البحرين، وأشرت أيضا أن الجمعية بيدها حرف مسار الطائفية في المنطقة، وقد بدا ذلك مستغربا بعض الشيء، فكيف للوفاق التي تناضل من أجل حقوق المواطن البحريني حسب رؤيتها أن تفعل هذا، وفي هذه الأوضاع تحديدا!، وهنا أريد التأكيد على أمر مهم لم ينتبه له المعلقون، الراضون منهم والغاضبون، ليس الكلام السابق ولا الحالي عن شريط فيديو ظهر فيه أحدهم يضرب الآخر، ولا عن رواية يتناقلها الناس بجهل وخوف عن شيعي سعى لقتل سني أو راية إيرانية مرفوعة، ولا عن تفاصيل مشوهة لحدث في مستشفى أو جامعة أو دوار، الحديث هنا عن المستقبل والتعايش ودولة المواطنة التي تساوي بين الناس، روايات الفيديو والأخبار مهمة وبعضها صحيح، لكنها في الأجواء الملبدة بالطائفية تأخذ حيزا أكبر مما يجب، كما أنها تُضخم ويُبالغ فيها بقصد وعن غير قصد، لذا لا أجد نفسي ميالا لمتابعة الأشرطة وقراءة التعليقات في الموضوعات المرتبطة بالبحرين، بل حاولت الابتعاد عن الملف لحساسيته فترة من الفترات، لكن الأمر تجاوز البحرين للمنطقة برمتها، وهذه مسؤولية الجميع لا البحرينيين وحدهم.
لو كنت مكان الشيخ علي سلمان لعقدت اجتماعا طارئا لطرح الأسئلة التالية، لماذا لم تنجح الوفاق في الوصول لمطالبها؟ ولماذا لم تحظ هذه المطالب –التي تؤكد الوفاق على شموليتها وعدم فئويتها– بشعبية من بقية البحرينيين؟ ولماذا لم تجد الاحتجاجات الشعبية البحرينية تأييدا عاطفيا على الأقل من شعوب المنطقة كما حظيت به الثورات الأخرى؟ ربما يجد الشيخ علي والإخوة في الوفاق من يقول لهم إن السلطة نجحت في قمعنا عبر استعانتها بدرع الجزيرة ودعم الدول الخليجية لها ونشر المخاوف من المدّ الإيراني بين أوساط السنة، وربما يندفع قليلا للحديث عن مظلومية الشيعة ويمعن في تبرير كل ما جرى وفقا لهذه النظرية، ولن تكون التبريرات –رغم صحة بعضها- كافية لفهم ما جرى، الموضوع أعقد من ذلك، ويمس مستقبل الشيعة في البحرين وباقي الدول ويمتد إلى بقية مكونات المنطقة المذهبية والدينية والعرقية.
الشعار الذي رفعته الوفاق يشمل الجميع وليس الشيعة، وهذا صحيح، وقد تحالفت الجمعية مع وطنيين من التيار القومي واليساري وأرادت تصوير الأمر على أنه انفتاح مذهبي وتعددية، وهذا غير صحيح، فالوفاق تعرف جيدا ماذا تعني كلمة السنّة ومن يمثلها وماذا تعني جمعية وعد، فالتقدميون رغم مواقفهم الصلبة والوطنية لا يحظون بانتشار وتأييد كافيين في الأوساط السنية، وهي تعرف ذلك أكثر من غيرها، ماذا تفعل الوفاق إذن طالما أن خطابها وطني وكونها منفتحة على التحالفات مع الأطياف الأخرى التي تقبل التحالف معها؟
تستطيع الوفاق أن تركن للوضع القائم، ولكن عليها أن تنتبه لأمر ما، حالة الجفاء بين الشيعة والسنة تزداد، وهناك تباين في محطات مفصلية منها احتلال العراق والثورة السورية والموقف من احتجاجات 14 فبراير، وكنا قد تجاوزنا الحرب الإيرانية العراقية ومرحلة تصدير الثورة، وما تقوم به الجماعات الشيعية ومنها الوفاق أنها تختار لنفسها بنية وجهازا تنظيميا خاصا ثم تطرح التعايش والتحالف والتآخي مع الآخر، ويحدث أن تُختطف المظلومية اختطافا فيصبح الشيعة وحدهم المسلوبة حقوقهم كما هو الحال في البحرين، ويصبح النظام الصدامي شعارا سنياً وإن لم يُصرَّح بذلك، وتكون المقاومة حكرا على الشيعة في لبنان ويُطلب من الآخرين التحالف والدعم فقط، وتكون إيران التي -لا يرى العاقلون بشيطنتها- صديقا وشريكا حاضرا في الحياة اليومية العربية وهذا ما لا يجب أن يكون، ويطلب من الآخر تخطي كل العناوين المذهبية الفاقعة للتيارات الشيعية كي يكون متزنا وعاقلا ومعتدلا في موقفه!
المشكلة الرئيسية تكمن في تكوين الأحزاب السياسية الدينية، وتصبح هذه المشكلة أكثر تعقيدا مع التيارات الدينية الشيعية على وجه الخصوص لأسباب كثيرة منها العلاقة مع إيران، وقد شاهدت الوفاق والحركات الدينية الشيعية كيف أن حالة التعايش والتسامح أوشكت على الانهيار حين استعملت أكثر من سلطة ورقة الطائفية لتعطيل حركة الإصلاح، وقد نجح الأمر وسينجح طالما أن كل طرف سياسي لا يستطيع الانضواء تحت عنوان وشعار وطني جامع بعيدا عن الخصوصيات المذهبية المنفرة، وهذه مسؤولية الوفاق اليوم التي تستطيع نظرا للطبيعة الاجتماعية المتسامحة لشعوب المنطقة، ونظرا للقبول الواسع الذي تحظى به، والمصداقية التي تميزها، أن تقوم بمراجعة جدية وجذرية لبنيتها السياسية بما يسمح للجميع تجاوز العتبة الطائفية والعمل بروح وطنية جماعية نحو الإصلاح المنشود، فنحن جميعا مظلومون بما يكفي للعمل نحو تحقيق هذا الهدف.
صحيفة العرب القطرية