الإعلامي و«المنشفة»!

آراء

مهنياً، أرفض دائماً فكرة الجمع بين صفتيَّ الإعلامي والناشط. أرفض دوماً فكرة أن يخلط الإعلامي بين النقيضين: العمل الإعلامي الذي يفترض الحيادية (قدر المستطاع) والانخراط في عمل ذي بُعد حركي سياسي. لا يمكنك أن تكون إعلامياً وفي ذات الوقت ناشطاً سياسياً. وكونك إعلامياً، فلديك منابرك للتعبير عن رأيك إن كنت مضطراً للتعبير عن موقفك الشخصي تجاه قضية سياسية أو شأن عام.

في المحاضرات التي أدعى لإلقائها على طلاب الإعلام أنبه دائماً لأهمية عدم الخلط بين القناعات الخاصة والتغطية الإعلامية. ومرة اجتمعت بفريق تحرير في مؤسسة إعلامية فقلت للفريق: دعوا مواقفكم الشخصية تجاه الأحداث الساخنة في منطقتكم خارج هذا المبنى. من أسوأ ممارساتنا في الوسط الإعلامي العربي أن فينا من يخلط بين وظائف ومواقف الناشط السياسي ووظيفة الإعلامي. ولهذا لا تستغرب وجود بعض الإعلاميين الذين تتأثر تغطيتهم للأحداث برغباتهم وآمالهم وتوجهاتهم ومواقفهم الشخصية. وهنا نفرق بين التغطية الصحفية والمقال الذي يعبر فيه كاتبه عن رأيه وقراءته الخاصة للأحداث. وتلك من أبجديات المبادئ المهنية في العمل الإعلامي. لكنها -في الغالب- مفقودة لدينا.

كثيراً ما أُسأل لماذا لا «أتبنى» القضية الفلانية لأهميتها عند قطاع ما من المجتمع. ويكون ردي دائماً إن وظيفتي كإعلامي تفترض ألا «أتبنى» أي قضية. والفارق كبير بين أن تكتب عن قضية ما أو تتبناها. وهنا واحدة من الفوارق في وظائف الإعلامي والناشط. بعض الإعلاميين العرب، مع الأسف، ملكيون أكثر من الملك في القضايا التي يتبنونها. وبعضهم يتبرع -بوعي أو بدونه- أن يصبح أداة من أدوات الحروب السياسية في المنطقة. وقد لا يعلم أن غيوم السياسة حينما تنقلع، وتعود المياه إلى مجاريها بين المتنافسين سياسياً في منطقتنا، سيبقى هذا «الإعلامي» المسكين مثل «المنشفة» المعلقة عند غسالة اليدين؛ قد تُغسل وتعلق من جديد، لمناسبة قادمة، وقد يُرمى بها في القمامة مع بقايا وليمة الصلح بين المتخاصمين المتنافسين.

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق السعودية بتاريخ (٣٠-٠٦-٢٠١٢)