بلغة أشف من الماء، وأرق من عيون الطير، وأحنى من قلب امرأة عاشقة، بلغت الغيمة شغاف القرية الصامتة، عانقت شفاها أدق من أهداب الشمس، وأرهف من خيوط الحرير، والتأم الشارع على بصيص النور الخافق من مصابيح النيون، وبدت الشجيرات اليافعة مثل أطفال غر يصطفون عند رفيف الصباح الجذل في انتظار موسيقى الأحلام اليانعة.
كل شيء في هذه القرية يبتهل لله العلي القدير، ويدعو ذي الجلال أن يطيب ثرى الشيخ زايد، ويدخله جنات الفردوس، وكل شيء في هذه القرية، كما في القرى والمدن في سائر الدولة، يسفر عن يد بيضاء، زخرفت المكان بخير العطاء، وقلب أهدى المكان أجمل معاني الحب والسخاء.
هنا في مكان الإمارات، في قرية اتكأت على بساط المودة، وأرخت ستائر الطمأنينة، هنا يعيش العالم تحت سقف السماء الزرقاء، نجومها عيون بشر تتطلع دوماً للمستقبل ببريق الثقة والأمان وثبات الأفئدة، ذاهبين إلى الحياة بعقول أصفى من بحر الخليج الأغر، وأنقى من حبات الرمل في تضاريس الإمارات.
هنا في هذه القرية، يدخل الليل في غرفة السكينة، ويضع شرشفه الرمادي، ثم يهفهف على مخدات الساكنين بتؤدة وأناة، ويقضي ساعاته مترامياً في فصول الحياة، والناس عصافير تهجع جذلة في فيحاء الكون، ونسيم غض ينسل في تلافيف القاطنين في نجود الآمال العريضة، وهم في غفوة الحلم، تضيئهم نجيمات الفرح، كونهم ينتمون إلى بلد أضاءت فضاءها بأنامل الذين يصنعون الأفراح، ويزرعون الوجدان بأعشاب العزيمة، ونخلة الإرادة الصلبة.
عندما تدخل فضاء قريتك، عندما تستقبلك بالتاريخ الطويل، وتفتح الدفاتر وتقرأ، إن هنا كان لك صديق قال لك في يوم من الأيام، إن هذه القرية تسابق الزمن في النمو، وأنها سوف تصبح عروساً عن قريب، وسوف تحتفل بيومها السعيد، وسوف تكون أنوار الزينة مصنوعة من لألأة النجوم وقلائد الذهب، من أشعة الشمس والأعلام من أجنحة الطير.
اليوم أنت هنا، وتحت وقع نثات المطر، تغدقك القرية بنثر من عبق الأيام الجميلة، تقف على الرصيف تعاين الماشين، وترقب دقات المطر، ترصد خفقات الليل، تلاحق الخيوط الرفيعة النازلة من أحشاء الغيمة، كأنها الشهد من خلية نحل، كأنها الرضاب من شفة حسناء يافعة.
في هذا الليل في كنف القرية، أنت في الحضن، وأنت في الحصن، أنت على الغصن الرطيب، مثل طير يغني للنسيم، ويهدهد وريقات السدر، ويبارك للقرية هذا النعيم، وهذا الكليم المدهش، هذا المطر، هذا الوجه الملائكي، المنعم بالبركة وحسن السيرة وبهاء المنظر.
في هذه الليلة، في هذه القرية، الأحلام تبدو مثل السحابات ممطرة وسخية.
المصدر: الاتحاد