ومن يستطيع فعلاً أن يعبر صراحة ومباشرة عن كل قناعاته وآرائه وهو يعيش في بيئة قامعة للفكر المختلف والرأي الجريء؟ أستغرب من بعض مثقفي “الإعلام الجديد” وناشطيه وهم يلومون مثقفين سوريين وفنانين لأنهم لم يقفوا مباشرة مع الثورة ضد نظام بشار القمعي من دون سؤال عن ظروفهم ومبرراتهم.
ليس صحيحاً أن كل صامت على قمع “بشار”، من مثقفين وفنانين، إنما هم من فريق النظام الظالم. وحينما تتاح لهم فرصة “الهرب” من جحيم بشار جاء من يشكك: وما الذي أخّركم؟ ولو خرجنا قليلاً من التجربة السورية المؤلمة لوجدنا أيضاً بيننا من يستنكر على المثقف أو المفكر مواقفه أو مجاملاته أو صمته. وليت الأمر يتوقف عند الاستنكار ولكن يقفز البعض إلى نتائج قاطعة من مثل “لقد قبض ثمن صمته” أو “هو عميل” أو “خائن”! يا ساتر. طيب، ألا يمكن أن تكون قناعات هذا الإنسان على النقيض من قناعاتك؟ وإن كنت أنت ثائر على كل شيء حولك، لماذا تفرض في كل من حولك أن يكون على رأيك؟ وهل نحن نعيش في بيئة مثالية، ليس فيها رقابة رسمية ولا رقابة مجتمع أو رقابة “ناشط” متسلط يحكم على تاريخك من كلمة عابرة، أو يريد عمداً أن يفهمك بطريقته هو، حتى نفترض في هذا المثقف المسكين أن يكون حاملاً لسيف الصراحة والشعارات الكبرى حتى يرضيك ويرضي كل “ثائر” حولك؟ أم أن المثقف هو الحلقة “الأضعف” في محيطك فيسهل عليك أن تصب عليه نار غضبك وإحباطك وحرجك من جبن ونفاق مواقفك؟
ما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً. وما لا يعجبك قد يعجب غيرك. فكيف تفترض أن تكون أنت وحدك معيار الحق والصح؟ وكيف تفترض في غيرك أن يقول باسمه الصريح ما تقوله أنت سراً أو خلف أقنعة الأسماء الوهمية والمستعارة؟ أم أنك قد صدقت حالك فظننت في نفسك الشجاعة وفي غيرك الجبن والنفاق… يا أبا الشجعان؟