المساعدات كدروس إنسانية

آراء

سرعة تحرك القيادة السياسية الإماراتية في الوقوف إلى جانب الأشقاء في لبنان؛ حيث لم يسبقها أحد عندما أعلنت تخصيص 100 مليون دولار أمريكي، ثم تبعها حملة إغاثية لإعطاء المجال للمشاركة الشعبية، والتي تفاعل معها الجميع، وافدين ومواطنين، هذه الاستجابة السريعة ضاعفت من الصورة الإنسانية الناصعة التي تم رسمها عن دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيس اتحادها قبل خمسة عقود مضت في أذهان الرأي العام العالمي.

ليس غريباً ذلك التحرك القيادي الإماراتي في الوقوف مع الأشقاء والأصدقاء أثناء الكوارث والأزمات والمحن، فهذا الأمر يكاد يكون سلوكاً دبلوماسياً متكرراً، بل إن الأمر لا يقتصر على الأشقاء، وإنما يتسع ليشمل كل الناس في كل مكان وبغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم وأعراقهم، وهذا يرجع لجملة من الأسباب، أهم تلك الأسباب ذلك الإرث السياسي لواحد من أعظم الزعماء الإنسانيين النادرين، وهو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الاتحاد، حيث سارت على دربه القيادة الرشيدة.

الذي أريد التوقف عنده في هذه المساعدات ليس هي بذاتها، ولا في الكمية المقدمة برغم أهمية الأمرين، ولكن في نظري الشيء الذي ينبغي التوقف عنده والتفكر فيه هو سرعة اتخاذ قرار المساعدات دون انتظار أو تأجيل.

وهذا الأمر له دلالة سياسية في الفلسفة الإنسانية لدولة الإمارات، وهي استشعار حاجة الناس أثناء الأزمة، والشيء الثاني أن تقديم المساعدات أصبح بمثابة سلوك تلقائي، وكأنها تربية زرعت في الإنسان الإماراتي، وكل من يعيش فيها.

لهذا من يتابع حركة المساعدات الإنسانية لدولة الإمارات على مستوى العالم يدرك أنها تتجاوز المثالية الدبلوماسية، وإنما هدفها الحفاظ على الإنسان وكرامته ومكانته المتمثلة في شريحة «المتعففين»؛ لذا فمن سعى للشهرة من خلال انتقاد المساعدات التي تقدمها دولة الإمارات فهو لا يدرك المعنى ولا يعي ولا يفهم، ولعل ما قدمته دولة الإمارات من مساعدات خلال فترة جائحة كورونا من مساعدات، بل من دروس وعبر توكّد ما تسعى له.

بل إن المساعدات الإماراتية في طبيعتها ترتقي لتلامس الإنسان في كل جوانبه، فهي تأتي لتلبي مختلف الاحتياجات، فهي ليست كلها غذاء، ولكنها تتنوع ما بين طبية وتعليمية وغذائية وحتى ألعاب أطفال. ولهذه المساعدات صورة محفورة لدى المتلقي بأنها تحترم إنسانيته، وتخاطب كافة حاجاته ومتطلباته، ويتأكد أنها لا تخاطب المصلحة، بل تغلب عليها خدمة الإنسان؛ لأنه الهدف الأساسي والأسمى لقيادة هذه الدولة الكريمة بعطائها والعظيمة بقيادتها وبوفاء شعبها.

الشمولية في طريقة تقديم دولة الإمارات للمساعدات الإنسانية تتمثل في حالة التفاعل الإنساني من الإنسان الإماراتي، سواء هذا الإماراتي كان مواطناً إماراتياً أو مقيماً إماراتياً بانتمائه وحبه لبلد يعيش فيه مع الآخر (المتلقي للمساعدات الإنسانية)، وذلك من خلال المساهمة بأي جهد يستطيع أن يقدمه لأخيه الإنسان في أي مكان من العالم.

وهذه النقطة قد تمر مرور الكرام على الإنسان العادي، ولكن من يدرك أبعادها الإنسانية العظيمة تستوقفه من ناحية أنها «كورس» تدريبي مجاني في إحساس الإنسان بأخيه الإنسان أثناء الكوارث والمصائب والأزمات والمحن، حيث تسيطر الأنانية وحب الذات عادة، ولكن في دولة الإمارات للمسألة جانب آخر.

هذا العرف الدبلوماسي الإماراتي بات يزرع القيمة الأخلاقية بحيث يشعر كل طرف بالطرف الآخر. فهذه القيمة هي التي نحتاجها أثناء الأزمات الحالية التي أغلبها من صنع الإنسان، والنجاح في تثبيت هذه القيمة الإنسانية ربما تمكننا وتساعدنا في التقليل من الصراعات وتداعياتها، وهذا الذي يفتقده عالمنا اليوم، فكل الصراعات سببها أن كل طرف يحاول أن يرتقي على الآخر، على عكس ما تقوم به دولة الإمارات وهو التقريب في التعامل الإنساني.

المصدر: البيان