كاتب إماراتي
ما أكثر شيء تستخدمه في حياتك اليومية؟ الهاتف الذكي. ما أكثر شيء تعتمد عليه في العمل بعد الكمبيوتر؟ الهاتف الذكي . وأحياناً نستخدمه بشكل كامل للعمل. ما أكثر أداة تستخدمها في التواصل العائلي؟ الهاتف الذكي. ومع الأصدقاء؟ أيضاً الهاتف الذكي.
أين تحفظ نسخاً من مستنداتك الشخصية؟ على الهاتف الذكي. إذن هو أداة تواصل وكمبيوتر مصغر لإنجاز العمل، وأداة لاستخدام الإنترنت، هو فعلياً بمثابة سكرتير شخصي لكل فرد، يتكوّن من عنصر واحد هو الذكاء الاصطناعي.
هذا المقال ليس باتجاه التخويف من الذكاء الاصطناعي، لكن سأوجه سؤالاً أخيراً: هل يستطيع أحد منا الجلوس في المنزل أو المكتب واضعاً هاتفه في جيبه أو على المكتب، وقلب الجهاز لحجب الشاشة مدة ساعة؟ الجواب على الأرجح هو: لا. إذن نحن نتحدث عن حالة إدمان.
جربت أن أضع هاتفي الذكي بعيداً أثناء الشحن، وجلست وحدي أقرأ جريدة كانت أمامي، متناسياً أن الجهاز بعيد عني، وجدت نفسي أحياناً وبصورة لا إرادية أضع يدي في جيبي بحثاً عن الجهاز قبل أن أتذكر أني وضعته على الشاحن وأكفّ عن التفكير فيه. بعد برهة وجدتني أحرك أصابعي لا إرادياً، كأنها تبحث عنه. ولم أعتد على بعده عني إلا بعد مرور ساعة، وهو اعتياد مؤقت طبعاً.
ما حدث أن عقلي كان يتبع نمطاً معيناً اعتاده لسنوات طويلة، ويرسل إشارات باستمرار لحثي على العودة إلى ذلك النمط بينما أنا أقاوم. وهو شكل من أشكال الصراع مع الإدمان، إذ إن للهواتف الذكية صوتاً، أو سطوة خفية، داخل الدماغ، تنادينا للعودة إلى الجهاز كلما تركناه.
الفكرة أن الهواتف الذكية ليست إدماناً من فراغ، بل هي أدوات جذابة جداً في محيطنا، وهي أكثر سلعة استهلاكاً في الدول الصناعية والنامية لا تقل أهمية عن الطعام والشراب. حتى لو وضعنا الهاتف بجانبنا أو على الطاولة وهو مغلق فإننا حتما سنصارع أنفسنا للوصول إليه وتشغيله واستخدامه، حتى ونحن نعلم أن لا شيء طارئاً أو مهماً ينتظرنا.
وهذا النوع من الإدمان يؤدي إلى الإصابة بمشكلات في التركيز والانتباه، ويؤثر في قدرة الشخص على حل المشكلات. السبب أن أي أداة جذابة تسبب مشكلات لدى أي شخص يحاول الانتباه بجانبها إلى درجة استنزاف قدرة العقل التركيزية.
قد يتصور البعض إني أبالغ، لكن تخيلوا علبة سجائر على طاولة أمام مدخن، أو كعكة أمام شخص في حمية غذائية، أو عارضة أزياء في أجمل حلة مع أشخاص عاديين في غرفة. هل يستطيع المدخن والذي في حمية والأشخاص العاديون أن يفعلوا أي شيء يطلب منهم بتركيز تام؟ مستحيل.
ختاماً: في دراسة أجريت في جامعة تكساس، قُسم متطوعون إلى ثلاث مجموعات، الأولى تركت هواتفها الذكية خارج الغرفة، الثانية أغلقت هواتفها ووضعتها أمامها على الطاولة، الثالثة غيرت الهواتف الذكية إلى وضعية الهزاز وجعلتها في حقائب بجوارهم. أعطيت المجموعات اختباراً يتطلب تركيزاً عالياً، النتيجة أن المجموعة الأولى تفوقت بشكل ملحوظ على المجموعتين الأخريين، لكن الطريف أن المخفقين لم يظنوا أبدا أن هواتفهم (عامل الإلهاء) كانت سبباً في إخفاقهم.
• حتى لو وضعنا الهاتف بجانبنا أو على الطاولة وهو مغلق، فإننا حتماً سنصارع أنفسنا للوصول إليه وتشغيله واستخدامه، حتى ونحن نعلم أن لا شيء طارئاً أو مهماً ينتظرنا.
المصدر: الإمارات اليوم