خاص لـ هات بوست:
لا بأس إن خدعوك فقالوا أن نزار قباني قال كذا وشكسبير قال كذا، مما لم يسمع به كلا الرجلين، فلن يترتب على هذه الخدع شيء يذكر، لكن أن نخدع بديننا فنُضَل ونَضِل فتلك طامة كبرى، سيما إذا ما ترتب على ذلك مواقف وأفعال تبتعد بنا عن جوهر هذا الدين وحقيقته.
خدعوك فقالوا أن من “شرع الله” أن يقيّم بعضنا بعضاً، هذا مؤمن وذاك كافر، مع أن الله تعالى قد قال في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج 17). هو سبحانه وحده من سيفصل بيننا ويقيم إيماننا.
خدعوك فقالوا أن كل من اتبع غير محمد (ص) هو كافر، مع أن الله تعالى قد قال في كتابه الحكيم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة 62).
خدعوك فقالوا أن الإسلام هو نطق الشهادتين وأداء الشعائر وفق رسالة محمد (ص)، مع أن الله تعالى قد قال في كتابه المجيد: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، فكل من آمن بالله وعمل صالحاً هو مسلم، فإذا اتبع رسولنا محمد (ص) أوتي كفلين من الرحمة {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الحديد 28)، ومن ثم يمكننا أن نفهم قوله تعالى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران 85) فالله عز وجل لا يمكن أن يخلق كل هؤلاء الناس ويضع أربع أخماسهم في جهنم، فهذا يناقض رحمته التي كتبها على نفسه ووسعت كل شيء.
خدعوك فقالوا أن الصلاة كصلة مع الله هي ذاتها إقامة الصلاة الشعائرية، مع أن الله تعالى قد قال في كتابه العزيز {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ}(الأعلى 14-15)، فكل من دعا لربه صلى، ووجد طريقه إلى الله، وكل من أدى الصلوات الخمس سيكافئه الله أفضل جزاء، وفي الحالتين هي شأن خاص، بين الإنسان وربه، لا شأن لك بها، وعلاقتك مع جارك تحكمها الأعمال الصالحة، فلا يسيء أحدكما للآخر، ولك أن تتخذ موقفاً منه إن كان سارق أو شاهد زور أو عاق لوالديه أو أي من الأعمال التي تتناقض مع القيم الأخلاقية، مهما كانت ملته أو طائفته، فالأخلاق لا خلاف عليها. أما أن تقيّم الناس على أساس إقامة الصلاة وتحكم أن تاركها “كافر” تطلق منه زوجته فذلك لم يقله كتاب الله، لك ألا تجالسه فأنت حر، لكن لا تحرض عليه أحد، فقد يأتي من يريد قتل الكفار حيث وجدهم.
وقد يجدر التذكير هنا أن التقول على الله حرام وفق نص صريح من التنزيل الحكيم {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ — وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف 33).
ما دفعني لهذا الكلام هو مشاهدة تسجيل مصور لشاب صغير، غيور على الإسلام، تزعجه أحوال المسلمين في مدينة بعينها، فيرى أن معظمهم خرج عن الملة وبالتالي “يقتل”، حكم بنفسه أن معظمهم لا يقيم الصلاة، وبالتالي وفق “شرع الله” هم كفار، هو “لم يشق عن قلوبهم” لكنه قدر ذلك، هذا الشاب عن غير قصد شوّه الإسلام، ونفّر الناس من هذا الدين، وبالتالي يمكننا فهم كيف أن أهالي الرقة في سورية ذات يوم عندما حكمتهم داعش، قد حسدوا المسيحيين، إذ دفعوا الجزية وارتاحوا، فيما اضطر المسلمون أن يتعرضوا للاستتابة عند كل شاردة وواردة.
من المسؤول عن قناعات كهذه؟ لا يمكننا اليوم أن نحاسب السلف الصالح، فهم بالتأكيد لم يتقصدوا خداعنا، إنما قد ارتأوا ما وجدوه مناسباً وفق عصورهم الغابرة، ولم يدعوننا لاتباعهم بعد قرون، لكن على مؤسساتنا الدينية اليوم أن توضح أسس ديننا الصحيح وفق ما أنزل الله في كتابه، لعل الأجيال تتناقل نسخة أقرب لما جاء به رسولنا (ص)، لا نسخة تراكمت عليها الروايات، وإلا سنواجه بين حين وآخر من يستنبط من الكتب ما يتسلط به على رقاب العباد، ويخدعهم ويقول.