تكشف الخطابات التي ألقاها الأدباء الفائزون بجائزة نوبل للآداب عن جوانب كثيرة في شخصياتهم، منها ما يتعلق بحياتهم الخاصة، ومنها ما يتطرق إلى نظرتهم إلى الكتابة والأدب، وعلاقتهم بالآخر، وموقفهم من العالم وأحداثه بشكل عام.
في الخطاب الذي ألقاه البرتغالي، جوزيه ساراماغو، عام 1998 في حفل استلامه الجائزة، تحدث صاحب رواية «العمى» بحميمية كبيرة عن جده الذي يعده سيد المعرفة في العالم، رغم أنه لم يكن يقرأ أو يكتب، ووصف حادثة وفاته بصورة مؤثرة جداً، فقال: «إنه عندما شعر بقرب وفاته ذهب إلى حديقة بيته التي تقع خلف بيته، وكان قد زرع أشجارها بيده، ومنها أشجار زيتون وتين، ثم إنه أخذ يعانق الأشجار شجرة شجرة وهو يبكي، ليقول لها وداعاً، كان يعرف أنه لن يراها مرة ثانية»، وعلق ساراماغو على هذا الموقف قائلاً: «إن رأيت شيئاً كهذا وإن عشته ولم يترك فيك ندباً إلى آخر العمر، فإنك رجل بلا إحساس».
وفي الخطاب الذي ألقاه عام 2006 في حفل تسلمه الجائزة، خصص التركي، أورهان باموق، جزءاً كبيراً من كلمته للحديث عن والده، وحقيبته التي سلمها إليه قبل وفاته بسنتين، طالباً منه أن يفتحها بعد وفاته ويقرأ ما فيها، قائلاً بخجل «لعل فيها شيئاً يستحق النشر، يمكنك أن تختار».
يكشف ذلك الموقف لوالد باموق عن الحرج الذي ربما كان يشعر به والده من رغبته في الحصول على شيء من شهرة ابنه الذي غدا كاتباً عالمياً، لذلك تجنب أن يواجه ابنه بكتاباته في أثناء حياته، وربما هرباً من رؤية الخيبة المحتملة في عين ابنه إن وجد في كتاباته مستوى متواضعاً.
أما الأديب الفرنسي الجنسية، جاو كسينجيان، الفائز بنوبل للأدب في عام 2000، فتحدث عن الأدب ببعض من الأنانية، واعتبره صوتاً فردياً «الأدب لا يمكن أن يكون إلا صوت الفرد»، وتحدث جاو بصورة كبيرة عن الأدب الصيني الذي تعود جذوره إليه، رغم حمله الجنسية الفرنسية، كما تحدث بنظرة غريبة بعض الشيء عن العلاقة بين الكاتب والقارئ، فقال «إن العلاقة بين المؤلف والقارئ دائماً هي علاقة تواصل روحي، ولا لزوم للقائهما أو تفاعلهما اجتماعياً، إنه مجرد تواصل من خلال العمل، ويبقى الأدب شكلاً لا غنى عنه من النشاط الإنساني يخوض فيه كل من القارئ والكاتب بإرادتهما، وهكذا فليس للأدب أي واجب تجاه الجماهير» (المصدر: محاضرات نوبل).
إن هذه النظرة الغريبة بعض الشيء إلى كسينجيان، الذي يتفاخر أيضاً بكرهه السياسة وابتعاده عنها، توحي بشيء من العزلة أو التقوقع على الذات في حياته، وربما كان ذلك سبباً من أسباب قلة حضوره وتأثيره في المشهد الثقافي العالمي، رغم حصوله على نوبل، على عكس أدباء مثل ماركيز وباموق وغيرهما، ممن يرون في التواصل مع البشر بكل أطيافهم ضرورة من ضروريات استمرار عطائهم الأدبي والفكري.
إن الاطلاع على خطابات الفائزين بـ«نوبل» وتأملها، أمر مهم ومفيد لمن يريد معرفة الطريقة التي يرى بها الكتاب العالميون أنفسهم والحياة من حولهم، بكل تجرد وتواضع عند بعضهم، وبتصنع كبير وتعالٍ غريب عند بعضهم الآخر.
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم