كاتب إماراتي
يحدث معظم عمليات غسل الأدمغة والتطرف للإرهابيين، في العقدين الأخيرين، عن طريق الإنترنت، بعكس عقدي الثمانينات والتسعينات. الأول شهد انتشار أشرطة الكاسيت، التي تحوي محاضرات دينية متشددة تحث على العنف، والثاني أشرطة فيديو بطلها الإرهابي الهالك أسامة بن لادن، الذي كان الوجه الأشهر على قناة الإرهاب «الجزيرة».
معظم الأشخاص، الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية، ومنهم عملية قطع رأس المدرس الفرنسي الأخيرة، تمت استمالتهم بالإنترنت. والقضاء على التطرف ليس بقرار مزاجي بحذف ملايين الحسابات، دون الرجوع إلى الجهات الأمنية واستشارتها، إنما ببث رسائل توعوية عن التعايش مع الآخر والتسامح.
على الطرف الآخر هناك حكومات، كالتركية، تستغل تلك المنصات، لتطالب بمعلومات عن من تسميهم منشقين أو إرهابيين.
القرارات الاعتباطية لعمالقة «السوشيال ميديا» لم تدقق من قبل الحكومات. مثلاً، تم تعليق حساب بـ«تويتر» يعلم اللغة الكردية، ولم تعطِ المنصة سبباً واحداً لذلك، رغم أنها أعادته في اليوم التالي.
السيناريو المرجح أن الحساب توقف، لأنه كان مستهدفاً من قبل الجيش الإلكتروني لأنقرة، الذي شكا أن الحساب يبث مواد إرهابية. وبالنسبة لتلك الدولة التي يحكمها حزب يميني فاشي «إخواني»، فإن أي شيء بالكردية يعد إرهابياً.
كل الشركات ذات التأثيرات الكبرى تخضع للتنظيم، من الفنادق إلى شركات النفط، إلى إمبراطوريات الإعلام. أما منصات «السوشيال ميديا»، التي تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار، ولديها مليارات المستخدمين، فيجب أن تخضع للتنظيم هي الأخرى.
سمحت الظروف لتلك الشركات بالنمو، حتى باتت اليوم تسيطر على معظم منافذ المعلومات في العالم. وأصبح بإمكان مدير تنفيذي لدى منصة «تويتر»، أو «فيس بوك»، أن يحجب حساب رئيس دولة آسيوية، أو إفريقية، أو حتى أوروبية صغيرة، دون الرجوع إليه، وحتى حساب رئيس أقوى ديمقراطية في العالم تعرض للتدقيق.
بشكل عام، تقبل العالم تدخل «السوشيال ميديا» لإيقاف المحتوى غير الآمن، لكن تدخلها ضد خبر «نيويورك بوست» كان نقطة تحول، تم تجاهلها في المجتمع الصحافي، لأنها تتفق مع الإعلام اليساري الأميركي، الذي لا يرى في قضية إيميلات ابن بايدن أي بعد فضائحي، خصوصاً أن «نيويورك بوست» محسوبة على اليمين، وحلفاء ترامب بشكل خاص.
قد تكون لتلك المنصات مخاوف مبررة، وهي خشية التلاعب بالحقائق، قبل موعد الانتخابات الأميركية، والتأثير في الناخبين، وهو خوف مبرر لو كانت المعلومات من حسابات غير معروفة، وليست من صحيفة شعبية.
ولإبراز دليل إضافي على أن القرارات اعتباطية، فـ«تويتر»، مثلاً، وضع تنبيهاً على الحسابات الروسية، أنها تابعة لجهات حكومية، لكنه لم يفعل الشيء نفسه مع الحسابات التركية والقطرية والإيرانية، وهذا ما يضع المستخدم والمراقب في حيرة.
قرار إعاقة نشر خبر «نيويورك بوست» سيبقى نقطة تحول في تاريخ «السوشيال ميديا»، وسيؤثر في المؤسسات الإعلامية، والصحافيين الذين يغطون محتوى حساساً، والذين سيفكرون ألف مرة قبل نشره على تلك المنصات، خشية الحجب لأسباب غير واضحة أو اعتباطية.
الصحافي الذي يحصل على تسريبات من مصادر موثوقة، وهو عُرف صحافي معمول به منذ عقود، قد يقلق من إمكانية التدقيق فيها من قبل الطرف الثالث المزعوم لدى تلك المنصات، التي لن تنظر إليها كحقيقة، بل كمعلومة غير موثوقة.
المصدر: الامارات اليوم