كاتب إماراتي
الأخبار بمختلف صيغها، المكتوبة والمرئية والمسموعة، مثل أي منتج مطلوب الإقبال عليه وقراءته. يجتهد معدّو الصيغة المكتوبة في جذب القراء باختيار موضوعات تهم الناس وعناوين جذابة، أما المرئية فترى المذيع مثلاً يطلب منك استمرار البقاء معه من خلال العبارة الشهيرة: نعود بعد الفاصل.
حتى يعود المذيع من الفاصل يحدث شيئان: إما أن يبيعك إلى المعلن أو يخسرك لمصلحة قناة أخرى. إذاعياً الوضع لا يختلف كثيراً، فنسمع العبارة نفسها بصيغة أخرى: فاصل ونواصل، وإما أن تباع إلى المعلن أو تفلت، ربما تعود لاحقاً أو لا تعود، هذا يعتمد على قوة المحتوى.
في الصيغ الثلاث يتعرض المعدون لضغوط حتى يجدوا طريقة تجعل القارئ أو المتلقي يتابع باستمرار، أو بكلمات أخرى المطلوب هو إدمان الجمهور. دخلت وسائل التواصل الاجتماعي (سوشيال ميديا) على الخط، وخطفت أكثر من نصف الكعكة، وهي مبرمجة على خلق حالة إدمان للمستخدم، وفي هذه الحالة تلك الوسائل أقوى بأضعاف مضاعفة من الوسائل التقليدية لأنها تمنح المستخدم ميزة التحكم.
أعرف أني لم أقدم جديداً حتى الآن، لكني سأنتقل إلى الجهة الأخرى من المعادلة حتى تتضح الصورة أكثر، نحن نواجه مشكلة في طريقة استهلاكنا الأخبار.
• على الرغم مما يحدث في العالم من مآسٍ لم تعد الأخبار تعني شيئاً من كثرة التكرار وتكرار التكرار.
أولاً، سرعة وصول الخبر انتقلت من 24 ساعة إلى «يحدث الآن» بمختلف الصيغ.
ثانياً، كلفة إنتاج الخبر في انخفاض مستمر بسبب التطورات التقنية، المستخدم ليس بحاجة إلى صحيفة حتى يصله الخبر، هناك مواقع تواصل تسرق أو تنقل أخبار الصحف وتنشرها، والنتيجة موضوعات ضحلة وأسلوب غير فصيح، ومهما قرأت فلن تتعلم شيئاً على المدى البعيد.
ثالثاً، على الرغم مما يحدث في العالم من مآسٍ لم تعد الأخبار تعني شيئاً من كثرة التكرار وتكرار التكرار، أصبح الرعب الحقيقي أن تنظر إلى شاشة هاتفك الذكي فترى عشرات الرسائل والتنبيهات تملأ الخط في أعلى الشاشة، ولأنك مدمن ستفتحها كلها وسيكلفك ذلك 20 دقيقة من وقتك الثمين.
رابعاً، أنت جالس أمام الشاشة ترى المذيعة مثلاً تقرأ لك الأخبار واحداً تلو الآخر من سورية وأفغانستان و«شريفة» وترامب، ثم تسمع: «ابقوا معنا بعد الفاصل»، هذه العبارة ترن في عقلك، ويأتي صداها إليك بترجمتها التي تقول: لدى المذيعة المزيد لتخبرك به، وهذا كله على حساب قدرتك التركيزية التي يقول العلم إنها لا تتجاوز 40 دقيقة قبل «السوشيال ميديا»، أما بعدها فهي 15 دقيقة فقط.
خامساً، التشبع من الأخبار يتسبب في حالة تسمى اختطاف العقل، يعني أنك من شدة الإغراق فقدت التمييز بين ما هو مهم وما ليس مهماً.
ختاماً: معظم ما نقرأه اليوم بسبب دخول «السوشيال ميديا» على الخط واستحواذها على حصة الأسد، ليس مهماً، وسننساه الأسبوع المقبل، ليس له أثر مباشر في حياتنا، ولن يؤثر في صنع قراراتنا الشخصية أو حتى يساعدنا على فهم العالم. لن يطور أو يحسّن ويعمق علاقاتنا بأصدقائنا. الشيء الوحيد الذي يحدث هو تدمير المزاج وتغيير السلوك. الحل قد يكون في اختيار صحيفتكم المفضلة والتركيز عليها، على الأقل ستتذكرون أين قرأتم خبراً مهماً.
المصدر: الإمارات اليوم