مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
زرت جمهورية التشيك ثلاث مرات في أوقات مختلفة من السنة، أعجبتني براغ في الشتاء وعشقتها في الصيف أكثر رغم حرارتها وزحامها، مدينة تضج بالتاريخ والأمجاد وتختال كعروس حلوة تجر ذيل ثوب عظيم حاكه التاريخ وطرزته يد الأيام بالقلاع والقصور والمتاحف والطرقات الملكية، لكن براغ – هذه المدينة الجميلة الفاتنة فعلاً – كانت تخبئ وجهاً آخر لم أعرفه في المرات السابقة، كان وجهاً لم يترك في نفسي سوى الكثير من الأسئلة، محاولة أن أتجنب السقوط فيما هو أسوأ!
لقد بدت العنصرية المقيتة واضحة تماماً في سلوكيات الكثير من سكان المدينة، العنصرية بكل ما ينتج عنها من تعبيرات الكراهية، ومحاولة الإيذاء اللفظي وأحياناً الجسدي، التجاهل، الإلغاء، الإقصاء، الإهانة المتعمدة وغيرها من الإشارات، هذه العنصرية التي صارت توجهاً فكرياً وسلوكياً تفشى بين سكان الأرض في السنوات الأخيرة بعد أحداث تفجير برجي التجارة في نيويورك 2001، كان من الصعب إخفاؤها!
في المجر، وضعت مصورة صحفية ذات يوم قدمها لتعرقل لاجئاً سورياً كان يحمل طفله محاولاً الهرب من هراوات الشرطة، لكنها بعنصرية مقيتة وبشعور خالٍ من الإنسانية وضعت قدمها وأسقطته، يومها أسقطت تلك المصورة كل الحواجز التي كان يختبئ خلفها كثيرون من أبناء جنسها، وبعدها ظهرت أحزاب وتنظيمات متطرفة تشتغل على قاعدة العنصرية في العديد من دول أوروبا!
أن يسير العالم قدماً نحو التقدم والتطور مالم يمشي حثيثاً باتجاه إنسانيته، وذلك ببذل الكثير من الجهود للتخلص من الكراهية والشوفينية، ونسيان أحقاد ومآسي الماضي، ذلك أن الماضي معبأ بالأخطاء، ولا يحتاج المزيد منها، عن نفسي لمست بقلبي وبوعيي وبكامل أحاسيسي كل مشاعر العنصرية ضدي كامرأة مسلمة محجبة، كان ذلك في فندق الخمس نجوم، ولدى سائق التاكسي وموظفة التذاكر في محطة القطارات، ونادلة المطعم وحتى موظف حمل الأمتعة، كانوا كأنهم جميعاً ينتمون لتيار النازيين الجدد الذين يرون في العنصرية حماية لهويتهم الثقافية في وجه هذا الآخر القادم من خلف الأفق ليهددهم أو ليقضي عليهم، كما يقول لهم إعلامهم صباح مساء!!
ربما سيخسر هؤلاء كثيراً في ميزان الاقتصاد والسياحة، لكن الحقيقة أن الإنسانية ستخسر أكثر وستذهب أكثر نحو التوحش، وهذا ما نبهنا له مراراً في مواجهة خطاب وفعل الكراهية والعنصرية الذي تبنته التنظيمات الإرهابية في بلاد المسلمين، وعلى رأسها «داعش» ومن يدعمها!!
المصدر: البيان