عندما يخذلك زمانك في صديق فإن وعاءك ينكسر ولا تستطيع حمل وقود حياتك لا تستطيع أن تضع يدك في وعاء مثلوم لأنه قد يجرحك، وينسفح الدم من فؤادك المجروح، فتشعر بضياعك، حيث يراعك قد تلوث، ونهرك الذي كنت تجلس عند ضفته قد جف ماؤه، وتشققت الأرض حتى صارت يباباً وصرت أنت خراباً، والحياة جافلة حافلة بأحداث مريرة وسقيمة وعديمة، وكلما عدت إلى التاريخ وجدته مجرد أوراق صفراء عجفاء، طوت سجلها من زمان بعيد وبقيت وحدك تلثم الهواء الملوث، مثلما تفعل فراشة تائهة وسط الضباب.
لا تثق كثيراً، فكثير من الوجوه تبدو ناصعة بفعل المساحيق ولكنها تخبئ تحت الجلد نفايات التاريخ، وغضونه، وشجونه، وشؤونه التي لا تليق بأخلاق البشر، فأنت عندما تكون في حضرة المزاج الرائق والنفس المطمئنة تظن أن السماء الزرقاء سجادة من حرير أزرق، فترفع بصرك إلى الأعلى وأنت في غاية السرور، والحبور، وما أن تولي وجهك إلى السكينة فإذا بالسماء تنبري وحشاً ضارياً يقصفك بجحيم الريح الصرصر، فتفتح عينيك، حتى تمتلئ بالغبار، ويبدو فمك مثل طبق معدني لسعته شمس القيظ اللاهبة، تبدو أنت ساذجاً إلى درجة الغباء الفاحش، فتصرخ لا، لا، هذا يكفي ولكن الصديق الذي غدر يصبح مثل الموجة العارمة لا يكتفي بلطم سواحلك بالغضب، لا يكتفي بصفع أحلامك حتى تذبل، وتبدو مثل ورقة لوز أطاحت بها أجنحة العصافير المستهترة، وأوقعتها على رمل الإهمال.
لا تثق كثيراً وكن واعياً للأشياء التي تختبئ في معطفك، لأنها الأخطر، والأكثر مراوغة من غيرها التي تبعد عنك كثيراً هكذا تعلمنا دروس الفصل الأول الابتدائي في مدرسة التفكير الجاد، وهكذا نتعلم من الخبثاء لأنهم أنجح مدرسة تقودنا لأن نتهجى حروف الكلمات التي تنطق بلسان أشبه بخيط معدني سام، وهكذا تبدو كل العيون التي تخبئ تحت جفونها شظايا حارقة فما أن تلمس جسدك، تحوله إلى لحم مشوي، تفوح منه رائحة جريمة نكراء، بطلها كائن بشري امتهن لعبة الاختباء خلف سحابة حمضية قاتلة، ولا مفر من الخذلان طالما أنت ارتضيت أن تكون الضحية، وقبلت بأنصاف الحلول مع صديق لا يكفيه نصف الرغيف وهكذا تكون نهاية كل من يثق على اعتبار أن الثقة هي تعبير عن قوة الشخصية.
فلا تقع في الخدعة، وكن في الحيرة من كل أمر، وكل صديق، فالحيرة طريقة إلى النجاة من منتحلي البراء، والعفوية، والعفاف.
المصدر: الاتحاد