ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

لِمَ يخاف الإعلاميون من «A.I»؟

آراء

دبي تجمعنا كل عام في عرسها الإعلامي الجميل، طارحة الجديد والمختلف والمدهش، وتجمعنا برؤوس إعلامية من الوطن العربي والعالم، وهو أمر امتد إلى 21 عاماً من ريادة الفكرة، ونضجها وتطورها وسباقها نحو المستقبل وآفاقه المفتوحة على كل الاتجاهات والأبعاد، وهو جهد وتعب مضنٍ واستمرارية في التجديد من قبل فريق الزميلة «منى المري»، لكي يواكب إعلام دبي أحلام المدينة الكونية دبي، في نهار يوم الملتقى الأول، فرحت بفوز «د. محمد الرميحي» بجائزة «شخصية العام الإعلامية» فمثله وبعطائه الذي امتد قرابة الأربعين عاماً وتزيد في الحقل الإعلامي والصحفي والبحث الاجتماعي والأكاديمي، لا شك أنه أهل لها، وهي فرحة وإن جاءت متأخرة، فإنها من التي تبرّد القلب، وتروي الجوف، فهي مستحقة من قبلُ ومن بعدُ، وفرحت أيضاً للالتفات لكاتبة عربية، متميزة في طرحها ومواضيعها وقلمها، هي «د. سوسن الأبطح» بنيلها جائزة أفضل كاتب عمود، للزميلة العزيزة، أقول: إن الأعمال الجميلة لا يمكن أن تضيع هباء، وإن تأخر الشكر، لكنه يصل، وهو خير من ألا يصل.

تلك ربما هي مقدمة واجبة وضرورية للأشياء التي تفرح في الحياة، تقديراً للعاملين في هذا المجال الإعلامي الشاق، والذي يعده بعضهم عملاً مريحاً، مبهرجاً بالأضواء والأشعة العاكسة لكاميرات التصوير، وهو في حقيقته أشبه بالمشي في حقل ألغام أو مثل لاعب السيرك الذي يمشي متوازناً على حبل، دليله فقط تلك العصا التي لا يعرف أيمسكها من الوسط أم يرخي أم يشد؟

لكن ما لفت انتباهي خلال ذلك الملتقى الإعلامي، ذلك الخوف الوظيفي، والرعب الذي يجتاح قلوب الزملاء الإعلاميين مما يسمى الذكاء الصناعي أو «A.I»، وكأن الإعلاميين اليوم مخلدون في مواقعهم، فالمذيع خائف من إزاحته من موقعه، والصحفي مرتعب من ذلك الجهاز الذي يعد أذكى منه، وبلا أخطاء يرتكبها إملائية ونحوية ومعلوماتية، وبإمكانية الصف والتصحيح والتصوير وحتى إخراج الموضوع وتركيبه على «ماكيت» الجريدة في أقل وقت ممكن، وعلى أكمل وجه، رأيت تلك الرجفة، وذلك الهلع من المذيعات الجميلات المتجملات، وما يمكن أن يشكله ذلك التقديم من قبل مذيعة الذكاء الصناعي، والتي لا تكلف المحطة ثمن علبة مكياج مذيعة أرضية، ولا ربع مزاجها، ولا خوفها المستمر من تقدم العمر بتجارب في عمليات الرتق والفتق والجبر والتكسير، ولا كثرة شكاويها من حسد فلانة، ومضايقات فلان في المحطة، حتى إن بعض ممثلي الدراما كان الخوف ساكناً في عيونهم، لأن ممثل الذكاء الصناعي يمكنه أن يبكي كل وقت، وبالإحساس نفسه، ويمكنه أن يضحك بعدها إذا ما تغير الوضع الدرامي، ويمكنه أن يقلد صوت أي ممثل، وبنبرات ربما أكثر صدقاً، ولا يحتاج على إعادة المشهد عشر مرات، كل من رأيتهم من زملاء الإعلام ومهنة المتاعب في الملتقى الإعلامي، رأيت ذلك الوجل في نفوسهم، وكأنهم ينعون أنفسهم، وأنهم سائرون إلى الزوال بسبب ذلك الذكاء الصناعي الذي يهدد كل المهن، بدءاً من سائق السيارة إلى الموظف الأمني إلى المحاسب وسكرتارية المدير، والطباخ، وانتهاء بالقائمين على الإبداع الإنساني، فالمصور وكاتب السيناريو والمؤلف الموسيقي وغيرهم من ذوي الأعمال الفنية، قادر الذكاء الصناعي أن يحل بديلاً جديداً عنهم. والحقيقة لقد فاجأتني الممثلة الجميلة والذكية والمثقفة «ياسمين صبري» بحضورها وتلقائيتها، وتمكنها وربما هذا مردّه لخلفياتها الصحفية والإعلامية، ولأنها من مدينة الإسكندرية المفتوحة على بحار العالم، والتي تثبت أن جيلاً من الممثلات العربيات ليس فقط «باروكة، وبحبك يا حبيبي، وامتى حتيجي تخطبني من أهلي»! فالتحية واجبة عليّ لجهلي.

دبي مدينة الجميع.. وتهنئة بالانطلاقة الجديدة لإعلامها وقنواته المختلفة، والتي تعد رافداً لإعلام الإمارات، وتزامناً مع انطلاقة الإعلام في العاصمة الجميلة أبوظبي.

المصدر: الاتحاد