للأديب الألماني، باتريك زوسكند، قصة قصيرة عنوانها «الصراع»، بحسب الترجمة العربية لها، وتحكي عن شخصين يلعبان الشطرنج، أحدهما اسمه جان، وكان الجمهور الحاضر لمشاهدة تلك المباراة منحازاً إلى جان في التشجيع، وفي بداية إحدى فقرات القصة في الترجمة، نقرأ العبارات التالية التي تصف حال ذلك الجمهور: «خلال النقلات الأولى كانوا يصرخون: احذر جان، احذر. جاءك الموت يا تارك الصلاة».
والمثل الأخير عربي، لا علاقة له بحسب معرفتي بالمجتمع الألماني أو الأوروبي أو غيرهما، ولم أجد هامشاً توضيحياً من المترجم أسفل الصفحة التي ورد فيها المثل بالقصة، لتوضيح إن كانت الجملة بتصرف منه، ومن الواضح أنها إضافة من المترجم.
أما في قصة «الحمامة»، لباترك زوسكند أيضاً، فنجد في الترجمة العربية أيضاً، في الفقرة التي يصف فيها المؤلف ذكريات البطل عن لقاءاته السابقة مع أهل البناية التي يسكن فيها، متذكراً الحوار الذي كان يدور بينهم في العادة، النص الآتي: «ذلك التراجع المتبادل والتقدم من جديد، تلك المجاملات المتبادلة الطارئة: تفضل أنت، أنت أولاً، لا، لا والله بعدك سيدي الكريم، أنا لست مستعجلاً».
شككتُ لوهلة أن سكان البناية من العرب الأقحاح، فجملة مثل «لا والله بعدك سيدي الكريم» بحسب علمي لا وجود لها أيضاً عند الغرب.
وقرأت أخيراً رواية مترجمة اسمها «الباب الأزرق»، للكاتب الجنوب إفريقي، أندريا برينك، وفوجئت في إحدى فقراتها بما ورد على لسان زوجة بطل الرواية حين قالت له: «ديفيد، لأجل خاطر ربنا لا تقف هذه الوقفة وتعال اعمل حاجة معي». أعدت قراءة صفحات الرواية التي سبقت مقولة تلك الزوجة للتأكد من أنها غير عربية، ولم أجد أي إشارة إلى ذلك، ما يعني أن الصياغة التي وردت على لسانها كانت من إضافة المترجم لا أكثر.
هل يعتقد المترجم في مثل هذه الحالات أنه يقدم خدمة للقارئ وللترجمة وللعمل الأصلي؟
ترى، ما الحدود المسموح له بالتصرف في إطارها عند ترجمته عملاً ما؟
وهل له حق الرقابة والوصاية في أثناء عمله على ذلك؟
قرأت عدداً غير قليل من الأعمال الأدبية المترجمة إلى العربية، ووجدت أن بعض المترجمين أمناء في ترجماتهم إلى درجة وضعهم هوامش لبعض الكلمات أو العبارات لتوضيح دلالتها في بيئتها أو لغتها الأصلية، وذلك في الحالات التي لا تسعف معها الترجمة في نقل دلالتها أو معناها الحقيقي.
لكن ما فائدة قراءة عمل مترجم لا ينقل إلينا ثقافة المجتمع الذي كتبت أحداثه فيه؟
إن قراءة الآداب المترجمة عن لغات ومجتمعات وحضارات أخرى، تسهم من دون شك في فهم الآخر ومعرفة ثقافته وطريقة تواصله مع غيره، وليس من حق المؤلف إضافة عبارات عربية «يكاد بعضها يكون عامياً»، ليقنعنا أنها جزء من القصة أو الحدث أو لغة أقوام غير أقوامنا.
قليل من التأني والتبصر أيها المترجمون، فأنتم تقدمون بترجماتكم خدمات جليلة إلى القارئ، والترجمة أمانة وليست وصاية.
المصدر: الإمارات اليوم