كاتب إماراتي
يعاني العالم العربي بوجه عام تراجعاً حاداً للإعلام الهادف، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة التي شهدت تدفقاً مرعباً لبرامج غربية معرَّبة، هدفها الأول الترفيه ليس إلا، وإبراز أفضل مذيعي العرب تقليداً للغرب. لسنا من أولئك المتخوفين من كل ما هو غربي، لكن لا نرى من البرامج سوى عملية استنساخ تعكس كسل منتجيها عن تطويرها وإضافة الجديد إليها.
محلياً، وباستثناء البرامج الصباحية الجيدة التي تناقش هموم الناس وتحاول المساعدة في حل مشكلاتهم، فقد شدّت إذاعة واحدة انتباهي، وهي إذاعة الأولى التابعة لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث. إذاعة الأولى مختلفة تماماً، إذ اتخذت لوناً خاصاً بها، وهو اللون التراثي، مع التأكيد والتركيز على أنها إذاعة شباب. الإذاعة تعكس رؤية واهتمام سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، بمسألة ضرورة حماية التراث والاستفادة من قوته، ونقله إلى الأجيال الحالية والقادمة.
إذاعة الأولى فريدة جداً من نوعها، وتأتي في وقت مهم تقدّم نفسها خياراً بديلاً جيداً، وتأتي في وقت انجراف الشباب خلف تقليد كل ما هو غربي، فهي تمثلهم وتحتضنهم، وتشكل البديل الإعلامي والثقافي لهم.
برامج الإذاعة متنوعة، فهناك البرامج الحوارية التثقيفية الاجتماعية التربوية والفكرية الجادة، مثل «الرايح» الذي تقدمه الإعلامية سماح العبار المتميزة صوتاً وحضوراً وأسلوباً، من خلال طرح قوي ومهارة حوارية احترافية، واطلاع كامل على خلفيات الموضوعات، ما يعكس مزيجاً من الخبرة والثقافة الضروري تواجدهما لدى أي إعلامي.
ويناقش «الرايح» مختلف القضايا التي تهم المجتمع من قبل ضيوف، هم أساتذة وخبراء لهم ثقل في مجالات عملهم. البرنامج كذلك يقدم العديد من النصائح التي قد تهم وتثقف الفرد والأسرة والمجتمع، ويجيب عن الكثير من الأسئلة، ويُعَد مرجعاً اجتماعياً وتربوياً.
هناك برامج أخرى، مثل «للشباب راي» الذي تقدمه المذيعة أثير بن شكر، و«حياك في بلادي» ويقدمه خليفة الفلاسي، والعديد من البرامج الأخرى لكوكبة من الإعلاميين الإماراتيين المتميزين، أمثال ثاني جمعة بالرقاد وحصة العسيلي وأحمد البدواوي، وغيرهم. ما يلفت الانتباه في إذاعة الأولى قدرتها على صنع خطاب إعلامي مميز، من خلال وضع التراث في قالب محدث وتقديمه للشباب.
الحقيقة أنني اخترتُ الاستماع إليها من أجل التجربة فقط، وعندما سألتُ عنها، كل ما قيل لي إنها إذاعة تراثية، لكن بمجرد ضبط مذياع سيارتي عليها لم أستطع التحول عنها، لما لها من أسلوب متفرد في إيصال المعلومة وتثقيف الجمهور، سواء المواطن أو المقيم، بالتراث المحلي. والحق يقال إن الاستماع إليها مدة شهر فقط سيثري المعلومات العامة لأي مستمع.
بين البرامج هناك مقاطع صوتية قصيرة نسمع من خلالها نصائح في السنع أو (الإتيكيت) تساعد الشخص على فهم خصوصية المجتمع الإماراتي، وتهذيب السلوك العام بمكارم الأخلاق التي عُرف بها المجتمع الإماراتي. الإذاعة كذلك تسهم في إثراء المفردات التراثية لأي شخص مهتم بتعلّمها.
آخر الكلام: إذاعة الأولى تستحق أن تكون قناة تلفزيونية، فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه المحطة التي ستسهم في نشر الثقافة التراثية المحلية داخلياً، وتعريف العالم الخارجي بها، خصوصاً أن تراثنا الوطني هو جزء من التراث العربي والإسلامي.
المصدر: الإمارات اليوم