الأربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٣
في السياسة كما في الطب كما في كل مجالات الحياة، عندما يواجه الإنسان أو الدولة مشكلة فإن أولى خطوات العلاج التشخيص السليم، فعندما يخطئ يدخل في متاهات قد لا يكون لها آخر، وإذا جاء هذا الآخر فقد يكون كارثة. النظام القطري يشكل -بلا أدنى شك- مشكلة (عويصة) لدول مجلس التعاون حاولت علاجها مرارًا، وكانت تفشل في ذلك، وظلت المشكلة تكبر وتتفاقم، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وقد أصبحت مشكلة لأن مشروع النظام القطري يختلف عن مشروع دول الخليج، أو على الأصح يهدده في الصميم، فدول مجلس التعاون مسالمة لأسباب ليس هذا مجال بحثها الآن، تريد (الفكة) أما النظام القطري فله مشروع طموح، وهو ليس مشروع دولة أو مشروع مجتمع بل مشروع زعيم طموح يريد أن يبني له منارة عالية من المجد مثل منارات بعض الزعماء، وكان واضحًا منذ السنوات الأولى التي استلم فيها الشيخ حمد السلطة في بلده أنه يخصص زاوية صغيرة من عينه للداخل القطري، أما البقية فيفتحها على الشارع العربي بكل اتساعه. الشيخ حمد ذكي بلا شك، ولديه ثروة يستخدمها كما شاء، مع سلطة مطلقة، ولديه وزير خارجية موهوب، وتقع دولته الصغيرة في كنف المملكة التي هجرت النزعة الهجومية منذ زمن بعيد وأصبح كل طموحها أن تدافع عن حدودها وسيادتها على أراضيها، وإضافة لهذا فقد جَرّ…
الأربعاء ٠٩ يناير ٢٠١٣
بعدما تسيّدت التيارات الدينية وعلى رأسها الإخوان المسلمون، الشوارع السياسية في الدول العربية التي هبت عليها رياح التغيير القوية (تونس، ومصر، وليبيا، والمغرب) على ذلك النحو اللافت، لم تستوعب كثير من الأقلام ما حصل فكتبت تبرر تلك الحالة الغريبة على فهمها أو ربما على رغبتها، فبعضها انحرف قليلاً عن المنطق السليم، وبعضها كان انحرافه شديداً يجعل رأسك وأنت تتأمل ما قال متجهاً إلى أقصى اليمين بـ(180) درجة، مما يجعلك تشعر بألم الرقبة الشديد، إذ وجدنا من رأى أن هذه الرياح التي هبّت ما هي إلا رياح تآمرية جاءت بالإخوان والتيارات الدينية الأخرى على صهوتها نتيجة اتفاق مع الدول الغربية المتآمرة، وبعضها أبعد النجعة فأعطى قطر دوراً كبيراً في هذه (العواصف التآمرية). قريب من هذا المنطق قرأت بعض المقالات التي كتبها بعض الإخوة في صحيفتنا «الشرق» (المنفتحة على كل الآراء) حول المسألة القطرية خاصة بعد الضجة التي ثارت بعد إعلان الإمارات القبض على مجموعة تخريبية متعاونة مع الإخوان، وعلى الرغم من أني مقتنع أن فكر الإخوان ونهجهم ومشروعهم ومعهم التيارات الدينية الأخرى التي تسيّدت الشارع السياسي العربي الآن من الصعب أن ينجح ويستمر طويلاً في تسيّد المشهد السياسي، وأن مصر بالذات بإرثها الثقافي والفني والحضاري الكبير أكبر من أن يحكمها الإخوان لفترة طويلة.. أقول على الرغم من ذلك فإني مقتنع أيضاً…
الإثنين ٣١ ديسمبر ٢٠١٢
لاشك أن طبيعة العلاقة بين المواطنين والأسرة الحاكمة ومدى متانتها أو ضعفها لها تأثيرٌ في عملية التطوير السياسي، لكن ما قصدتُه من ذلك هو محاولة معرفة حجم إلحاح هذه العلاقة من الناحيتين العاطفية والأخلاقية على عملية التطوير وفاءً بمستحقات بين طرفين بينهما علاقة في ظلّ مخاطر تتهددهما معاً. بصراحة تحديد مستوى هذه العلاقة أمرٌ شائك، إذ لا توجد إضاءات قويّة كاشفة يمكن الاستناد إليها بالاطمئنان الكافي، لكن توجد مؤشرات يمكن الاستعانة بها، وحتى هذه المؤشرات نجدها تتناقض أحياناً وتتراوح بين القوة والضعف. عندما أنظر وأنا أحاول تحديد مدى قوة العلاقة أو ضعفها إلى ما يُنشر في وسائل الإعلام التقليدية (الرسمية وغير الرسمية) وعلى ما يُقال في المجالس الرسمية، أجد أن هناك ثناءً كثيراً متبادلاً ووداً كبيراً واضحاً مما يفصح عن علاقة متينة إلى حدٍ بعيد، ولكن عندما أنظر إلى ما يُنشر في المواقع الإلكترونية وإلى ما يتمّ تبادلهُ في المجالس غير الرسمية أجد انتقاداً يكون شديداً أحياناً، لا أقول متبادلاً ففي هذا الجانب لا يمكنني الاطلاع إلا على الجانب المتعلّق بالمواطن، وهذا الانتقاد يتركّز على أمورٍ من أبرزها الحيازات الكبيرة للأراضي، وبعض الجوانب الاقتصادية، والمبالغ الضخمة لتكاليف بعض المشروعات الكبيرة والهيبة الكبيرة التي تؤثر في مبدأ تكافؤ الفرص، والاستئثار بكثير من المناصب المهمّة والاحتفاظ بها سنواتٍ عديدة، وبصرف النظر عن…
الخميس ٠٦ ديسمبر ٢٠١٢
عندما تفجرت الأزمة المالية العالمية عام 2008م، وبدأت بعض البنوك العملاقة، وبعض شركات التأمين الكُبرى، وبعض المؤسسات الشهيرة، تتهاوى على ذلك النحو السريع اللافت، كانت شركات الطيران هي الأخرى تُواجه الصِعاب الشديدة، فبعضها أفلس، وبعضُها ظل يمشي وهو يعرج، وكان لافتاً آنذاك أنه في ظل ذلك الوضع الاقتصادي السيئ على مستوى المؤسسات، وعلى مستوى الأفراد، برزت شركة طيران جديدة، فاستطاعت أن تبدأ العمل، وتلفت الانتباه، وتصمد وتنجح وتواصل الصعود، وأتذكر أن إحدى شركات السياحة أقامت آنذاك حفلاً تكريمياً لها، وفي الحفل سُئل رئيسها عن السر الذي مكّن الشركة من معاكسة التيّار بنجاح، فقال لهم اسألوا الراكب. الأمر بالنسبة لصحيفة «الشرق» أغربُ من ذلك بكثير، فبالإضافة للمصاعب المالية على كل المستويات كان كل راكبٍ عندما بدأت الشرق نشاطها يستطيع أن يفتح «اللابتوب» أو حتى «الموبايل» ويسحب منه جناحين فيرتديهما ويطير بسرعة مُذهلة نحو الوجهة التي يبتغيها، فما حاجته والأمر كذلك لهذا الطيران التقليدي عبر الصحافة الورقية..؟ لذلك كنتُ أتساءل- عندما علمتُ بـ «الشرق» كمشروع -عن هذه الشجاعة الكبيرة، التي واتت القائمين عليها ليُقدِموا على هذه المغامرة، وبدأت أسئلتي تتكاثر وتتعدد أنواعها وأحجامها وأنا أرى «الشرق» تمشي على قدميها في أيامها الأولى على ذلك النحو الجميل، ثم ازدادت الأسئلة وتضخَّمت وأنا أرفع رأسي وأتابع تحليقها في الأشهر الأولى. وفي غمرة اندهاشي وتكاثر…