عبدالله النعيمي
عبدالله النعيمي
كاتب وروائي إماراتي

صراع العلم والجهل

الأحد ٢٤ أبريل ٢٠٢٢

من يتابع المحتوى العربي على تطبيق يوتيوب، يلاحظ أنه يحرص كثيراً على تلبية رغبات الشريحة الأكبر من الجمهور.. وهو أمر مفهوم جداً، ولا غرابة فيه.. فمن الطبيعي أن يحرص صناع المحتوى في كل مكان من العالم على إرضاء الجمهور، وبالتالي حصد ملايين وربما مليارات المشاهدات.. لأن في ذلك اتساع لنطاق أعمالهم، ومكاسب مادية لا حدود لها. ليست هنا المشكلة، وإنما في النتائج التي ترتبت على هذا الحرص غير الرشيد، غير المحكوم بأي معايير إعلامية رصينة، بحيث أصبح الموقع، ومن يسير في فلكه من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مَكباً لكل باحث عن الشهرة والثراء، فكما هو معلوم لدى الجميع، أن الشهرة هي الخطوة الأولى في طريق الثراء، وبدونها من الصعب أن تحصد المال من المحتوى الذي تقدمه، سواءً كان ذا قيمة، أو غير ذلك.. فالعبرة في عدد المشاهدات، لأن السوق الإعلاني يركز عليها قبل أي معيار آخر. عبر التاريخ الإنساني بأكمله لم تقم لأي مجتمع قائمة إلا إذا أعلى من شأن العلم والعمل قبل سنوات قليلة كنا نسمع عن أسماء نسائية من جنسيات معينة اشتهرت بالتنجيم وقراءة الأبراج، وكان الكثير من المشاهدين يتابعون على سبيل التسلية، وتزجية الوقت.. وربما بحثاً عن طمأنينة مؤقتة، وسنة بعد سنة ظهرت أسماء أخرى غير معروفة، ومن أكثر من دولة، وفي الآونة الأخيرة انضم إليهن مجموعة…

هل سقطت الأندلس فعلاً؟

الإثنين ١٩ مايو ٢٠١٤

هذا السؤال تبادر إلى ذهني للمرة الأولى، وأنا أتابع مراسم تتويج المنتخب الإسباني بطلاً لكأس العالم بعد فوزه على منتخب هولندا في نهائي مونديال 2010 الذي أقيم في العاصمة الجنوب أفريقية جوهانسبيرغ. وازداد إلحاحاً بعد اطلاعي على ملامح النهضة الشاملة التي شهدتها إسبانيا في القرن المنصرم، والتي جعلت منها قبلة للسياح المتعطشين لمشاهدة الفنون، وتذوق الأدب، ومتابعة الرياضة. ولا يخفى على القارئ الكريم بأن ما يعرف اليوم بشبه الجزيرة الإيبيرية، والتي تتكون من مملكتي إسبانيا والبرتغال حالياً، هي نفسها بلاد الأندلس التي حكمها المسلمون قروناً طويلة، ووصلوا فيها إلى ذروة نهضتهم ومجدهم، وخسروها بعد تنازل أبي عبدالله الصغير عن حكم غرناطة، آخر معاقل المسلمين فيها، وتسلميها طوعاً لفرينانديو وإيزابيلا، في مشهد درامتيكي حزين، قالت على إثره والدته الأميرة عائشة الحرة مقولتها الشهيرة «ابكِ كالنساء ملكاً مضاعاً، لم تحافظ عليه مثل الرجال». نعم، لقد سقطت الأندلس بمعاييرنا نحن كمسلمين، فالخروج من ملة الإسلام سقوط عقائدي ما بعده سقوط، ولكن ماذا عن معايير الأمم الأخرى التي تركز على مؤشرات البناء والتنمية، والتي تنظر لخروج بلاد الأندلس من عباءة الحكم الإسلامي على أنه طوق نجاة ساعدها على اللحاق بركب النهضة الشاملة التي عمت أوروبا بعد خروجها من عصور الظلام؟ فالواقع يقول إن وضع إسبانيا اليوم أفضل بمراحل من معظم الدول العربية والإسلامية، حتى،…

اليأس الإيجابي

الإثنين ٢٤ مارس ٢٠١٤

قد يستغرب القارئ الكريم من وصف شعور سلبي مثل اليأس بالإيجابية، وهو استغراب مبرر طبعاً، ولكن الغموض سينجلي من تلقاء نفسه، عندما نلمس فعالية هذا الشعور في علاج حالات غير صحية، يمكن أن نطلق عليها مسمى «الأمل الكاذب». فالإنسان في مراحل استثنائية من حياته، وتحت وطأة ظروف معينة، يرى الوهم في صورة أمل، فيتشبث به، تشبث الغريق بطوق نجاته، ويمارس مع نفسه كل الحيل اللاشعورية، لإقناعها بمنطقية أحلامه، لكن مع مرور الأيام وتكرار خيبات الأمل، تسطع شمس الحقيقة في وجهه، وكلما تأخر وقت السطوع كانت الخسارة أكبر. فلاعب الكرة صاحب القدرات المتواضعة، عندما يحلم باللعب في صفوف ناد عالمي، فهو في واقع الأمر يتمسك بأمل كاذب، غير قابل للتحقق في الظروف الطبيعية، وبالتالي يكون في حاجة ماسة للاستيقاظ من هذا الوهم، لإعادة توجيه بوصلته نحو حلم آخر، أكثر توافقاً مع قدراته. والأمر نفسه ينطبق على المشاعر، فالفتاة التي تتشبث بأمل الارتباط بشاب لم يضعها يوماً في حسبانه، هي في واقع الأمر ترتكب جريمة في حق نفسها، وتهدر على نفسها الكثير من الفرص، وقد يأتي عليها يوم، تندم فيه على كل دقيقة أضاعتها في انتظار سراب كاذب. قبل أيام التقيت بفنان قديم، قليل الظهور حالياً، وأثناء حديثي معه، سألته عن أسباب ابتعاده عن التمثيل، فأجابني قائلاً «ضللت لسنوات طويلة أحلم بالنجومية،…

دمعة على خد القاهرة!

الجمعة ٢١ يونيو ٢٠١٣

يعتقد البعض بأن أهرامات مصر تمثل أهم عوامل الجذب السياحي فيها, لكن بعد زيارتهم الأولى لها يكتشفون غير ذلك. فهذه الآثار التاريخية الهامة, منحت مصر بعداً حضارياً ضارباً في القدم, و دونت اسمها بحروف واضحة على خارطة السياحة العالمية, لكنها لم تكن في يومٍ من الأيام المحرك الأساسي لقطاع السياحة فيها, وفي معظم الأحيان يكتفي السائح بزيارتها لمرة واحدة في حياته, ويلتفت بعدها لتفاصيل أخرى في الحياة المصرية, أكثر ملامسة لميوله واهتماماته. فالروح المصرية لطيفة وخفيفة الظل بالفطرة, وشديدة الانفتاح على ضيوفها, ولديها قدرة هائلة على كسر الحواجز التي تفصلها عنهم. هذه الروح الطيبة, المتقبلة للآخر والمستوعبة لجميع الفوارق الفكرية والدينية والثقافية والاجتماعية بين البشر, هي الركيزة الأساسية لقطاع السياحة في مصر, وبدونها ستفقد المحروسة كل جاذبيتها, ولن تُفلح الشعارات المفرغة والأفكار المؤدلجة والخطابات الصاخبة في سد الفراغ الموحش الذي سينتج عن فقدانها, حتى مع وجود الأهرامات. فمصر لم تكن في يومٍ من الأيام منغلقة على ذاتها, ولم تكن حضارتها إرثاً لحزبٍ واحد, يستعدي الأشقاء ويستقوي بالغرباء عليهم, حزب يحتكر الفكر لنفسه ويهمش أدوار الآخرين ويُصادر حقوقهم المشروعة في المشاركة في بناء وطنهم وصياغة قراراته المصيرية. وتاريخ مصر الطويل يشهد بأنها كانت على الدوام ملكاً لجميع المصريين, سواءً كانوا مسلمين أو أقباط أو باشوات أو أفندية أو صنايعية أو فلاحين.…

حكمة هندية!

الإثنين ٠٣ يونيو ٢٠١٣

عندما عاد الطفل الهندي إلى أمه باكياً وشاكياً إليها تعرضه للضرب المبرح من أفراد ينتمون إلى طائفة دينية أخرى, ومتوعداً بأن ينتقم من جميع أفراد تلك الطائفة, لاحظت الأم الذكية صفة التعميم التي تصاحب حديث طفلها, فخافت منها, وحرصت على أن تجتثها من ذهنه الصغير والنقي وغير الملوث. فرسمت له خطاً عمودياً مستقيماً, كتبت على يمينه الأخيار, وكتبت على يساره الأشرار, لتوضح له حقيقة مهمة, مفادها أن الأخيار موجودين في كل مجتمع, بغض النظر عن جنسيته أو ديانته, وأن الأشرار أيضاً موجودين في كل مجتمع, مهما كانت جنسيته أو ديانته. وعليه, فيجب أن يدرك صغيرها بأن السلوك الصحيح, هو التصدي للأشرار حيثما وجدوا, أما الأخيار فهم جديرون جداً بالاحترام في أي مجتمعٍ كانوا. هذا المشهد تضمن واحدة من أهم وأعمق الرسائل الأخلاقية التي أراد المخرج الهندي جوهر كاران تمريرها إلى المشاهدين عبر عمله السينمائي الخالد My name is khan , الذي أنتجته بوليود في 12 فبراير 2010 , وحقق حينها إيرادات تجاوزت 37 مليون دولار. وفي تاريخنا الإسلامي الجميل ظهروا أخياراً كُثر خدموا البشرية وساهموا في نهضتها ورفعة شأنها, ابتداءً بخير البشر سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) , الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة, وانتهاءً بطفلٍ صغير يميط الأذى من الطريق امتثالاً لتعاليم دينه.…

لماذا باع الكورفت؟

الإثنين ٢٠ مايو ٢٠١٣

عندما أخبرني صديقي بأن والده قد أصيب بجلطة خفيفة في القلب جراء خسارته تسعة ملايين درهم في البورصة. تساءلت بيني وبين نفسي : وهل يستحق الأمر كل هذا الحزن؟ أدرك جيداً بأن حجم خسارته يعادل ما نسبته 30 % من إجمالي ثروته السائلة , ولكن المبلغ المتبقي لديه جيد جداً ( حوالي 21 مليون درهم ) . ويضمن له ولأبنائه حياة رغدة , ويضعه في خانة المقتدرين مالياً. ولن يضطره إلى طرق أبواب الجمعيات الخيرية أو مد يديه لأقربائه وأصدقائه وجيرانه طلباً للمساعدة والعون. فهو ما يزال قادراً على اقتناء البوغاتي, وارتداء الرولكس, وقضاء الصيف بأكمله خلف جبال الألب السويسرية. لكنه للأسف لم ينتبه لكل ذلك , وركز كل تفكيره على الملايين التسعة التي خسرها. وهذا الأسلوب من التفكير يصعب معه الاستمتاع بالحياة , مهما توفرت فيها أسباب الرفاهية والسعادة. في سنوات دراستي الأخيرة لعلم الاقتصاد , أخبرني دكتور ليبي قادم من ولاية أريزونا الأمريكية بأن المليون الأول في حياة الإنسان هو الذي يغير من حياته كثيراً. فمن خلاله يستطيع السفر وشراء سيارة جديدة وأثاث جديد , وأشياء أخرى كثيرة تُشعره بالفارق. والمليون الثاني له تأثير ملموس أيضاً , فمن خلاله يستطيع بناء منزل مناسب. ويبدأ التأثير بالتناقص التدريجي مع توالي الملايين في رصيده , حتى يصل في النهاية إلى…

ناريمان الصغيرة أين أنتِ ؟

الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠١٣

الساعة الآن التاسعة مساءً بتوقيت دمشق, الجو في الخارج لطيف للغاية, ويميل للبرودة, رغم أننا في الأيام الأخيرة من شهر آب, الطريق من شقتي في أبو رمانه إلى مطعم الشاميات لا يستغرق أكثر من عشر دقائق مشياً على الأقدام. فبمجرد خروجي من العمارة أنعطف يساراً باتجاه مطعم مروش, ثم أنعطف يميناً باتجاه مطعم الدمشقية, ثم أنعطف يساراً مرة أخرى لأجد مطعم الشاميات على يميني. أعتدت على تناول طعام العشاء في هذا المطعم, فمن خلاله تعرفت على السائق محمود, ذلك الشاب الطيب الظريف, الذي رافقني بعد ذلك في معظم مشاويري المسائية. وفيه تعرفت أيضاً على الحاج أبو إسماعيل, ذلك العجوز الطيب الكريم, الذي استضافنا في ظهيرة يومٍ جميل على مأدبة غداء في مزرعته بالغوطة. أما الصغيرة ناريمان, فهي أجمل من عرفت في ذلك المطعم الصغير, المستطيل الشكل والذي تصطف طاولاته على يمين المدخل وعلى شماله. فتلك الطفلة ذات السنوات الثمان, كانت تمر بين الطاولات بحجابها الأبيض الطويل, الذي يزيد وجهها الملائكي براءةً وجمالاً. لتبيع بضاعتها من كتب الأذكار والمصاحف الصغيرة. كان حلمها أن تُصبح طبيبة, وكان ذلك حلم أمها أيضاً. وهو حلم مشروع جداً لأم كادحة وطفلة مثابرة. دمشق, أو الشام كما يسميها أهلها تبعث في نفس السائح شعوراً بأنها مهد لحضارة ضاربة في القدم. تستطيع أن تلمس شواهدها في الكثير…

قلوب تنتظر!

الثلاثاء ١٩ مارس ٢٠١٣

أثناء خروجي من صلاة الجمعة توقفت لدقائق مع صديق قديم, لم أره منذ زمن, وأخبرني خلال حديثه معي عن رغبة والده في بناء مسجد في منطقتنا يتسع لقرابة خمسمئة مصلِ. فقاطعته قائلاً: جزاه الله خيراً, لكن ألا تلاحظ بأن المنطقة تزدحم بأكثر من ثمان مساجد, وعدد المصلين في معظمها لا يتجاوز أصابع اليدين في الصلوات الخمس؟ فأجابني بثقة قائلاً: ولكن لا تنسى بأنها صدقة جارية, يتجدد أجرها في اليوم خمس مرات, وتستمر في توليد الأجر لعشرات السنين. فاقترحت عليه أن يفكر في مشاريع أخرى أكثر ندرة, بحيث تولد منفعة أكبر للمجتمع, وتنطبق عليها شروط الصدقة الجارية. فأجاب: لا توجد مشاريع أخرى تناسب ميزانيتنا, فالمدارس والمستشفيات تكاليفها باهظة للغاية, لذلك تبقى المساجد هي الخيار الوحيد المتاح أمامنا. حاولت إقناعه بالتكفل بعلاج مرضى أو تسديد فواتير أو كفالة أيتام, لكنه كان يعتذر عنها لأنها ( حسب وجهة نظره ) لا تنطبق عليها شروط الصدقة الجارية, وبالتالي لن تولد أجراً دائماً يتجدد في اليوم خمس مرات, كما هو الحال في مشروع المسجد. عندها توقفت عن مجادلته وتمنيت له التوفيق, ونصحته أن يستشير جهات الاختصاص في الدولة, لعلها تدله على مشاريع أكثر أولوية وتخدم المجتمع بصورة أكبر.  ركبت سيارتي عائداً إلى المنزل, وأنا أتساءل: هل يعقل أن نحصر إنفاقنا الخيري في مشاريع محددة, فقط…